الشهيد القائد مشروع قرآني وصمود أُسطوري
إكرام المحاقري
بزع فجرُ الهداية وتلاه ضوء شمس دافئ عمّ أرجاءَ البسيطة، لينقذَ سكانَها من ظلمات حالكات وويلات قد تودي بهم إلى أليم الإهانات تحت أقدام أعداء الأمَّة؛ نتيجةَ غفلتهم وبعدهم عما بيّنه اللهُ لهم.
وما بين كُـلِّ ذلك صدع صوتُ الحق مدوياً من جبل مران، ليصرخ بصرخة الحق ويفضح بها كيد نظام لطالما لبس عباءة الدين، وسند نفسه لجدار هش سُمي بديمقراطية الجمهورية اليمنية.
إنه الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، من تكلّم في زمنِ الصمت وثبت في زمنِ التراجع وصمد في زمن الاستسلام، وواجه كبر الطاغوت بتواضعه وأنفة ما حمله في قلبِه من علمٍ علّمه اللهُ إياه، لطالما غفل الكثيرون عن هذا الرجل العظيم ولم يدركوا بأنه حسين كربلاء لكن بطريقةٍ أُخرى، ولعلَّ كربلاء حسين مران لهي أشدُّ من سابقتها، وجميعهم لهم ذاك المقام المقدّس في الجنة وفي العالمين.
لم يأتِ الشهيدُ القائدُ بجديد وقالها بملء الفم: “لم نأتِ بجديد، ولكننا نعاني من الجديد”، أي مما قدّمه الوهابيون من مناهجَ أضلّت الأمَّة ودجنتها وعبّدتها للطاغوت ومما جاء به لسان فُسق اعتلى منبر حق ليخطب بالباطل بين المؤمنين، ليقدّم الدينَ بعيداً عن ما جاء به القرآنُ الكريم، ويقدّم لهم أعداء الأمَّة، وكأنهم ذاك الولي الحميم وما إلى ذلك من نعرات طائفية، وتفرقة مذهبية وشتات للعقل ما بين سني شيعي صوفي حنبلي فاطمي ووهابي..
كذلك نفس الحال كان من نصيبِ مكونات سياسية اكتفت بتأسيس أحزاب خَاصَّة بها، وكلُّ ذلك فُعل لخدمة المشروع الصهيوأمريكي، وذلك ما بيّنه الشهيدُ القائد في دروس من هدي القرآن الكريم.
تحَرّك الشهيدُ القائدُ وكان الغريب في وطنه، بنى أُمَّـةَ الدين من تحت خط الصفر، وأنشأ مجتمعًا مجاهدًا يتحلّى بثقافة قرآنية، عنوانُها (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) وارتشفوا من هذه الآيات حبَّ الله وحبَّ البذل؛ من أجلِ الدين في نفس الوقت التي قد نذرت فيه الحكومةُ الجائرةُ نفسَها نسكاً للتقرّب من الشيطان الأكبر “أمريكا”، بشن حروب جائرة على محافظة صعدة أرادوا بها إسكات صوت الحق وإطفاء نور الله، (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
لطالما حذّر الشهيدُ القائدُ من المشروعِ الخطيرِ للصهاينة المدعومين “أمريكياً” في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما حذّر من سقوطِ العربِ إلى مستنقعِ الذلة والمسكنة، لكن في زمن طغا فيه الوقر على آذان من يسمون أنفسَهم مؤمنين، كما طغا التضليلُ الإعلامي على المواطنين البسطاء، من خدعوا بطرفة عين بمسمى “إرهاب” وإمامة ومهدوية، وما إلى ذلك من هذه المسميات الزائفة والتي ليست إلّا مجرّد دعايات استخدمها نظامُ صالح آنذاك؛ من أجلِ تشتيت الرأي العام.
لكن في هذه المرحلة الخطيرة مرحلة “صفقة القرن”، مرحلة الدسكو الحلال، وهيئة الترفيه باسم الدين والقرآن، تبين للعالم مصداقيةَ ما جاء به الشهيد القائد من حقائقَ قرآنية عظيمة، بيّنت مستقبلَ الأمَّة الإسلامية التي تخلّت عن كرامتها ودينها مقابل السلام الصهيوني أي مقابل الخضوع والخنوع والاستسلام أمام دول الاستكبار العالمية، وتناسوا قولَ الله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
لكن عقولَ العرب غارقةٌ بالطواف حول قانون “أطع الأمير وإن أخذ مالك وقصم ظهرك”، وَ”شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي”، وفرّطوا أجلَّ التفريط في حسين العصر، وفي كُـلِّ ما جاء به من كرامة وعظمة ربانية منبعها معرفةُ الله والثقة به والتصديق بوعوده والحذر من وعيده، كما بين لتلك الأمَّة الغافلة مسؤوليتها أمام الله تعالى عندما قال: كلُّ ما علينا هو كُـلُّ ما في القرآن الكريم من ألفه إلى يائه.
أمة كريمة عزيزة منتصرة شامخة ثابتة لها قرارُها وسيادتها واستقلالها ومكانتها بين الأمم، هذا ما جاء به الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي، لم يقل بعيداً عن السياسة كحال أصحاب اللحى الطويلة، بل بيّن أن السياسة الحقيقية تكمن في تقبُّل توجيهات الله تعالى في القرآن الكريم، وبيّن الحقَّ من الباطل والغي من الرشد، بل إنه حجةُ الله على المؤمنين يوم يلقونه، فما بيّنه ليس بالشيء الهين وما استهدافُه إلّا استهدافٌ لما جاء به من الحق والنور وليس استهدافاً لشخصه.
بقي حسين ومنهج حسين، وأثمرت دماءُ حسين أُمَّـةً عظيمةً يمنيةً أصيلةً، تصرخُ بالموت للمستكبرين وتضحي بالمال والنفس؛ من أجلِ الدين والوطن، وتنصر القدسَ وتنتصر له بمواقف خلّدها التاريخُ في أنصع صفحاته، فأين هم من قتلوا حسيناً وما حالهم اليوم غير الذل والهوان.
نعم الشهيد القائد مشروع قرآني، وصمود أسطوري، ومنهج خالد تتعلّم منه الأجيالُ سبيلَ الرشد والانتصار.