خمسة أعوام مضت.. كيف سيكون السادس؟
علي الدرواني
لم نعد قادرين على مواكبةِ وفهم التطورات الميدانية اليمنية المبهرة للصديق قبل العدو، فها هو الشعبُ اليمنيُّ العزيز يطوي عاماً خامساً من الصمود في وجه تحالف العدوان الهمجي المتوحش، ويفتتح عاماً سادساً، وبجعبته الكثيرُ من الإنجازات العظيمة، على مختلفِ المستويات، مع الثبات على الموقف، دون تزحزح، بثقةٍ عظيمةٍ بالله وبوعده ونصره.
وبنظرة سريعة على ما تحقّق خلال العام الخامس، بناءً على تراكمات الأعوام الأربعة السابقة، فسنرى بداية هذا العام كانت عمليات تحرير جبال العود المطلة على محافظة الضالع بما تُمثّله من تأمين محافظة إب، وكسر مشروع العدوان وخططه هناك، التي كانت تعملُ بصمت، لتطويق المحافظة واقتطاع أجزاء منها تدريجياً، فجاءتهم عملياتُ الجيش واللجان المفاجئة لتعيدَهم إلى ما خلف قعطبة والفاخر باتّجاه الجنوب المحتلّ.
العمليةُ الثانيةُ كانت من أقصى الشمال، وكيف أحبطت جهود تحالف العدوان التي كرّسها طوال أعوام للتوغل في محافظة صعدة من ثغرة كتاف والبقع، وكيف استحالت تلك الحشود والألوية بعدتها وعتادها، إلى هشيمٍ تذروه الرياح، مع عملية نصر من الله، الأولى والثانية، المعلنة في سبتمبر الماضي، وكيف التهمت الخططُ العسكريةُ الموفقةُ من الله تعالى كُـلَّ مكر العدوّ ومرتزِقته، وأعادتهم في تلك الجبهات إلى نقطة الصفر، بعد أن كانت جحافلُهم قد توغلت في تلك المناطق الوعرة عشرات الكيلومترات.
وباستدارة إلى الشرق، وبالتحديد شرق صنعاء، في نهم وأطراف الجوف ومأرب، كجبهات ظلّت على مدى أربع سنوات تهديداً خطيراً للعاصمة صنعاء، وأصبحت نهم وجبالُها مخازنَ للأسلحة والذخائر، وأوكاراً للتخطيط، ومراكزَ للعبث بأمن المواطنين، ومع ذلك فقد حقّق المجاهدون واحداً من أكبر الانتصاراتِ على تحالف العدوان، وبطريقة مختلفة كلياً، وتكتيك بعيد كُـلّ البعد عن تكتيكاتِ وخططِ عملية نصر من الله، أُجهضت محاولاتُ العدوّ ومرتزِقته للتقدّم نحو صنعاء من عدة محاور تحت غطاء جوي مكثّـف، باءت كلُّها بالفشل؛ نظراً لاستعدادات المؤمنين المرابطين، الذين حوّلوا تلك الزحوف إلى هجمات مرتدة، وانقلب السحرُ على الساحر، وجاءت عمليةُ البنيان المرصوص لتعلنَ تحرير كُـلّ مديرية نهم، وبعضٍ من مديريات مأرب والجوف، والوصول إلى تخوم عاصمة الجوف ومأرب، ونقل التهديد إلى بؤرة تجمع الخونة في مدينة مأرب ومركز الجوف بالحزم.
وما هي إلا أيام، حتى حملت عملية البنيان المرصوص، ولما أثقلت استندت إلى الرعب الذي دبَّ في أوساط المرتزِقة، وحالة الضعف والوهن التي لحقت بهم، والمعنويات المنهارة التي تلبستهم، والتخوين والتلاوم الذي أصابهم، لتلدَ عملية فأمكن منهم، بعد مخاض عسير على الخونة والمنافقين، كبّدهم خسارةَ واحدةٍ من أهمِّ الجبهات.
ومع الإنجازات الميدانية السالفة، كانت عمليات استهداف العمق السعوديّ، بضربات نوعية كثيرة، لا سيما تلك التي استهدفت حقولَ أرامكو في بقيق وخريص، وما أسفر عنها من تداعيات كبيرة على السعوديّة وكشف هشاشتها، وضعفها أمام المسيّرات والبالستيات اليمنية، ولا تزال تلك التداعيات إلى اليوم، ومنها الإعلانُ عن خسائر بنسبة 20 بالمِئة من عائدات أرامكو في العام 2019، مقارنةً بالعام 2018، وهي نسبةٌ كبيرة، وتقابل مليارات الدولارات؛ لما تمثّله تلك العمليةُ من دلائل على تنامي وسائل الردع اليمنية، وقدرتها على إيذاء السعوديّة في أيِّ مكان وزمان.
لا ننسى هنا التطورات الملحوظة والمعلنة في سلاح الدفاع الجوي، وتطوير منظومات دفاعية فعالة، أثبتت فعاليتها عملياً بإسقاطِ عدد من طائرات العدوان المتقدمة، من نوع أم كيو9 الأمريكية، وَطائرات وينغ لونغ الصينية، بالإضافة إلى طائرات التايفون الأوروبية.
هذه النتائجُ عبارة عن تفاصيل وإن كانت هامّةً، إلّا أن الأهمَّ هو ما الذي يتحقّق منها مجتمعة، وللإجابة باختصار، فَإنَّ أبرزَ النتائج كالتالي:
1- بروز حكمة القيادة اليمنية ممثّلةً بالسيد القائد عبدالملك الحوثي، في إدارة واحدة من أشرس المعارك والحروب المشتعلة اليوم في العالم، والقدرة على التعامل مع الظروف المعقدة، في كُـلِّ المستويات، والتي ساهمت في صمودِ الشعب اليمني رغم المؤامرات والمكائد، ورغم الحصار والتجويع، بل وتحويل هذا الصمود إلى منجزات ماثلة للعيان، والإمساك بزمام المبادرة في الميدان والسياسة، والمضي بخطى واثقة في طريق تحرير اليمن كُـلِّ اليمن من المحتلّ الأجنبي والهيمنة الخارجية.
2- إحباط مشاريع التقسيم والتجزئة بتحرير الجوف والاقتراب من تحرير مأرب، سواءً بصيغة الستة الأقاليم، أَو بصيغة الأربعة الأقاليم التي عملت عليها بريطانيا مؤخراً، وبهذا يزداد الالتفافُ الشعبيُّ حول القيادة السياسية، والمشروع الوطني، ويجعل المخدوعين والمغرّر بهم يعيدون حساباتهم ويجدّدون تفكيرَهم وقد يحزمون حقائبَ العودة إلى حضن الوطن.
3- تأمين الحدود الشمالية مع السعوديّة، ما يفتح البابُ واسعاً لاستهداف المناطق السعوديّة والمواقع العسكرية هناك، وربما يؤدّي لفتح جبهات جديدة هناك للردِّ على العدوان السعوديّ المستمر، وتطوير استراتيجيات جديدة وتكتيكات غير معهودة، معتمدة على الهجوم وليس الدفاع.
4- تحرير نهم والجوف أعطى قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة ميزةَ تطويقِ مأرب، من الغرب والشمال، وَإذَا ما أخذنا العمليات الجارية في صرواح وقانية بالبيضاء، فهذا يعني أن مأرب أصبحت مطوقةً من ثلاث جهات، وبات تحريرُها أقرب من أيِّ وقت مضى، وعلى الأغلب لا ينتظر إلّا قرارٌ سياسيٌّ فقط.
5- فرض معادلات ردع مهمة باستخدام سلاح الجو المسيّر، والصواريخ البالستية، والمجنحة، والقدرة على استنزاف السعوديّة، وتوسيع مروحة الأهداف وحساسيتها، بما تعنيه ليس فقط في مجال التصدي للعدوان، بل في تموضع اليمن كفاعل رئيسي في رسم المستقبل الأمني والسياسي وتقليص مساحة العبث السعوديّ بالمنطقة.
6- تحصين نسبي للأجواء اليمنية في وجه الطائرات السعوديّة وتقليص فاعليتها، والحد من تأثيرها، وهو الأمرُ الذي بدا واضحاً في حماية تحَرّكات الجيش واللجان الشعبيّة، وتقدمهم الميداني لتطهير نهم والجوف، والاحتفاظ بتلك الانتصارات والمكاسب الميدانية.
7- إظهار حالة التمزّق والتشرذم التي تعيشها قوى العمالة والارتزاق، بالإضافةِ إلى تباين مشاريعها، وصراعاتها العميقة، وظهور الوجه القبيح لكلِّ تلك الأدوات، فالقاسمُ المشتركُ الوحيدُ بينهم إلى جانب العمالة والعمل لصالح الأجنبي، هو الفساد واللصوصية الفجة المثبتة في التراشق الإعلامي، والتي كشف الكثير منها خلال الأيّام القليلة الماضية.
8- من المنطقي أن تترسخ قناعة بعدم القدرة على الهيمنة على اليمن، وبالتالي ترك اليمن ليقرّر مصيرَه بنفسه، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، وبعيداً عن الاستقواء بالسلاح، وحتى لو كان اليمنُ ضعيفاً، لن تستطيعَ أيةُ قوة إركاعَ هذا الشعب المتسلح بالإيمَان، الواثق بالله والمتوكل عليه، ولن يقبل شعبُ الإيمَان والحكمة أن يكون ذيلاً لأذيال الأمريكان والإسرائيليين.
فعلى الأمم المتحدة ومبعوثها أن تغيّر من طريقة التعاطي مع اليمن، وأن تتعاملَ مع المتغيرات الكبيرة التي حصلت، وعلى المجتمع الدولي أن يحترم إرادةَ الشعب اليمني، ويسحب قراره المشؤوم 2216، فلا مكان لهادي وأزلامه الخونة بين هذا الشعب، بل قد أخذ فترته التي نصّت عليها المبادرة الخليجية وزيادة بأكثر من ست سنوات، هادي ليس قدراً على اليمن، ولم نسمع أن الرئاسةَ اليمنيةَ كُتبت باسمه، اليمن شبَّ عن الطوق، ولن يعود للتبعية والارتهان لأية قوة، وهنا يجدر بالمرتزِقة أن يدركوا ما آل إليهم حالُهم، وكيف عصفت بهم السنون، وما حلَّ بهم من هزائمَ ونكسات، ولو أنهم كانوا في وطنهم والى جانب شعبهم، لشعروا بفخر يسامي السحاب، ولعلَّ الوقت لا يزال متاحاً، والأبواب مفتوحة للعودة، فالقادمُ هو النصرُ لليمن على المعتدين، وتحقيق السيادة والاستقلال التام، ورفع راية العزة والشموخ بإذن الله.