مشروع السيد حسين وأهميةُ القراءة الواعية
محمد أمين الحميري
في مناهجِ البحث العلمي يتحدّث المتخصِّصون عن أهميّةِ تحلّي الباحث بالإنصاف والموضوعية في قراءته للرؤى والأفكار، سواءً مما يتفق مع توجّـه الباحث أَو يخالفه، ويؤكّـد المعنيون في هذا السياق على أهميّة أن يمتلك الباحثُ الاستقلالية والتجرد عند التقييم والتصنيف، وعلى ضرورة إخضاعِ كُـلِّ جديدٍ يخالفُ المألوفَ الذي اعتاد عليه لمناهج البحث المعتبَرة؛ مِن أجلِ الوصولِ إلى الحقائق السليمة ولو في الحدِّ الأدنى، ومما يشار إليه في هذا السياق الاستفادة من تجارب الآخرين ولو كانوا أعداءً، وبيننا وبينهم من القطيعة والخلاف الشيء الكثير، وهنا يردّد الكثيرُ العبارةَ التي تقول: “الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أولى الناس بها”، بل إن المتصدرين مشهدَ البحث العلمي عادةً ما يؤكّـدون على أن هذه المنهجية العلمية في الحوار والنقاش والبحث والتقييم قائمةٌ على أَسَاس منهجية القرآن الذي أرسى الكثيرَ من القواعد في هذا الباب، والأمر كذلك نعم.
وإلى هنا نعتبر أن هذه المعلومات المعرفية والتنبيه عليها في المحاضن العلمية وخَاصَّة الجامعات أمرٌ مهمٌّ، لكن المشكلةَ أننا في واقع العمل نجد أن كثيراً ممن قضى عمرَه في التنظير لهذه المنهجية أَو له جهوده في جانب التعليم والتربية يضيقون ذرعاً أمام العديدِ من المشاريع والرؤى التي يقدمها الآخرون في الساحة مما هو في إطار الإسلام ويخدُمُ أُمَّــة الإسلام.
ولا أدَلُّ على هذه السياسة الرعناء وكمثال في واقعنا اليمني، مِن تعامل الكثير مِن أدعياء الوعي والثقافة مع المشروع الذي أطلقه السيدُ الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمةُ الله تغشاه- لإصلاح الأُمَّــة والنهوض بها، وكيف شرّق البعضُ وغرب آخرون ووصل البعضُ إلى طريقٍ مسدود، والكثير لزم الصمت والحياد، في وقت كان بإمْكَان الجميع التعامل مع الموضوع بجرأة عالية ودراسة ما قدّمه الرجلُ بمهنية، ومن ثم عرض ما تم التوصلُ إليه بتحديد نقاط الاتّفاق والاختلاف، فهذا لم يكن للأسف الشديد، بل قد رأينا الكثيرَ ممن كانوا يتغنون بالفكر التنويري يسارعون للوقوف في صف الطغاة والظالمين والمجرمين وينظرون ويشرعنون لممارساته وسلامة توجّـههم في الوقوف إلى جانبه، ولعل ما يمنع هؤلاء من القراءة الواعية هو النظرة من زاوية طائفية أَو ثمة مصالح متعددة تمنعُهم، أَو هو غياب الوعي الرشيد في واقعِهم، فهم ينطلقون من قناعات وتصورات خاطئة وتُمثّل بالنسبة لهم جزءاً من الدين الحق، وهي في واقع الأمر مبنيةٌ على الكذب والباطل.
عموماً.. في الوقتِ الذي نُجدّد فيه عزاءَنا لإخواننا في جماعة أنصار الله في ذكرى استشهاد الرجل المؤسّس القائد الإصلاحي الفذ الذي مثّل مشروعُه ثورة فكرية وثقافية وسياسية في غاية الأهميّة، ولا ينبغي لأولي الألباب من كُـلِّ التوجّـهات أن يمروا عليها مرور الكرام، سيما وقد جعل من القرآن الكريم منطلقاً له في مشروع التغيير والإصلاح.
ننصحُ الكُتَّابَ والمثقفين والعلماء والمهتمين في مجال البحث العلمي خَاصَّةً ممن لا يزالون في حيرةٍ من أمرهم أَو متسكعين وراء هذا وذاك، بأهميّة إعادة قراءة المشروع حتى لا يستمروا في التخبط والتيه عند قراءة الأحداث التي تشهدها اليمن ومع جماعة أنصار الله في ذات الوقت، فهذا سيؤثر سلباً عليهم وعلى مستقبلهم ومستقبل أتباعهم.
وليعلمِ المحرضون أن سياسةَ التضليل لن تكونَ عائقاً أمام العقلاء من كُـلِّ مكونات المجتمع، وسيتفاعلون مع المشروع الذي قدّمه الشهيد وعلى دربه يسير اليوم الأخ السيد عَبدالملك الحوثي -يحفظه اللهُ-، وكل ذلك من منطلق قيمي أخلاقي تقتضيه الفطرة السليمة وحقائق المنطق وتحث عليه الشريعة الغراء في الكتاب والسُّنة، فالوقوفُ في وجه الطغاة والمجرمين والعمل على مقاومتهم والسعي للاستقلالية الكاملة من خلال العودة الواعية إلى الله، يُعدُّ من الأعمال التي ارتضاها اللهُ لنا، والتفريط في ذلك معناه التفريط في ديننا، والتفريط في الدين تفريط بما يقتضيه من عزة وكرامة وحرية واكتفاء ذاتي على كُـلِّ الأصعدة، وسنظلُّ نردّد “القرآن يجمعنا” والله يقول: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وعلى إخواننا في أنصارِ الله الحرصُ على التقييم المستمر، وإفساح المجال أمام الآخرين ليتعرّفوا على المشروع على حقيقته، وليقفوا عند وجهاتِ النظر المغايرة في بعضِ القضايا وَالأفكار بوعي وحكمة، وليسعنا الحوار الإيجابي والنقاش الهادف فيما نختلف فيه وهو قليلٌ جِـدًّا جِـدًّا، وبما أننا كيمنيين قد وجدنا في هذا المشروع بغيتنا، فمعاً يداً بيد لتجاوز تراكمات الماضي، ووضع خارطة الطريق للانطلاق نحو المستقبل، ولو في حدودِ المتفهمين وكل من آمن بالتحرّر من الوصاية الخارجية، وفي ذلك الخير إن شاء اللهُ.