العامُ السادس وضروراتُ مواجهة العدوان
حسن حمود شرف الدين
دخل العامُ السادسُ من العدوانِ الأمريكي السعوديِّ علينا نحنُ الشعبَ اليمنيَّ، والعالمُ لا زال يلتزمُ الصمتَ الغريبَ تجاه هذا العدوان، الذي تسبّب في استشهادِ الآلافِ من الأطفال والنساء والعجزة والآمنين في منازلِهم.
مع استمرارِ صمت العالم تجاه هذا العدوان الغاشم، تظهرُ بوادر إلهية مفادُها أَن الحصارَ الذي يتجرَّعُه الشعبُ اليمنيُّ لا بُــدَّ أن يتذوَّقَه الجميعُ؛ لصمتِهم وتغاضيهم عن مظلومية الشعب اليمني، فها هو فايروس صغيرٌ لا يُرى بالعين المجرَّدة يفرِضُ حصاراً اقتصادياً واجتماعياً صلفاً على جميعِ شعوب العالم دون استثناء.
رُبَّما تكونُ المصادفةُ، وربما تكون القدرةُ الإلهية التي يؤمن بها العقائديون من اليهود والنصارى ومختلف الديانات التي تؤمن بوجودِ الله تعالى.
نعودُ إلى موضوعِ دخول العام السادس من العدوان على اليمن، ولننظر ونتأمل إلى جوانبَ أُخرى غير الوفيات والخسائر التي خسرها الشعبُ اليمني، ماذا كان هذا العدوان بالنسبة لنا نحن الشعب اليمني المناهض لهذا العدوان؟!
إن العدوانَ كان ولا زال بمثابةِ صفارة إنذار توقعها الشهيدُ القائد حسين بدرالدين الحوثي، حين حذّر من خطر التواجد الأمريكي في اليمن الذي يسعى إلى احتلالِه بأية وسيلة من الوسائل الممكنة تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ما هي إلا أيام وامتصَّ الشعبُ اليمنيُّ صدمةَ العدوان الغاشم، وبدأ بترتيب صفوفه فكان بدء الرد على العدوان بعد أربعين يوماً من بدء العدوان، وفتح جبهةً على الحدود اليمنية السعودية، فكانت هذه الخطوةُ صادمةً للنظام السعودي الذي لم يتوقع جهوزيةَ اليمنيين بهذه السرعة والقوة، بعدها أعلن السيّدُ القائدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي الخطواتِ الاستراتيجيةَ في مواجهة العدوان، كفرصةٍ ثانية لتحالف العدوان باتّجاه إيقاف العدوان، لكن تمادي قوى الشر وإصرارها على احتلال اليمن حال دون إيقاف العدوان، حينها بدأت الخطواتُ الاستراتيجيةُ التي أعلن عنها السيّدُ القائدُ حين قامت القوة الصاروخية باستهدافِ العمق السعودي والإماراتي، بصواريخَ باليستية طويلة المدى وصواريخ أُخرى، وهذه الصواريخُ ظلّت في حينه لُغزاً حيّر قوى تحالف العدوان من أين لليمنيين هذه الصواريخ التي تصلُ إلى العمق السعودي؟، رغم أَن أمريكا سبق أَن عطَّلت الصواريخ اليمنية أثناء العملية المشهورة أثناء تواجد الفارّ هادي على رأس النظام، عملية إعادة هيكلة الجيش اليمني أفراداً ومعداتٍ.
من ضروراتِ مواجهة العدوان كان لا بُدَّ من تحفيزِ الصناعة العسكرية، وهو ما تم بالفعل فقد استطاعت القوةُ الصاروخيةُ من صناعة الصواريخ يمنية الصنع، تُصيبُ أهدافَها بدقة كما استطاعت خوضَ غمار صناعة الطائرات المسيّرة التي كان لها دورٌ بارزٌ خلال العامين الماضيين، من خلال استهداف المعسكرات والمطارات الاستراتيجية والمنشآت الحيوية التابعة للعدوِّ السعودي الإماراتي، والجميع لا يزال يحتفظُ في ذاكرته بتلك المشاهد التي سجلها وبثتها وسائلُ إعلام العدوّ قبل وسائل الإعلام الوطنية.
لم تكن الصناعةُ العسكرية فقط في اهتمام القيادة والوطنيين، فقد كان للسلم الاجتماعي مكان في مواجهةِ العدوان، من خلال إعلان وثيقة العرف القبلي والتي كان لها دورٌ كبيرٌ في جمع الكلمة وتوحيد الصف الداخلي باتّجاه مواجهةِ العدوّ الأمريكي السعودي الإماراتي، هذه الوثيقةُ التي كانت نتاجَ مؤتمر حكماء اليمن استطاعت معالجةَ كثيرٍ من المواضيع المتعلقة بالمجتمع والقبيلة، وجعلها رافداً رئيسياً للجيشِ واللجانِ الشعبيّة بالرجال والمال على مختلفِ الجبهات العسكرية.
من ضروراتِ مواجهة العدوان أَيْـضاً، كان لا بُدَّ من وجود بنية اقتصادية قوية ومتماسكة أمام الحصار الاقتصادي الذي فرضته قوى تحالف العدوان منذُ أول يوم للعدوان، فكان إعلان النفير العام لرجال المال والأعمال باتّجاه رفد القطاع الاقتصادي بكلِّ ما هو ممكن لخلق استقرار اقتصادي خصوصاً بعد قيامِ تحالف العدوان بنقلِ البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وتوقف الرواتب وطباعة عُملة جديدة دون غطاء مالي، أثّر ذلك سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين بشكل عام، لكن الجبهةَ الاقتصادية كان لها دورٌ كبيرٌ لإعادة الاستقرارِ المعيشي في حدوده الدنيا، وكانت آخر قرارتها إيقاف التعامل بالعملةِ غير القانونية والترتيب للانتقال بالتعامل بالريال الإلكتروني والإجراءات الأخيرة باتّجاه التعافي والإنعاش الاقتصادي.
العدوانُ أَيْـضاً كان حافزاً قوياً لإعادةِ ترتيب الأولويات في الداخل اليمني بالنسبة للقيادة، وهو مواجهةُ ومكافحة الفساد المالي والإداري، من خلال تفعيل الخطوة الأولى “الشكاوى” في جميعِ المرافق والمؤسّسات الحكومية وإلزامها بنشر الخدمات التي تقدمها.
الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة هي أبرزُ ضرورات مواجهة العدوان، وهذه الرؤيةُ العميقة التي تنفّذ على عدة مراحلَ، يأمل الجميعُ فيها بأنها ستعالجُ كثيراً من الاختلالات المالية والإدارية، وكذلك البنية التحتية للدولة اليمنية، حتى تكونَ من الدول الرائدة في مختلفِ المجالات التعليمية والصحية والسياسية والعسكرية وغيرها.
كثيرةٌ هي ضروراتُ مواجهة العدوان، ذكرنا بعضاً منها، والبعض الآخر الواقعُ يتحدّث عنه، كالجانب الإعلامي الوطني الذي استطاع مواكبةَ العدوان وفضحه للعالم رغم استهدافِه مع أول دقيقة من العدوان بإسقاط القنوات الوطنية من الأقمار الصناعية، اليوم لدينا إعلامٌ وطني قوي استطاع كسبَ ثقة الجمهور المحلي والدولي، كما ظهر كيانٌ جامعٌ للإعلام في عام 2016م وهو اتّحاد الإعلاميين اليمنيين، ككيان جامع للإعلاميين والمؤسّسات الإعلامية الوطنية المناهضة للعدوان، يقومُ برصدِ وتوثيق الانتهاكات التي يتعرّض لها قطاعُ الإعلام والإعلاميون اليمنيون من قبلِ تحالُفِ العدوان السعودي الأمريكي، وقد عُقد مؤتمرُه الإعلامي الأول في العام 2016م، وانبثق عنه ميثاقُ الشَّرَفِ الإعلامي كوثيقةٍ إعلامية أخلاقية تنظِّمُ العملَ الإعلامي في المؤسّسات الإعلامية الوطنية، أبرزُ مهامِّه مواجهةُ العدوان الأمريكي السعوديِّ.