خمس سنوات من الحرب على اليمن: الإيذان بحقبة النصر وسط مأساة كبيرة
جوليا قاسم
يختم يوم 26 مارس 2020م مرور خمسة أعوام منذُ إطلاق التحالف الذي تقوده السعوديّةُ وتدعمه الولاياتُ المتحدة الحرب العدوانية والحصار الخانق على اليمن، وبينما تُرجمت أول عامين من أعوام هذه الحرب التدميرية الشرسة إلى مكاسبَ عسكريّة على الأرض لصالح التحالف، لم تتوقع السعوديّةُ ولا حلفاؤها بأنَّ نصفَ عقد من القصف والحصار سينتج توازناً جديداً للقوى في اليمن، سيؤدّي إلى دفعِ القوة المُقاوِمة على أرضها نحو مستويات غير مسبوقة على كافة الأصعدة، وخصوصاً العسكريّة والدبلوماسية والسياسية والاستراتيجية.
أحد أهمِّ تلك الجوانب التي تمكّنت اليمنُ من تحقيق تقدّمٍ مذهل فيها كان قدرات الدفاع الجوي التي تمكّنت من إدخالِها في المعركة ضد مقاتلات التحالف وطائراته الحربية، فخلال السنوات الخمس الماضية، وصلت هذه القدراتُ الجويةُ في مجال الدفاع إلى مستويات غير مسبوقة، مع استغلال مخزونات بطاريات وصواريخ الدفاع الجوي السوفييتية القديمة بعد إعادةِ صيانتها وتعديلها وتطويرها محلياً.
وهذا الإنجازُ تمّت برهنتُه في الميدان، مع نجاحات أنظمة الدفاع الجوي التي بات أنصارُ الله يمتلكونها ويستخدمونها ضد طائرات التحالف.
قبل الحرب وقبل فرض الحصار الخانق على اليمن، كانت الولاياتُ المتحدة الأميركية تستخدم اليمنَ كموقع تجارب لحرب الطائرات بدون طيار، فمنذُ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، نشطت القاعدةُ في اليمن بمستوى عالٍ لم يُفد سوى أميركا وآلة الحرب الصناعية العسكريّة الأمريكية، لتتوسع في هذا المجال، ومن خلال حرب الطائرات بدون طيار، لم تقم الولاياتُ المتحدة بوقف تمدّد رقعة سيطرة وانتشار التنظيم الذي كانت تستفيد منه بالفعل، بل ساعدت أَيْـضاً على تسهيلِ انتشارٍ أكبرَ للقاعدة من خلال منح المنظمة الإرهابية التغطية الجوية والشرعية والتعاطف المحليين، وكل ذلك حتى تتمكّن الولاياتُ المتحدة من إطالة ذريعة تواجدها في اليمن.
وبالنظر أَيْـضاً إلى أن الضربات الأمريكية ضد القاعدة لم تفعل شيئاً يذكر لتحدي وجود أَو تهديد نفوذ التنظيم في البلاد، فمن الممكن القول بأن المنظمةَ احتفظت بل وحسنت وضعَها على الأرض بدلاً عن احتوائها من قبل الولايات المتحدة، أما في حرب اليوم بات واضحاً للجميع بأن التحالفَ الأمريكي السعوديّ الإمارات، كان في ما يمكن وصفه بالحلف الاستراتيجي مع من تزعم هذه الدول بأنه أحد خصومها، أي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
الولاياتُ المتحدة وبدلاً عن التفكير في التنسيق مع العدوّ الحقيقي للقاعدة –الحوثيين–، والذي كان يكافح وجودَ التنظيم من محافظة يمنية إلى أُخرى حتى قبل شهرين من إطلاق السعوديّة للحربِ على اليمن، قامت بتجاوزِ الاعتبارات السابقة التي وضعتها لمواجهةِ من تسميهم بأعدائها في المنطقة، وانتقلت إلى مواجهةِ محور المقاومة بجميعِ أقطابه، تاركةً خلفها الحربَ ضد القاعدة التي أصبحت اليومَ صديقة حلفائها.
بعد فترة وجيزة من بداية الحرب بقيادة السعوديّة على اليمن في عام 2015، استخدم التحالفُ تكتيكات حرب الطائرات الأمريكية بدون طيار ضد حركة أنصار الله بعد 6 أشهر من الثورة الشعبيّة في سبتمبر 2014م، ضد نظام هادي المدعوم من السعوديّة.
النجاحاتُ التي حقّقها الجيشُ اليمني مدعوماً باللجان الشعبيّة، تُرجمت على أرض الواقع في جانب الدفاعات الجوية ضد الماكنة الحربية الجوية للتحالف، بعد تفعيل وتطوير منظومات فاطر-1 وثاقب بأنواعها الثلاث، والتي تمكّنت من إسقاطِ طائرات حربية أمريكية الصنع من طراز F-16 وَF-15، بالإضافةِ إلى مقاتلات أُخرى مثل (تورنادو وتايفون)، فضلاً عن عدد من الطائرات بدون طيار نوع أم كيو 9 رايبر وإم كيو 1 برادتور الأمريكية، ودرونات Wing loong وَCH-4 الصينية، ذلك بالإضافةِ إلى مروحيات الأباتشي، التي أسقطت أُولاها في مايو 2015، وفقاً لوكالات أنباء يمنية بعد أقل من شهرين من بدء حملةِ القصف السعوديّة، لم يتم من عبر قدرات أَسَاسية غير متمرس عليها، أَو بواسطة أسلحة إيرانية كما يروج له في وسائلِ الإعلام الغربية، بل عن طريقِ عمليات إعادة تعديل دقيقة للغاية للمخزونات السوفيتية القديمة، للمواصفات الديناميكية الحرارية وتطوير مديات تلك الأسلحة.
لقد كان نجاحُ هذه الدفاعات الجوية يعني بأن الطائراتِ الحربية السعوديّة ستبقى بعيداً عن أجواء صنعاء العاصمة، لكن ولسوءِ الحظ، حوّل التحالفُ العدواني هجماتِه نحو المدنيين، فوفقًا لتقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد قُتل في العام الماضي فقط، حوالي 131000 مدني؛ نتيجة لأسباب غير مباشرة تتعلّق بالتحالف السعوديّ الأمريكي، بما في ذلك وباء الكوليرا والتجويع وغير ذلك من آثار الحصار الذي فرضه النظامُ السعوديُّ على الحديدة، فضلاً عن قتل 102000 مدني؛ نتيجة الأعمال الحربية المباشرة، ومع خسارةِ السعوديّة للمزيد من المناطق التي تسيطر عليها في اليمن، من المتوقع أن ترتفع المذابحُ ضد المدنيين، سواءً غير المباشرة أَو المباشرة، وستتركز بشكلٍ خاص في المناطق ذات المخاطر الاقتصادية العالية، مثل الحديدة، أَو عبر معاقبة المناطق التي باتت على مقربةٍ من التخلص من النفوذ السعوديّ، مثل مأرب.
اقتصادياً:
جبهة أُخرى كانت المقاومةُ اليمنيةُ تقاتلُ فيها بضراوة، كانت الجبهة الاقتصادية، وبما أن التحالفَ كان مصمّماً على إصابة اقتصاد اليمن بالشلل، فقد كان ردُّ القوات اليمنية كبيراً ومكن في تكبيد العدوان لخسائر فادحة، وقد بلغت الخسائرُ ذروتها في هجوم بقيق وخريص في سبتمبر 2019 على منشآت أرامكو السعوديّة، مما أَدَّى إلى خفضِ ما يقرب من نصف إنتاج الخام الذي تصدره المملكةُ كنتيجة مباشرة لذلك الهجوم، كما تم تكرارُ تلك الهجمات مرةً أُخرى مع ضربات فبراير 2020 على المنشآت النفطية في ينبع، والتي على الأرجح بأنه تم اعتراضُها غالباً، إلّا أنها استمرّت في دفع الحواجز التي تواجهها اليمن على الصعيدين الاقتصادي والإقليمي.
لقد كانت الحربُ الاقتصاديةُ المستمرّة ضد الشعب اليمني، بالإضافةِ إلى الحملة العسكريّة للتحالف، من أبرز سمات هذه السنوات، وشمل ذلك (إغلاق مطار صنعاء الدولي منذ أغسطُس 2016م، وحظر الوقود والواردات الأَسَاسية من الدخولِ إلى الحديدة، ومؤخّراً قطع كابل فالكون تحت سطح البحر الذي قضى على معظمِ خدمات الإنترنت في صنعاء والمحافظات المجاورة لها في يناير، فضلاً عن حرمانِ الناس من الوقود والغذاء والإمدادات الأَسَاسية وكذا عائدات تصدير النفط التي تستحوذ عليها حكومةُ هادي، في الوقت الذي كان الشعبُ اليمنيُّ فيه بأمس الحاجة إليها)، وكان كُـلُّ ذلك وأكثر هو السبب الرئيسي للمجاعة التي تؤثر على حوالي 10 ملايين شخص.
إقليمياً:
في حين تراجعت التقدماتُ على الأرض داخل البلاد، لا سيما في تلك المناطق التي تقدّم فيها التحالفُ السعوديّ منذ يوليو وأغسطُس 2015، أصبحت جهودُ القوات اليمنية وتقدماتها العسكريّة على الأرض أقوى وأكثر تعقيدًا ونجاحًا من أي وقت سبق، كما أن محاولاتِ السعوديّة لكسر التقدم لم تعد ناجحةً كما كانت عليه في عام 2015.
الانتصاراتُ الأخيرة في الجوف والجهود التي تبذل للتقدّم نحو مأرب، هي شهادة أُخرى على النجاحِ الكبيرِ الذي تكلّلت به الجهودُ الأخيرة في سبيل التحرير الكامل، في جميع تلك المناطق التي أخذها التحالفُ من 2015م، هذه القوة المتجدّدة التي أدّت لإعادةِ تحرير كامل أراضي الجوف ستكون حتماً أكثرَ فاعلية لتحريرِ مأرب، وستمهّد الطريقَ لاستمرار التقدّم بنجاح وقوة.
خلال العامين الماضيين، أحبطت جهودُ أنصار الله في نجران وجيزان الهجماتِ السعوديّة، وكشفت عن ارتفاع كبير في مستوى تطوّر عمليات أنصار الله ضد المرتزِقة المدعومين من الجيش السعوديّ، وذلك يمكن إثباتُه مع بدء العديدِ من حلفاء التحالف في سحب مرتزِقتهم، مثل السودان، بالإضافة إلى تغيير مسار عملياتهم العسكريّة بشكلٍ كبير من ناحية الأهداف.
لقد أنتجت اليمنُ من خلال تلك التجارب والمحن لنفسها رؤية وطنية متكاملة، تم الكشفُ عنها في أبريل 2018م، ركّزت فيها على سيادة القانون، والحكم العادل، ومحاربة الفساد.
وقد تضمن بناء هذه الرؤية أَيْـضاً إزالة الروايات الكاذبة، الاستنتاج الاختزالي بأن اليمنيين هم فقط “في حالة حربٍ مع أنفسهم”، وليس فقط حجب الديناميكيات الجيوسياسية وواقع العدوان فحسب، بل عمل إسقاط يصف بدقة وضعَ البلد تحت العدوان، لقد كان ذلك بعد عام 2017 بشكل خاص، عندما شنَّ ولي العهد محمد بن سلمان انقلاباً داخلياً لتعزيزِ سلطته على أفضلِ وجهٍ.
إن تحالفَ العدوانَ وحلفاءَه منقسمون اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى، حيث أن حرباً داخلية جديدة داخل الأسرة السعوديّة، مع جولة أُخرى من حملات سلمان القمعية والاعتقالات، ستزيدُ من تعقيد قيادة أسرة آل سعود لهذه الحرب الخارجية التي تُشنُّ منذُ خمس سنوات، فحتى مرتزِقة حلفائهم في الجنوب، الذين اتّحدوا ذات مرة لطردِ أنصار الله، انحدروا إلى الاقتتال الداخلي بين المجلسِ الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وقوات هادي الموالية للسعوديّة على خلفية محاولة كُـلٍّ منهما لبسطِ نفوذِه على الجنوب.
بعد أن كشفت السعوديّةُ عن رؤيتها 2030 في غضون عام من حصارِها لليمن، كشف أنصارُ الله عن استراتيجيتهم للرؤية الوطنية في أبريل 2018، وحين كانت الأولى عبارةً عن خطة تقشف ممجدة، فقد كشفت الأخيرةُ النقابَ عن تحوّل اجتماعي واقتصادي وسياسي كامل لبناء المجتمع الذي تضمن إعطاء الأولوية للوصولِ إلى الرعاية الصحية والتعليم للجميع وتحسين جميع تلك الخدمات، ومكافحة الفساد، ورفع مستوى المرأة وتمكينها في جميع قطاعات المجتمع.
من الواضح أن غيابَ أية رؤية أَو استراتيجية أَو حتى أخلاقيات للمعتدي، سينبئ بخسارتِه في هذه الحرب، حيثُ يجب أن يستسلمَ لحركة تستمر في البناء والدفاع بينما تواصل الطائرات السعوديّة نشر الدمار، وكما قال الرئيسُ الراحل لحكومة الإنقاذ الوطني صالح الصماد: “يد تحمي، ويد تبني”.