نصف عقد من فشل التحالف
يحيى مقبل
قبل خمس سنوات من الآن، ألقى التحالفُ الذي تقوده ثالثُ أكبر دولة إنفاقاً عسكريًّا بعد أمريكا والصين قنبلته الأولى على اليمن، الذي لم تجاوز نفقاته العسكريّة 1% من نفقات السعوديّة -مشمولاً بهذه النسبة الأسلحة التي أجبر النظام السابق على التخلص منها-؛ بهدَفِ القضاءِ المبرم على أية نزعة استقلالية تبعد اليمنَ عن دائرةِ التحكّم السعوديّ، وَفي سبيل ذلك ألقى بكلِّ ثقله فأهدر مئاتِ المليارات والكثير من الكرامة والمكانة.
واليومَ وبعد انقضاءِ خمس سنوات بالتمام والكمال من بدء هذا التحالف، باتت القوى الوطنيةُ بقيادة جماعة أنصار الله دولة تدير شؤونَ أكثر من عشرين مليون يمني، وتمتلك جيشاً يقاتل في أكثر من خمسين جبهة مشتعلة على طول محيط دائرة المنطقة الجغرافية التي تخضع لنفوذِهم بكفاءة عالية وتطور وسائل دفاعية وهجومية باتت تثير قلقَ الأعداء في المنطقة والإقليم بقدر ما تطمئن الداخل.
خمس سنوات من الحرب والحصار قفزت بالقوى الوطنية المناوئة للسعوديّة وحلفائها، من هامشِ الحياة إلى متنها، وصنعت منها قوةً وازنةً في الإقليم والمنطقة، ومن كان عازماً على محوهم من خارطةِ اليمن بات يحسب لقدراتهم العسكريّة المتنامية ألفَ حساب.
اليومَ وبعد انقضاء نصف عقد من الحرب تجلّى للجميع حقيقةُ أن ليس للسعوديّة والإمارات أية نوايا طيبة تجاه اليمن، وحتى المرتزِقة أنفسهم باتوا يدركون أن التحالفَ السعوديَّ الإماراتي جعل منهم أجانب وغرباء في وطنهم الذي خانوه، وَبات العالمُ يدرك وبشكل قاطع أن المعركةَ لا تسير لصالح التحالف ووكلائه البتة، وأن الوقتَ لصالح القوى الوطنية في صنعاء.
ففي العام الخامس فقد التحالفُ الكثيرَ من عوامل قوته، وسقطت أثمنُ أوراقه التي أنجزها خلال الحرب، ففي جبهةِ الحدود كان قد وصل إلى وادي آل أبو جبارة وإلى الملاحيط وقام بتأمين معظم الشريط الحدودي، وفي جبهة الجوف ومأرب وصنعاء وصل إلى نهم التي تُعتبر جبهةً متقدمة وتهديداً استراتيجياً للعاصمة صنعاء وضواحيها؛ ولأن الوقتَ لم يكن لصالحه البتة فقد تمكّن الجيشُ واللجانُ الشعبيّة من تسطير عدد من الملاحم القتالية، فخلال أسبوع واحد من بدء عملية نصر من الله وفتح قريب، تم الاستيلاءُ على كُـلِّ المناطق التي سيطر عليها التحالفُ السعوديُّ طيلة زمن الحرب في محور البقع، وتم الاستيلاءُ على أعداد كبيرة من السلاح والمعدات، ووقع عدد من الألوية والكتائب في الأسر رغم أنف ألف غارة، وبعدها تم تنفيذُ عملية “لم يفصح الإعلام عنها إلى الآن” في محور جيزان لا تقلُّ في أهميتها عن الأولى، وتم خلالها استعادةُ الملاحيط وأغلب المناطق التي سيطر عليها التحالفُ، والقضاء على عدد كبير من قوى المرتزِقة وعلى كتيبة سعوديّة من التدخل السريع واغتنام الكثير من العتاد، ومن ثم سقطت ورقةُ نهم من يد التحالف السعوديّ في عملية البنيان المرصوص التي كانت بمثابة المسمار الأخير في نعشِ التحالف ووكلائه، فبعدما كانت صنعاء مهددةً باتت مأرب على مرمى حجر من الجيش واللجان الشعبيّة، ومؤخّراً تم استعادةُ كامل مديريات محافظة الجوف ثاني أكبر محافظة يمنية في عملية فأمكن منهم، وهي الأكبرُ منذُ بدء العدوان حسب تصريحات ناطق الجيش، وتم خلالها السيطرةُ على مخازن هائلة من الأسلحة والمعدات ما أَدَّى لتضييق الخناقِ على مرتزِقة السعوديّة في مأرب، وبالتالي إلى اضمحلال النفوذ السعوديّ وانحسار قدرته.
اليومَ وبعد كُـلِّ هذه الإنجازات، لم يعد من أولويات الرياض إحراز أيِّ تقدّم عسكريّ ولا استرجاع أي من المناطق التي خسرتها مؤخّراً، وبات أملُها ينحصرُ في الحفاظ على ما تبقّى لها من وجود ضئيل، وفي ظلِّ إصرار القوى الوطنية على تحرير كُـلِّ شبر من أرض اليمن، باتت تخاف من انهيار وشيك لوكلائها، وبالتالي من فقدان كامل لأوراقها التي خسرت في سبيلها ملياراتِ الدولارات؛ لأَنَّ هذا يجعلها خارج اللعبة في اليمن وفاقدة لأي دور في تقريرِ مصيرِ اليمن وصناعة قراره.
اليومَ نودّع العام الخامس وقد تقوضت الثقة وتآكلت، بين التحالفِ ووكلائه وبين طرفي التحالفِ أنفسهم، ففي الأمس شاهدنا كيف ترك مشايخ الجوف أسلحةَ المنطقة السادسة تذهب سالمةً وتامة لقوات صنعاء، والتحالف الذي كان يستميت للاستيلاء على مترس وتملأ طائراتُه سماءَ اليمن إذَا سقط موقع بيد خصومه وَيشنُّ مئاتِ الغارات؛ من أجل استعادته بات يفقد مساحة تجاوز مساحة دولتين خليجيتين في أيام قليلة، ولا يفعل معشارَ ما كان يفعل في السنوات الماضية.
لقد خاب التحالفُ السعوديُّ الذي كان يأمل بالسيطرة على اليمن خلال أسابيع قليلة، مراهناً على ما لديه من فارق في القوة على اليمن الذي بدأ استهداف جيشه منذُ ما يربو على عقد ونصف من بدء العدوان فتحت أقدام الحفاة، وعلى ترابِ اليمن الطاهر انداس كبرياءُ التحالف السعوديّ الذي كان يأمل بسحق كُـلِّ من يمانع بقاء اليمن ساحةً لنفوذه وخاضعاً لإملاءاته، وها هو التحالف اليومَ بعد خمس سنوات من الخيبة في أسوأ حالاته يتلمس مسلكاً يخرجه من المستنقع اليمني موفور الكرامة ولم يجد، فكلُّ الدروب موفورة الكرامة أُوصدت أمامه ولم يتبق من الطرق المتاحة غير دروب شائكة تصم بالهوان والفشل سالكها.
أخيراً سيدون التاريخُ أن التحالفَ بقيادة ثالث أكبر دولة إنفاقاً عسكريًّا بعد أمريكا والصين، قد حَظِي بإزاء اليمن المفقر والهامشي بواحدة من أقسى الهزائم في التاريخ الحديث، وأن اليمنَ لا يزال -كما كان- مقبرة الغزاة.