المأزق الاقتصادي للسعودية: بين الفشل الإداري وتداعيات العدوان على اليمن!
عرض موجز لأبرز معالم التدهور الاقتصادي المستمر في المملكة منذ بداية الحرب
المسيرة | خاص
لم يعد هناك ما يستطيعُ النظامُ السعودي أن يغطِّيَ به على حقيقةَ التدهور الاقتصادي الذي يعيشه، وإن بدت هذه الحقيقة أكثرَ وضوحاً الآن مع هبوط أسعار النفط وتراجع أسهم قلب الاقتصاد السعودي “أرامكو” فإنَّ ذلك لا يعني أن هذا التدهورَ وُلِدَ خلال الأشهر الأخيرة فقط، إذ لم يبلغ التراجعُ الاقتصادي السعودي هذا الحدَّ إلا بعد سلسلة متواصلة من الخسائر التي تكبّدتها الرياضُ خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب، كان أبرزها تداعيات استمرار العدوان على اليمن، حيث أثرت ضرباتُ الردع اليمنية، وبالذات تلك التي استهدفت منشآت النفط، بشكل مباشر على اقتصاد المملكة، فيما شكّلت تكلفةُ تمويل الحرب ثقلاً آخرَ أسهم في تسارع التدهور، وذلك إلى جانب توقف الاستثمار الأجنبي وخروجه من أراضي السعودية؛ خوفاً من التعرض للاستهداف.
خسائرُ متواصلةٌ منذ سنوات
في آخر تحديث، أوضحت وكالة “رويترز” للأنباء أن أسعارَ النفط واصلت الهبوطَ هذا الأسبوع، حيث انخفض خام برنت (1.41) دولار بما يعادل (5.35 بالمئة) ليصل إلى قيمة 24.93 دولار للبرميل، وذلك في إطار تنازلي بدأ منذ عدة أسابيع، ولا يزال مرشحاً للاستمرار أكثر؛ وذلك؛ بسَببِ تراجع الطلب العالمي على النفط نتيجة تفشي وباء كورونا.
لا يخفى على أي مراقب للوضع الاقتصادي أن هذا الانهيار في أسعار النفط، يعني كارثةً اقتصادية للنظام السعودي الذي ما زال يعتمد على النفط بشكل رئيسي، لكن الخسارةَ السعوديةَ تصبح مضاعفةً عندما نعلم أن الرياض وفي ظل انخفاض الطلب، قرّرت رفع مستوى الإنتاج بشكل كبير؛ بسَببِ خلافها مع روسيا في “أوبك”، الأمر الذي يعني المزيدَ من الخسائر للمملكة.
تدهورُ أسعار النفط والقرار السعودي برفع مستوى الإنتاج كان قد ألقى بظلاله على البورصة السعودية التي لا زالت أسهمها تتراجع بشكل متواصل، وبالذات أسهم شركة “أرامكو” التي تعتبر القلبَ النابض للاقتصاد السعودي، حيث كانت نسبة هبوط أسمهما قد وصلت في الثلث الأول من الشهر الجاري إلى 10%، وقبل أيام أكّـدت وكالة “بلومبيرغ” أن مؤشر البورصة السعودية سجل هبوطاً جديداً بنسبة 2%.
وأفادت تقارير الأسبوع الماضي بتراجع أسهم 20 قطاعاً في السوق السعودية، على رأسها قطاع تجزئة السلع الكمالية بنسبة 4.74%، أعقبه قطاع الخدمات الاستهلاكية بنسبة 4.35%، تلاه قطاع الرعاية الصحية بنسبة 3.65%، ثم قطاع النقل بنسبة 3.54%، ثم قطاع التطبيقات وخدمات التقنية بنسبة 3.49%، ثم قطاع الإعلام والترفيه بنسبة 3.18%، ثم قطاع السلع الرأسمالية بنسبة 3.15%، تلاه قطاع تجزئة الأغذية بنسبة 3.06%، ثم قطاع السلع طويلة الأجل بنسبة 2.93%، ثم قطاع الخدمات التجارية والمهنية بنسبة 2.49%، ثم قطاع البنوك بنسبة 2.30%، ثم قطاع الصناديق العقارية المتداولة بنسبة 2.24%، ثم قطاع المواد الأَسَاسية بنسبة 1.75%.
هذا الهبوط لم يكن جديداً على السوق السعودية التي شهدت خلال السنوات الماضية تراجعاً مستمراً لمعظم القطاعات الاقتصادية، ففي منتصف أكتوبر الفائت، كان المؤشرُ الرئيسي للسوق السعودية، قد هبط إلى أدنى مستوياته منذ عام، كما كانت رويترز قد أكّـدت “انكماش” الاقتصاد السعودي في الربع الثالث من العام الماضي، وذلك بعد تسجيل عجز في ميزانية المملكة للنصف الأول من العام نفسه، وعلى هذا المنوال مضت مؤشرات الاقتصاد السعودي في الأعوام السابقة أيضاً.
وقد مثّل تزامُنُ ذلك التراجع الاقتصادي مع فترة العدوان، دليلاً واضحاً على تداعيات الحرب، فهذا التراجع كان وراءه الكثير من الأسباب المتعلقة بورطة السعودية في اليمن، وقد تطرقت الكثير من التقارير الاقتصادية الأجنبية لهذه الأسباب والتي تضمنت: تكلفة الأسلحة وتمويل الحرب من جهة، وتكلفة الخسائر التي أحدثتها ضربات الردع اليمنية على المنشآت الحيوية من جهة أُخرى، ثم هروب الاستثمار الأجنبي من أراضي المملكة؛ بسَببِ هذه الضربات من جهة ثالثة، ثم الابتزاز المالي الهائل التي تعرضت له المملكة من قبل حلفائها الغربيين وبالذات “واشنطن” من جهة رابعة.
وخلال الفترة الماضية، أوضحت عدةُ تقاريرَ نشرتها وسائلُ إعلام دولية، بينها صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن حجمَ الاستثمار الأجنبي في السعودية، انخفض بشكل كبير منذ عام 2014 (أي خلال سنوات العدوان)، مشيرة إلى أن هذه الاستثمارات بلغت 16.3 مليار دولار عام 2011، لكن بحلول عام 2018، كانت قد انخفضت إلى 4.2 مليار دولار، واستمرت الأرقامُ بالانخفاض أكثرَ خلال العام الماضي وما زالت.
وقد جاء هذا التراجُعُ في الاستثمار، بالتزامن مع تحذيرات متكرّرة كان قائد الثورة السيد عبدُالملك بدر الدين الحوثي يوجّهها للشركات والمستثمرين الأجانب بالابتعاد عن الأراضي السعودية، وهي تحذيراتٌ وجهتها القواتُ المسلحة أَيْـضاً في عدة مناسبات، وخصوصاً عقب العمليات النوعية ضد العمق السعودي.
وظهرت آثارُ هذه الخسائر على الواقع داخلَ المملكة بعدة أشكال كان منها إصدار النظام للعديد من قرارات رفع الضرائب والرسوم الإضافية وارتفاع الأسعار؛ مِن أجلِ تعويض التدهور الذي يعاني منه.
فشلُ طموحات الاستغناء عن النفط
هذا التراجعُ المستمر كان، وما زال، يمثّلُ “فضيحةً” كبيرة لولي العهد السعودي الذي عمد إلى تسويق نفسه منذ البداية عبر ما يسمى “رؤية 2030” الاقتصادية التي ملأها بالوعود والأحلام الوردية التي تبشّر الشعبَ السعودي بالتوجّـه نحو الاستغناء عن النفط، لكن تلك الوعود تحولت إلى “صدمة” فاضحة، وبالذات فيما يتعلق بالقطاع النفطي الذي تكبّد أكبرَ الخسائر؛ بسَببِ تداعيات العدوان على اليمن.
وقد مثّلت عملية 14 سبتمبر النوعية التي نفذتها قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة ضد منشآت “بقيق” و”خريص” النفطية، أوضحَ نموذجٍ على الآثار السلبية الكبيرة التي طالت الاقتصاد السعودي؛ بسَببِ العدوان على اليمن، إذ كانت خسائرُ هذه العملية وأضرارُها على المملكة أكبرَ من أن يتم نُكرانُها.
الكثيرُ من خبراء الاقتصاد حول العالم أكّـدوا أن تلك العملية مثّلت ضربة لخطة “اكتتاب أرامكو” التي كانت قد تأثرت مسبقاً بالعديد من الضربات اليمنية، لكن ما حدث منتصفَ سبتمبر كان بمثابة المسمار الأخير في نعش تلك الخطة، إذ كان أبرز آثاره، هبوط قيمة الشركة بشكل كبير، وإحجام المستثمرين الأجانب بشكل كامل عن المشاركة في الاكتتاب، الأمر الذي حاول “بن سلمان” تعويضَه بفتح المجال أمام الاستثمار المحلي، لكن ذلك تحول إلى فضيحة أُخرى بعد بضعة أشهر، عندما أُصيب جميعُ المستثمرين المحليين بـ “الصدمة” جراء الانخفاض الأخير لأسهم الشركة بعد هبوط أسعار النفط، الأمر الذي مثّل بدوره انخفاضاً إضافياً لقيمة الشركة.
ومما ينبغي التأكيدُ عليه في الخسائر التي تكبّدتها الرياضُ في القطاع النفطي؛ بسَببِ العدوان على اليمن، أن تلك الخسائرَ جاءت بالتزامن مع خسائر مستمرة في بقية القطاعات، وبالتزامن مع غياب الاستثمار الأجنبي داخل المملكة وللسبب نفسه، الأمر الذي يعني أن كُـلَّ ضربة يمنية استهدف مصفاةً سعوديةً، كانت تؤدي إلى مضاعفة التراجع الاقتصادي في مختلف القطاعات.
هذا ما أكّـد عليه أَيْـضاً تقريرٌ نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” في سبتمبر الفائت، جاء فيه أن هجمات 14 سبتمبر مثّلت “صدمةً” كبيرةً للسعودية؛ لأَنَّها جاءت في وقت تعاني فيه من “هشاشة اقتصادية”؛ بسَببِ تراجع القطاعات الأُخرى غير النفطية، وتراجع الاستثمار الأجنبي.
وأضاف التقرير أنه حتى قبل هجمات 14 سبتمبر فإن “الصادرات غير النفطية في المملكة سجلت تراجعاً شهرياً منذ مطلع عام 2019″، ونقل عن خبراء اقتصاديين أن “المستهلكين السعوديين يعانون؛ بسَببِ ضرائب المبيعات التي فُرِضَت عليهم وخفض الدعم على الكهرباء والمياه والوقود”.
وأكّـد التقرير أن السعودية تحتاجُ إلى أن يرتفع سعرُ برميل النفط إلى أكثر من 80 دولاراً؛ مِن أجلِ تحسن الاقتصاد وضبط الميزانية، (هذا يعني أن وصول سعر البرميل اليوم إلى أقل من 25 دولاراً، وهبوط الأسهم، يضاعف التدهور الاقتصادي السعودي إلى حَدٍّ غير مسبوق).
وقد ربطت الصحيفةُ هذه الآثارَ بتداعيات العدوان على اليمن، حيث نقلت عن الخبير الاقتصادي “جان بول بيغات” قوله إنه ينبغي خفضُ التوقعات بتحسن الاقتصاد السعودي في ضوء الهجمات على منشآت النفط، مشيرة إلى أن الاقتصادَ السعودي “لا يزال مرتبطاً بعائدات النفط ولا يزال عُرضةً للصدمات”، الأمر الذي يعني فشلَ ولي العهد السعودي في خطة الاستغناء عن النفط.
هذا ما أكّـد عليه أَيْـضاً قائدُ الثورة السيد عبدُالملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير بمناسبة اليوم الوطني للصمود، إذ أشار إلى “أن جميعَ الخطط الطموحة للنظام السعودي في الاستغناء عن الاعتماد على النفط فشلت بكل ما تعنيه الكلمة”، وأن “الحالةَ الاقتصاديةَ داخل المملكة هي حالة أزمة”.