العدوانُ وكورونا.. وجهان لشرٍّ واحد

رأي الله الأشول

خمسةُ أعوام كاملة ونحن نتلقى الغارات الوحشية ليلاً ونهاراً، ونتجرّع مرارةَ الفراق ونحمل على أكتافنا التضحيات والشهداء كُـلَّ يوم.

اعتصر الوجعُ خاصرةَ الوطن من أقصاه لأقصاه، استفحل الجوع وتفشت الأمراض وانتشرت الأوبئة، لم يسلم من مطرقة العدوان أحد فمَنْ نجا من الموت قصفاً لاقاه جوعاً ومن تداركه الجوعُ قضى عليه وباء من هنا أَو مضاعفة مرض من هناك، ومن تفادى أسبابَ الموت تلك غاص بهموم الحياة وارتطم بمآسي الفقر المدقع الذي اتسعت فجوته جرّاء الحصار وانقطاع المرتبات، بمدة طالت ولا زالت تمدُّ خيوطها الزمنية لأجلٍ ليته كان مسمى.

وكحالِ الإنسان اليمني كان لمقدراته نصيب ضخم من النسف والدمار، فدُمّــرت البنية التحتية من مطارات وموانئ ومحطات كهرباء وخزانات مياه وشبكات اتصالات، ناهيك عن تقطيعِ أوصال البلد بفصلِ الجسور عن الطرق وفصل الطرق عن بعضها، يضاف إليها مئات الآلاف من المنازل باتت أحجاراً وطيناً، أما عن المنشآت الاقتصادية والخدمية من مصانعَ ومنشآت تجارية وأسواق ومزارع وقوارب صيد ومحطات وقود وجامعات ومدارس ومساجد ومستشفيات فحدّث ولا حرج.

فرض العدوانُ حصاراً داخل حصار، بإيقافه مطار صنعاء الذي أُغلق بوجه المغادرين وأوصدت أبوابُه أمام العائدين، فانطوينا على أنفسنا وتحول اليمن إلى سجن كبير يحوي ثلاثين مليونَ إنسان.

تلك جرائمُ حرب متراكمة بكلِّ ما تحمله العبارة من معنى، لم تحَرّك سكون العالم المتفرج الجبان المحكوم بمجالس وأمم تقمع الضحية وتحضر جنازته وتنصر الجاني وتؤويه.

لم يألُ أعداؤنا ومنهم جيراننا جهداً ولم يفوتوا أنصاف الفرص لقتلنا وتأزيم أوضاعنا والزج بمستقبلنا نحو الهاوية، لاعتقادهم بأن تلك الجرائمَ ستكون رادعاً لردع حَـقّ الدفاع عن أنفسِنا والقبول بإرادة المعتدون، وذاك يعني الاستسلام المحرم علينا شرعاً وثقافة ووطنية.

لكن خابت ظنونُ المعتدين وأثبتنا علو عقيدتنا المنطلقة من هدى الله والفكر الثوري ومبادئ العزة والكرامة وعدم الخنوع إلّا لله وحده، وهو من مدَّنا بقوته وأعاننا بتأييده ووفقنا لنصره، ففي بداية العدوان لم نكن نملك سوى الدعاء قبل وعقب كُـلِّ صلاة، صليناها وكلنا أمل وثقة في أنَّ تراتيلنا الممتزجة بدموع الثكالى ودماء الأطفال والنساء سترتد من السماء صواعق تحرق المعتدين وتشلُّ عدوانَهم، وهو ما تجلّى بانتصارات ساحقة وصواريخ وطائرات يمانية حوّلت مسارَ الحرب وفرضت مسارات أُخرى أربكت الغزاة وأدخلتهم في متاهات وحسابات معقدة سيكونون عباقرة إن فطنوا أن إيقاف هذا العدوان هو حلُّها الباقي والوحيد، للخروج بماء وجههم المعكر ببشاعةِ جرائمهم التي ستبقى عاراً يطاردهم وذلاً يعتريهم إلى يوم القيامة.

واليوم وبالتزامن مع مرور العام الخامس للعدوان، ها هو العالم الذي أباح بِصَمْته غزو اليمن، يواجه مصيراً مجهولاً، فكورونا أتاه غازياً يبثُّ الرعبَ وينشر الخوف والهلع، فقيّد حركته وشلَّ اقتصاده وعزل دولاً عن دولٍ ومدناً عن أُخرى.

المطارات والموانئ والمصانع والملاعب والقاعات والأسواق وكل المنشآت الحيوية والترفيهية والحكومية مغلقة، وحدَها المستشفيات متاحة علَّها تحاول إنقاذَ ما قد لا يمكن إنقاذه.

إنه الكورونا المسيّر الذي لا يُفرّق بين صغير وكبير وغني وفقير ورئيس ومرؤوس، فقد اجتاحَ دولاً من الصف الأول غير متجاهلٍ دولَ الصف الثالث، هذا الفيروسُ الذي صار حديث العالم وكابوس الناس وبغض النظر عن مصدره الذي لن يكون بعيداً عن مخطّطات الأمريكيين، إلّا أنه أوصل رسالةً للعالم مفادها: (أن ما عجزت عن تحمله سبع قارات بأيام قلائل، صبر عليه شعب وحيد لخمسة أعوام متتالية)، وهذه مفارقةٌ عجيبة والمفارقة الأُخرى التي لا تقل تعجباً هي أن من قاد العدوانَ على اليمن عسكريّاً، ومن نشر جانحة الكورونا عالمياً، هو نفس المخطّط والمعد والمنفذ، إنه الشرُّ الأمريكي، العدوُّ الأزلي للإنسانية والبشرية والحياة.