قائدٌ بحجم عالمية المبادئ القرآنية
محمد أمين الحميري
قلتُ في وقت سابق: إننا في اليمن أصبحنا نمتلكُ مشروعاً عظيماً، وقيادةً فَــذَّةً تجاوزت كُـلَّ الانتماءات الطائفية والمذهبية والحزبية والعِرقية، وتتسامى وتترفَّــعُ دَائماً عَن كُـلِّ الحسابات الشخصية والأنانية المدمّــرة، وهذا ما ظهر في مختلف المواقف على الصعيد الداخلي ولمسناه في واقع العمل.
واليومَ يتجلّى بشكل أبرزَ على الصعيد الخارجي في تعامل القيادةِ مع القضية الفلسطينية، ومع حركة المقاومة الإسلامية حماس بشكلٍ أخصَّ، وما أعلنه الأخ السيدُ/ عَبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه الله- في خطابه بمناسبة يوم الصمود الوطني الخامس، في سياق مبادرتِه التي أعلن فيها الاستعدادَ للإفراج عن طيار -لا نعلمُ هُويته حتى الآن- وَأسرى سعوديّين مقابلَ إطلاق النظام السعوديّ بعضَ الأسرى من قيادات حماس، ليؤكِّـدَ بوضوح مصداقيةَ أننا أمامَ قائد بحجم كبير في عظمة أخلاقه، في عالمية المبادئ القرآنية التي ينطلق من خلالها للتعاطف مع قضايا المسلمين العادلة، ويبذل قصارى جهده في الانتصار لها، وإن مثلَ هكذا تعامُلٍ راقٍ ومسؤولٍ هو في الحقيقة يعكسُ مكانةَ يمن الإيمان والحكمة، نَفَسَ الرحمن، وأرضَ المدد والنُّصرة للمستضعفين في كُـلّ زمانٍ ومكانٍ.
بعد خمسة أعوام من الحصار والطغيان والانتقام الممنهج من الشعب اليمني، يخرُجُ الرجلُ ليؤكّـدَ على الاستمرار في الصمود في وجه ذلك العدوان الوحشي، دافعاً شعبَه للتمسك بخيار الاستعانة بالله والتمسك بقضيته العادلة، وإلى جانب هذا كله يتجاوزُ الحدودَ الجغرافية والطائفية فيجدّدُ تمسكَ الشعب اليمني بقضية فلسطين كقضيةِ أُمَّـة وذات أولوية مهمة، ويرسل الرسائلَ المؤثرة، ويُعَلِّمُ الحمقى والمزايدين الدروسَ القوية، ولسانُ الحال والمقال: فلسطين تعنينا كشعبٍ مسلمٍ رغم كُـلّ الظروف القاسية والأوضاع المأساوية التي نمُرُّ بها، نحن إلى جانب فلسطين من منطلق إيماننا بالله ورسوله، والقرآن الكريم الذي يحُثُّنا على توجيهِ بُوصلة الصراع للعدو الحقيقي، والمتمثل اليوم في أمريكا وإسرائيل، ومستعدون التضحية في هذا السبيل بكل ما نستطيع، وجزء من ذلك الإفراج عن قادةٍ لهم شرفُ المواجهة مع هذا العدوّ في ميدان المعركة.
إنَّهُ العرضُ من موقع القيادة والقدرة، وعلى من بين يديه من أنظمة وزعماء وملوك أن يختاروا لأنفسهم المكانةَ والموقعَ الذي يريدون، وعلى شعوبهم وخَاصَّةً الشعب السعوديّ أن يعلموا علمَ يقين مَن هو الصادق من الكاذب، مَن هو الأصلح من الفاسد المجرم، كما أن على قيادات الجماعات الإسلامية -وهنا مربَطُ الفرس- وخَاصَّة الجماعات التي تاجرت بالقضية الفلسطينية لعقودٍ من الزمن، وحينما دقت ساعةُ الصفر كانت من أوائل المسارعين للوقوف في صَفِّ الطغاة والمجرمين؛ حرصاً منها على نيل شهادة حُسنِ سيرة وسلوك وبغية نيل رضاهم، على هؤلاءِ أن يعودوا إلى رُشدهم ووعيهم، والعناوين المذهبية والطائفية التي كانوا يتمترسون وراءها؛ لابتزاز الأُمَّـة ها هي اليوم تسقط، والاصطفافُ الذي كان يرادُ للأُمَّـة التوحُّدُ على أَسَاسه ها هو اليوم يُكسَرُ في اليمن، وسيكسر في عموم المنطقة، وسيكون كسرُه على أيدي اليمنيين الصادقين، وكل أحرار الأُمَّـة وشرفائها ومن مختلف التوجّـهات، وهذا الموقفُ الإنساني من القيادة في اليمن يأتي في هذا الإطار، وأن كُـلَّ مَن يقفُ في صف المقاومة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية شيعياً كان أَو سنياً أَو ما كان، فهو منا وإلينا، وهي رسالةٌ لا يفهمُها إلا أولو الألباب أصحابُ العقول السليمة مضمونُها أن المدخلَ الصحيح لوحدة صف الأُمَّـة واجتماعِ كلمتها يبدأُ من مثل هكذا خطوةٍ من شأنها تعزيزُ الثقة بين المسلمين وَالعاملين في إطاره، وردم الهُوة المصطنعة منذ عقود؛ بفعلِ العديد من الأسباب، وصولاً إلى توحيد الجهود لمواجهته وتحقيق تطلعات الشعوب في الحرية والاستقلال، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
نعم: المستقبلُ حافلٌ بالمبِّشرات ليس على مستوى اليمن فحسب، وَإنما على مستوى الأُمَّـةِ كُلِّها، وهي دعوةٌ صادقةٌ من قلوبنا نوجِّهُها لمجتمع الصحوة الإسلامية في بلادنا وغيرها بأن يخرجَ الكثيرُ عن صمتهم، ومعاً للعودة إلى الله والصدق في الدعوة إليه والتحَرُّك الجادِّ والفعَّال للالتفاف حولَ كُـلّ صوت تنويري تحرّري داخل الأُمَّـة، فقد سئمت الأُمَّـةُ من كُـلّ العناوين الضيِّقة التي قزّمت الأُمَّـةَ وجعلت منها أُمَّـةً متخلفةً منقسمةً على ذاتها، واليوم هناك ما يجمعُ الأُمَّـةَ وما يوحِّدُها وما يجعل منها أُمَّـةً واعيةً ومؤثرةً ورائدةً، وهو القرآنُ الكريمُ، دستورُ الأُمَّـة الراشد، ومنهاجُها القويم، ومرحباً بكل قائد حكيم وصادق ينطلقُ من خلال القرآن الكريم ويجعلُ منه منطلقاً في مشروع الإصلاح والتغيير.
نسألُ اللهَ أن يكتُبَ لشعبِنا وشعبِ فلسطين، وكُلِّ الشعوب المستضعَفة النصرَ المؤزرَ، إنه على كُـلِّ شيءٍ قديرٌ.