العدوان يتهرب من تداعيات المشهد الجديد: محاولةٌ مكرّرةٌ لحماية “النفط” بالتصريحات!
عقب الضربات الأخيرة على العمق السعودي:
“آل جابر” و “بومبيو” يتحدثان عن “مشاورات سلام” و “تهدئة”
المسيرة | ضرار الطيب
بعدَ أيامٍ من تشديد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، على ضرورةِ اتّخاذ تحالف العدوان قراراً صريحاً وعملياً بوقف الحرب والحصار، كشرط أَسَاسي للدخول في عملية السلام، وعدم الاكتفاء بالحديث في وسائل الإعلام، طالعنا السفيرُ السعودي في اليمن، محمد آل جابر، أمس الثلاثاء، بتصريحات جديدة يتحدّث فيها عن “محادثات سلام” بالتزامن مع حديث وزير الخارجية الأمريكية عن “تهدئة”، في محاولة إضافية للمراوغة وكسب الوقت والتهرّب من تكلفة استمرار العدوان، خَاصَّةً وأن هذه التصريحات تأتي بعد أقل من يوم واحد من تصعيد جوي إجرامي نفّذه طيرانُ العدوان وأطلقت عليه السعودية اسمَ “عملية عسكرية نوعية”، الأمر الذي يعني أن تحالفَ العدوان ورعاته قد يحتاجون للمزيد من ضربات الردع لمواكبة قوانين المشهد الجديد.
في التصريحات الجديدة التي نقلتها صحيفةُ “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يتحدّث آل جابر عن “اقتراح قائم لإجراء محادثات؛ لأجل إنهاء الحرب” زاعماً أن صنعاء لم تستجب، وهو ما يمثل افتراءً واضحاً بالنظر إلى أنه لم يمضِ أسبوعٌ كاملٌ حتى الآن على إعلان الرئيس مهدي المشّاط عن إعادة طرح مبادرة 21 سبتمبر على الطاولة، إلّا إذَا كان آل جابر يقصد أن صنعاء لا زالت ترفض أن تستسلم!
ويضيف السفير السعودي، أن المسؤولين السعوديين تحدّثوا مع سلطات صنعاء، للتأكيد على أن التصعيدَ الجوي الذي نفذه تحالف العدوان، أمس الأول، “مجرد رد” على الهجمات الصاروخية الأخيرة التي استهدفت العمقَ السعودي، وليس “تصعيداً للنزاع”، وأن “هناك تواصلات هاتفية بين الطرفين منذ بدء الهجمات على منشآت أرامكو”.
كل ما يقوله آل جابر هنا هو إن السعوديةَ تقرُّ بقدرة الضربات الجوية والصاروخية اليمنية على إحداث تأثير كبير في مسار الحرب والسلام، وإجبار السعودية على مراجعةِ حساباتها، ومع ذلك، لا تتضمن هذه التصريحات أية إشارة على أن الرياض قد راجعت حساباتها بما يكفي للتوجّـه نحو وقف الحرب، بل إنه يؤكّـد، وبفجاجة، على أن كُـلَّ ما تريده المملكةُ هو إبقاء منشآتها النفطية خارج دائرة الاستهداف، فيما يستمرُّ العدوان والحصار، وبالتالي فهي مراوغة أُخرى تفضح “الألم” السعودي الذي تسببت به الضربات الأخيرة، كما هو الحال دائماً.
يتجاهل “آل جابر” حقيقةً مهمةً، وهي أن هذه التصريحات لم يعد لها أيُّ فاعلية في المشهد حالياً، وخَاصَّة بعد الخطاب الأخير للسيد عبد الملك الحوثي، قبل أيام، والذي شدّد فيه على أن الطريق الوحيد أمام السعودية لإثبات رغبتها بالسلام، هو اتخاذ قرار صريح ورسمي لوقف العدوان ورفع الحصار، والمباشرة بتنفيذه، وتضمن الخطاب إشارة واضحة لعدم جدوى “التصريحات” التي يدلي بها مسؤولو دول العدوان في الوقت الذي يستمرُّ فيه الوضعُ كما هو عليه.
ووفقاً لذلك، فإن أيَّ أمل تعقده الرياض على مثل هذه الحركات في فتح بوابة مراوغات جديدة لكسب الوقت، بات بلا منفعة، وأن التصعيدَ العسكري الاستراتيجي الذي دشنته صنعاء بالضربات الأخيرة على الرياض ونجران وجيزان، لن يتأثرَ بتاتاً.
هذا أَيْـضاً ما كان رئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، قد أكّـد عليه قبل أيام، إذ أوضح أن “الإعلانَ الصريحَ لوقف العدوان هو الحل”، وأن هذا الإعلانَ الذي يجب هو أول خطوة يجب اتّخاذُها للمضي نحو السلام الذي يترك لليمنيين تقرير مصيرهم بأنفسهم.
وتصريحات آل جابر، على الرغم من عدم جدواها بالنسبة لطموحات الرياض، تكشفُ دقةَ الطرح السياسي للقيادة اليمنية الثورية والسياسية، والذي يؤكّـد على أن السعوديةَ وصلت إلى طريق مسدود بالكامل، ولم يعد أمامها أية فرصة لتحقيق أي إنجاز، وأن الرهانَ على الوقت لم يعد يقود إلّا لنتيجة واحدة، هي المزيد من الخسائر الاقتصادية والعسكرية للرياض.
على الميزان ذاته، يمكن قياسُ تصريح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أمس، عن وجودِ “جهود لتهدئة الأوضاع في اليمن” في نفس الوقت الذي يواصل فيه تبرير العدوان بدعاية “التصدي لإيران”، والقول إن الأخيرة “تواصل تهديد السعودية عبر اليمن”، فهذا التناقضُ بحدِّ ذاته يؤكّـد عدمَ جدية الولايات المتحدة في الحديث عن أية تهدئة، ورغبتها باستمرار الحرب والحصار، إلى جانب كون هذا التصريح لا يرقى إلى الشروط التي حدّدتها القيادة اليمنية للسلام، وبالتالي فهو لا يختلف عن تصريحات “آل جابر” في انعدام القيمة.
والواقع أن تجربةَ السنوات الخمس الماضية تؤكّـد على أن كُـلَّ تصريح أمريكي عن “التهدئة” في اليمن هو شفرة دعم لتحالف العدوان في الاستمرار بالحرب، ويفترض بالسعودية أن تكون قد أدركت أن ذلك لم يعد يجدي أَيْـضاً، وقد كان ناطق أنصار الله واضحاً في هذه الجزئية خلال حديثه لقناة المسيرة قبل أيام، إذ أكّـد أن “المواقف المنحازة لدول العدوان لن تحول دون استمرار الردع والرد”.
وفي السياق ذاته، علّق عضو الوفد الوطني والمكتب السياسي لأنصار الله، عبد الملك العجري، على تصريحات بومبيو وآل جابر، أمس، مؤكّـداً انعدامَ الأَسَاس السياسي والمنطقي لكلِّ مزاعم الولايات المتحدة والسعودية بخصوص رعاية السلام في اليمن.
وكتب العجري على حسابه في تويتر: “لا يصح لا من ناحية منطقية ولا من ناحية سياسية أن ترعى الحرب وترعى المصالحة في ذات الوقت، فهما ضدان لا يجتمعان، ومنذ اخترت رعاية الحرب العدوانية فإنك قد حدّدت موقعك على طاولة المفاوضات كخصم، ولا يصح أن تطلبَ لنفسك أي صفة أُخرى غيرها، وهنا أنت في موقع المدعو للحوار لا في موقع الداعي اليه”.
ووفقاً لذلك، ربما يكون الفرق الوحيد بين تصريحات “بومبيو” وتصريحات “آل جابر” هو أن الأول يهدف إلى ابتزاز السعودية ودفعها نحو المزيد من التورط لاستدرار المزيد من المال، وهذا، على أية حال، هو المنهج الراسخ في العلاقات السعودية الأمريكية وبالذات فيما يتعلق باليمن.
إن فرضَ القيادة الثورية والسياسية في اليمن لشرط “القرار الصريح والعملي لوقف العدوان والحصار”، قد أغلق كُـلَّ طرق الألاعيب والمغالطات أمام تحالف العدوان والولايات المتحدة، وجعل جميعَ أوراقهم القديمة للخداع غير مجدية، هذا ما يبدو أن كلًّا من واشنطن والرياض ترفضان الإقرارَ به حتى الآن، لكن لا مؤشرات على أنهما ستنجحان في كسب المزيد من الوقت قبل أن تصطدما بالقانون الوحيد المتبقي للعبة: إما قرار صريح بوقف العدوان، وإما “المفاجآت التي ليست بالحسبان”.