جرائمُ العدوان تفسد الدعواتِ الأمميةَ لوقف الحرب.. الرياض تضعُ الأشواكَ أمام طريق السلام
المسيرة- أحمد داوود
أطلقت الأممُ المتحدةُ خلال الفترة الأخيرة الكثيرَ من الدعوات لوقف إطلاق النار في اليمن، بالتزامن مع ما يشهدُه العالمُ من انتشار مخيفٍ لجائحة “كورونا” المستجد.
الدعواتُ في مجملها ظاهرةٌ صحية، وتستدعي من الجميعِ الالتفات والقبول بها، لا سيما والعالم منشغلٌ بالحرب مع هذا الوباء المزعج، لكن عقليةَ ملوك وأمراء الرياض تمشي في عكس التيار تماماً، فبدلاً عن الإصغاء لهذه الدعوات يتم التوجيه بتكثيف الغارات الإجرامية على عدد من المحافظات والمدن اليمنية، ويوم أمس فقط استشهدت أسرةٌ بأكملها في قصف صاروخي سعودي على المديريات الحدودية بمحافظة صعدة شمال البلاد، وانتشل المواطنون كالعادة أُسرةً مكونة من أب وأم “حامل” وطفلتين من بين الأنقاض.
وجاءت هذه الجريمةُ بعد يوم من جريمة مماثلة للعدو السعودي الذي استهدف صعدة بالقصف الصاروخي، مَـا أَدَّى إلى استشهاد 3 مواطنين وإصابة امرأة، كما تأتي في ظل التحليق المستمر لطيران العدوان وتنفيذ غارات مكثّـفة على مديريات محافظتَي مأرب والجوف، وتأتي كذلك بعد يومين من استهداف العدوان للعاصمة صنعاء وارتكابه مجزرة بحَـقِّ الخيول الأصيلة.
إذن، ما الذي يريدُه العدوانُ والسعودية من كُـلِّ هذه الغارات والقصف؟ لا سيما والرياض تشهدُ حالاتِ طوارئ صحية؛ بسَببِ تفشي وباء “الكورونا” في بلادهم، وكان الأولى أن تستجيبَ للدعوات المطالبة بوقف العدوان؛ كي تتفرغ للتصدي لفيروسات الكورونا، لكن الرسائلَ التي تُفهم من النظام السعودي هي أنه ليس في وارد المملكة وقفُ العدوان حتى وإن نهشتها الأوبئة ودمّـرت اقتصادها.
ويجمع الكثير من المتابعين على أن السعودية إذَا ما استمرت في عنادها ومواصلة العدوان على اليمن، فإن هذا يعني مزيداً من الاستنزاف لها، وستكون لهذا التصعيد تبعات سياسية واقتصادية وخارجية على النظام برمته.
ولعل السعودية تدرك جيِّدًا خطورة المصير الذي ستؤول إليه نتيجة هذا الاستمرار والعبث على اليمن للعام السادس على التوالي، لكن العدوّ السعودي يريد إيقاف الحرب وفقاً لشروط يضعها هو، على أن تخضع صنعاء لهذه الشروط، ومنها المرجعيات الثلاث التي تكرّرها الرياض باستمرار، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، وهو ما ترفضه القوى الوطنية والسياسية في صنعاء.
وتدرك “صنعاء” أن السعودية تضع الأشواك أمام طريق السلام في اليمن، بفعل تمسكها المستمر بالشروط التعجيزية لأية مفاوضات مقبلة قد تؤدي إلى إنهاء العدوان على بلادنا؛ لذا يدعو رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء محمد علي الحوثي المرتزِقة ودول العدوان إلى التخلي عن هذا الشروط وعن التمسك بمسمى المرجعيات وغيرها إذَا أرادوا الدخول في مفاوضات لإيقاف العدوان؛ مِن أجلِ مواجهة “كورونا”.
ويقترح الحوثي تحكيم 12 دولةً لإنهاء الحرب على بلادنا، وهي دول عربية وإسلامية وآسيوية، ليس من بينها إيران حتى لا يتخذها العدوان شماعة للتنصل والهروب من هذه المبادرة.
وهذه الدول هي (الجزائر، تونس، مصر، العراق، باكستان، ماليزيا، إندونيسيا، روسيا، الصين، كوريا الجنوبية، اليابان).
وعلى الرغم من هذا المقترح الذي يتزامن مع الدعوات الأممية لوقف الحرب، إلا أن الجانب السعودي فضّل الصمت، وواصل بعثَ رسائله الإجرامية عن طريق تكثيف الغارات واستهداف المدنيين وقصف المقصوف.
وتكشف “وكالة رويترز” عن تحَرّك أممي جديد لوقف العدوان على اليمن، ونقلت عن مسؤولين أممين، أمس السبت، قولهما إن الأمم المتحدة بعثت مقترحاً بعقد جولة مفاوضات شاملة لجميع الأطراف، خصوصاً السعودية وَ”الحوثيين”، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة ترى في خطر كورونا فرصةً لدفع الأطراف نحو السلام.
وجميلٌ هنا أن تتحدث الأمم المتحدة بأهميّة جمع “السعودية” و”أنصار الله”، وهي بذلك تشير إلى أن السعودي خصم لليمن، وأن الحل يكمن في جمع الطرفين على طاولة مفاوضات واحدة، وهذا ما تتهرب منه الرياض باستمرار، وتفضل أن تكون أية مفاوضات مقبلة هي بين أطراف يمنية يمنية، وليس بين طرف يمني وسعودي، وهي تصور للعالم بأن ما يحدث في بلادنا هو صراع بين يمنيين، وأن الرياض تدخلت بناء على طلب ما تسميه “الشرعية” اليمنية.
وخلال خطابه بمناسبة اليوم الوطني للصمود، أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن اليمنيين مستعدون لخيار السلم، ولخيار وقف الحرب، ولكن إذَا اتجه تحالف العدوان بقرار جاد والتزام عملي لوقف العدوان والحصار.
وأمام هذا التحَرّك الأممي، يطلق نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء حسين العزي جملةً من الشروط لأية محادثات سلام جديدة، مؤكّـداً أن الشرعية الحقيقية هي شرعية الثورة والعاصمة والقصر الجمهوري والغالبية السكانية والحزبية والبرلمانية، معتبراً أية شرعية غير شرعية الشعب والشهداء والجرحى والأسرى “الذائدين عن الحمى والساهرين على أمن قراهم ومدنهم وسيادة استقلال بلادهم” “زائفة وصناعة حبال من رمال”.
ويتضح من خلال التصريح بأن صنعاء لن تقبل الجلوس مع الفارّ عبد ربه منصور هادي وحكومته “المرتزِقة” وأن الحل يكمن في التفاوض الندي بين صنعاء والرياض، وهو تفاوضٌ لا يستنقص من سيادة اليمن ولا يتنازل عن حقوقه المشروعة، ولا يستهين بدماء الشهداء والجرحى وهو ما لا تريده السعودية ولا تفكر به؛ لذا نجدُها تتخبط وتواصلُ جرائمها في بلادنا.