الشهيد أحمد الخولاني.. أنموذجٌ لشهداء عملية “البنيان المرصوص”
حمزة الذاري
حكاياتُ الشهداء الأبطال لا تنتهي، وقصصهم مع التضحية والفداء والبطولة تحتاج إلى كتب ومجلدات لتدون في صفحات مشرقة، فهم الذين بذلوا أرواحَهم؛ من أجل غد أفضل للأجيال المقبلة.
ويعتبر الشهيد أحمد محمد عيضة الخولاني، واحداً من الذين لن تنساهم الذاكرة على الإطلاق، فهو الذي انطلق إلى الجبهة ليدافع عن الأرض والعرض ضد الغزاة والمرتزِقة، حتى لقي ربَّه شهيداً صائماً مؤمناً في مفرق الجوف، مغرب يوم الأربعاء 28 يناير 2020.
لقد كان واحداً من أولئك الذين سطّروا ملامحَ البطولة والنصر في جبال “نهم”، وبهم توج النصر الكبير في عملية “البنيان المرصوص”، بل كان من الذين ثبتوا ثبوت الجبال الرواسي، وقبلها كان له سجل حافل بالمشاركة والعطاء في جبهات العزة والكرامة، ابتداءً من الحرب الخامسة على صعدة والحرب السادسة، ومروراً بكلِّ الأحداث التي عصفت باليمن قبل العدوان سنة 2015.
ولم يقتصر دورُ الشهيد على الجانب العسكري فقط، بل شارك بفاعلية في الجانب الأمني، فكان مسئولاً عن النقاط الأمنية في مديرية الثورة لقوات النجدة بوزارة الداخلية.
ولد الشهيد الخولاني الذي لقب “بمختار مران” في مديرية سحار بمحافظة صعدة عام 1992، ولديه أربعة أولاد، هم “مختار وطه وانتصار وصمود”، وإلى جانبه في الجبهات يشارك ثلاثة من إخوانه لكنه كان أكبرَهم سناً.
وتربى الشهيدُ في أسرة كريمة محافظة على المبادئ والقيم الدينية وفي مجتمع أراد اللهُ له أن يكون على قرب من الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي الذي استمرَّ في نشاطه التوعوي ونشره للثقافة القرآنية، فكان للشهيد “مختار مران” وأسرته حقُّ الفوز والسبق بالحفاظ على الهُوية الإيمانية والثقافة القرآنية ومحبة آل البيت -عليهم السلام-، والاستبسال والتضحية في سبيل الله منذُ الحرب الخامسة، وتلقى دراسة الثانوية العامة في مديرية سحار.
كان يُفضّل العيشَ ببساطة مع أسرته المكونة من 14 فرداً، وكان يسكن في شقة إيجار متواضعة، ولم يكن لديه همٌّ سوى كيف ينال الشهادة في سبيل الله ويفوز بها، وحين تحقّق له ما أراد، ترك جرحاً غائراً في نفوسِ محبيه الذين رافقوه في مسيرة الحق، وبنى بإخلاصه كتائبَ من المؤمنين السائرين على دربه في طريق الحقِّ والهدى، مصدراً نموذجاً يقتدى به أخلاقاً وسلوكاً وعملاً وإقداماً وتسليماً.
ولقد كان -رحمه الله- نموذجاً للشاب المجاهد الطاهر منذُ صغره، فكان يعيشُ مع المصحف والبندقية وملازم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، ومحاضرات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله ويرعاه-.
وحمل الشهيدُ مواصفات كثيرة لازمته حتى نال الشهادةَ في سبيل الله، فكان بشوشاً متواضعاً، محسناً مع القريب والبعيد مقداماً لا يتراجع إلى الوراء، رحيماً بالمؤمنين شديداً على الكافرين المعتدين، وكان يعيشُ البساطةَ في التعامل مع الناس، وكان التسليم للقيادة من أولى أولوياته، يلبي داعي الله عند كُـلِّ مهمة جهادية بكلِّ شوق وتسليم للقيادة، فانطلق وهو صائم في مهمته الجهادية المقدسة لا يفارق كتابَ الله وبرنامج رجال الله وبندقيته.
وحين تلقّى التوجيهات برفد الجبهات سلّم وسارع مع أفراده الحيدريين بكلِّ شوق وإقدام دون أن يصنع لنفسه مبررات للبقاء في المهام الأمنية، بل كان سباقاً بمعنويات عالية وروح تتوق إلى الله وللعيش في كنفه، فانطلق مستجيباً لله وللقيادة بكلِّ تفانٍ وإخلاص مع إخوته الثلاثة وكتيبة من المؤمنين من أفراده تحت قيادته المتمثلة “بالمختار”، فانطلق الشهيد أحمد الخولاني إلى “فرضة نهم” التي كانت من أكثر الجبهات اشتعالاً.
لقد لاقى الأعداءَ بكلِّ صبر وثبات، وصمد هناك صمود الجبال مع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه شامخاً مقداماً، وصابراً في مواجهة العدوان والخونة والعملاء والمرتزِقة، بمعنويات حيدرية، يستمد منه رفاقه المجاهدون روحَ العطاء والتضحية وثبات الموقف وصدق القول والفعل والتحَرّك حتى ارتقى إلى الله شهيداً سعيداً صابراً صائماً محتسباً، مستبشراً بمن يلحق به من رفاقه المخلصين وإخوانه الأقربين.
وفاز الشهيدُ بفضل الله وشرف الشهادة في مواجهة العدوان وقوى الشيطان والاستكبار، وكان لسانُه حينها يردّد عبارة الشهيد العظيم زيد بن علي مصلح: “سأجعل من مقامي هذا سلماً للنصر أَو معراجاً للشهادة”، وعرجت روحُه إلى بارئها قبل أذان المغرب بدقائق معدودة وهو صائم لتحلق في رحاب خالقها وتلحق بركاب الخالدين من مفرق الجوف.
وقبل استشهاده – رحمه الله- كتب وصيته:
(أوصي أهلي وأولادي بالمضي في خط المسيرة القرآنية والتضحية والاستبسال في سبيل الله ونصرة دينه والدفاع عن المستضعفين من عباده، كما أوصي أهلي وأولادي بالتمسك بأهل بيت رسول الله تحت قيادة سيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه).