نصفُ عقد من الدم والعزم

 

المسيرة – يحيى الشامي:

الحديثُ عن مجازر العدوان في اليمن مؤلمٌ وصورُها أشدُّ إيلاماً، بعيداً عن الصور نستذكرُ قليلاً منها، لنستحثَ الذاكرة، كي لا ننسى.

كان قرارُ الحربِ على ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، قد اتُّخذ والأمرُ دُبِّــرَ في ظلمة غرف الأمم المتحدة، الإعلان فقط جاء إيذاناً ببدء العدوان، والحربُ هذه المرةَ ستثيرُ أكبرَ موجة صمتٍ نفاقية يشهدُها العالَمُ تكميماً للأفواه وبيعاً للمواقف رغم أنها -أي الحرب- ستشربُ من الدماء كما لم تفعلهُ حربٌ من قبلُ، ولم تكن دماء أُسرة الحبيشي في بني حوات بصنعاء بعد منتصفِ الليل إلَّا باكورة مجازرهم وطليعة الدم الذي سال وبلغ كُـلَّ أسرة يمنية، ذلك الصراخُ المتعالي استغاثةً من تحت أنقاض البيت البسيط، الصيحةُ التي طالت وعلت وتقطعت أنفاس وأجسام الآلاف من الشعب اليمني والعالم لا كمَن يرى أصمَّ لا سمع، تلك الليلةُ الدمويةُ ستعُــمُّ بعتمتِها أَيَّـامَ اليمن لنصف عقد من الزمن.

 

بتوقيت عطان

مَن مِن سكان صنعاء نسيَ، ومَن منهم غادره صوتُ الانفجار المهول؟!

جبل عطان الشهير، الجبل الذي شهد مئات الغارات وما زال، اقترن اسمُه بعشرات المجازر أشهرها واحدة من أكبرها في صنعاء، وضحاياها ليسوا أسرة وحسب ولا نفراً من الأهالي قُتلوا بالقنبلة الفراغية التي ألقاها ظهيرةَ الاثنين والعشرين من إبريل طائراتُ العدوان، بل هم حي بأكمله، استشهد وجُرح المئات من سكانه ونزح الجميع في رحلة البحث عن مكانٍ بديل، في يوم قامت قيامة صنعاء وتعلمت من يومها فن الحياة.

 

سوقٌ من بين المئات

بعد سبعة وثلاثين يوماً من بدء العدوان على اليمن.. السوقُ الواقعةُ على الحدود الشمالية في منبه صعدة على موعد مع فاجعة تأخذ كُـلّ مَن فيه، الباعة والمتسوقين العمال والمسافرين، المطعم الصغير والعيادة والطبيب والمرضى الكبار والصغار المنتظرين، سكن الموتُ في أبدان الجميع، وفجأةً تجمد المشهدُ وأضحى السوقُ التي لم يسمع بها الكثير اسماً لأكبر مجزرة تشهدُها المنطقة الحدودية في حينه، إنها الغارة التي غدرت بالكل في لحظة أمان وبمنطقة مؤمَّنةٌ باتّفاق لم ترعَه دولُ العدوان، وبغارة لم يسقط فيها جريحٌ واحدٌ فالكل استشهدوا!!.

 

المذبحة الصامتة

سوقٌ شعبيّة على طريق في زبيد، السوقُ مكتظةٌ بالناس من كُـلّ الفئات، متسوقين وباعة ومن حول السوق بيوت ومزارع، فجأةً بعد غارة وغارتين وأربع لم يعُد في زبيد سوق وما عاد من السوق أحد، بينما ظل الأهالي يعملون مسعفين ومنتشلين لأسبوع كامل؛ بحثاً عن جثث غُرقت بين الأنقاض منها مَن عُرفت هُوياتهم، وبينهم معروفون فُقدت أجسادهم ومجهولون ذابت لحومهم وعظامهم فضاعت ملامحهم، إنها مجزرةُ سوق شاجع، حيث لاحق القاتلُ بطيرانه الناجين إلى بيوتهم وَالمَزارع، فبلغ عدد الضحايا إجمالاً المِئة وستةً وتسعين، فضلاً عن كون الجميع ضحايا الصدمة وما زالوا إلى اليوم تحت تأثير الفاجعة التي ارتكبت في تاريخ الثاني عشر من شهر مايو من العام الفين وخمسة عشر.

 

وتتبدّى المفاجآتُ اليمنيةُ

ذلك وجهٌ للصبر ولليمن وجه، عزمٌ يُرى في الجبهات قادماً من آهاتِ الضحايا وجراجهم، دفاعاً وردعاً وتنكيلاً بلغ من القوة ما عدّل موازينَها ورجّح الكفةَ للمظلومين، ليشهدَ اليمنُ في غضون سنواتِ خمس تطوراتٍ متلاحقةً، فعلى الصعيد الميداني وبعد نجاح القيادة في ترتيب وتمتين خطوط الدفاع شرعت بالاستفادةِ من تراكم القوة والخبرة في تثبيت وتوسيع خطوط المواجهة، إيذاناً بمرحلة التحرير الكامل؛ إنفاذاً لأهداف ثورة الحادي وَالعشرين من سبتمبر، وفي هذا الخط المتقدم تتبدّى المفاجآتُ اليمنيةُ تباعاً في لحظةِ نفادِ أوراقِ العدوان كاملةً من بين يدَيه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com