“غريفيث” ينحاز للعدوان و “صنعاء” ترفضُ المساومةَ على شروط السلام
المسيرة | خاص
برغم انكشاف مناورة إعلان “وقف إطلاق النار” التي حاول تحالف العدوان من خلالها أن يتهرب من الشروط الأَسَاسية والنهائية للسلام، والتي أعلنتها صنعاء في “وثيقة الرؤية الوطنية للحل الشامل” المقدمة للأمم المتحدة، جاء موقف الأخيرة متماهياً بشكل فاضح مع توجّـه “التحالف”، في محاولة فتح طرق فرعية للمراوغة والدخول في مناقشات تؤكّـد صنعاء أن هدفها الوحيد هو شراء المزيد من الوقت لدعم التصعيد العسكري المعادي، وفي نفس الوقت حماية دول العدوان من الردود اليمنية، وهي محاولة سبق اللجوء إليها أكثر من مرة على مدى السنوات الماضية، ورفضتها صنعاء بوضوح، لكنها إذ تجدد الرفض اليوم، تلوح أَيْـضاً برد عسكري تعرف دول العدوان أنه سيكون أثقل مما تتوقع، وأنه لم يعد هناك سوى طريق واحد لتجنبه، وهو الالتزام بالشروط التي حدّدتها صنعاء، وهو ما تعرفه الأمم المتحدة أَيْـضاً.
في التفاصيل، أعلن عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، الأربعاء الماضي، عن تسلّم صنعاء رد المبعوث الأممي مارتن غريفيث، على “وثيقة الحل الشامل” التي قدمتها له سابقًا، وبعدها بيوم واحد كشف رئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله محمد عبد السلام، عن مضمون ذلك الرد، موضحًا أن غريفيث لم يتطرق بشكل صريح للوثيقة، بل رفض نقاشها، وقدم مقترحات وأوراقاً أُخرى لا تتضمن أي حَـلّ شامل أَو جاد ولا ترقى إلى مستوى شروط السلام، الأمر الذي يكشف تواطؤاً واضحاً مع تحالف العدوان في التهرب من استحقاقات المرحلة.
وقال عبد السلام في حديث لقناة “المسيرة” الفضائية: إن “الأمم المتحدة لم تقدم ردًّا صريحاً على وثيقة الحل السياسي الشامل”، وإن “المبعوث الأممي طلب مناقشة أوراق أُخرى؛ بغية الاتّفاق على الأوراق التي قدمها، أما رؤية الحل الشامل فيقول إنه معني بمتابعتها وهذا غير مقبول ولا يمثل ضمانة ولا يمثل ورقة قانونية”.
وَأَضَـافَ أن غريفيث حوّل المسار إلى مقترحين “متجاهلاً تماماً الحصار والقضايا الأَسَاسية”، وأنه “رفض النقاش الحقيقي للرؤية الوطنية للحل الشامل”، مُشيراً إلى أنه حاول أَيْـضاً “تمرير تعابير مطاطية لا تعطي أي التزام ورسائل لا تسمن ولا تغني من جوع”.
يشار إلى أن غريفيث كان قد عمد، في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، إلى كيل المديح لإعلان تحالف العدوان عن “وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين”، متجاهلاً انكشاف زيف ذلك الإعلان والتصعيد العسكري الكبير الذي شنته السعودية بالذات في عدة جبهات، إلى جانب تصاعد الغارات الجوية التي نالت العاصمة صنعاء جزءاً منها، وهو الأمر الذي يوضح أن دول العدوان والأمم المتحدة ليسوا حتى بصدد بحث أي حلول حقيقية لا جزئية ولا شاملة، بل يحاولون تنفيذ مخطّط مكرّر لنسج غطاء دولي لتصعيد يمنح العدوان إنجازات تحسن موقفه السياسي والعسكري.
وأمام هذا التواطؤ الأممي المكشوف مع تحالف العدوان، أعلن رئيس الوفد الوطني، أن الرد الرسمي على غريفيث هو “أن نص الاتّفاق الذي سيتم التوقيع عليه يجب أن يتضمن الحلول الموجودة في الرؤية الوطنية”، مؤكّـداً رفض المقترحات الأممية الضعيفة؛ لأنها عبارة عن تجربة ثبت فشلها سابقًا، كما أوضح أن “السلام في اليمن يحتاج إلى قرار واضح وصريح بوقف العدوان ورفع الحصار؛ لأن الحوار في ظل استمرار ذلك، ليس سوى وسيلة ضغط لصالح الخيار العسكري”.
وجدد عبد السلام التأكيد على أنه “لا نقاش قبل صدور ذلك القرار”، وأن “إعلان العدوان عن وقف إطلاق النار ادِّعاءات كاذبة ومناورة إعلامية”، وأنه “لا توجد حالياً فرصة حقيقية للسلام؛ لأن تصعيدَ العدوان لم يتوقف”، وَأَضَـافَ أنه لا جدوى من “الجلسات الشهرية لترديد الكلام الذي لا يتغير”، منبهاً إلى أن “دول العدوان تسعى لكسب المزيد من الوقت لترتيب وضعها الميداني تحت غطاء إعلان وقف إطلاق النار”.
تصريحات عبد السلام عبّرت عن رفض رسمي للمراوغة التي يمضي تحالف العدوان والأمم المتحدة في ممارستها بشكل مثير للسخرية، إذ يبدو أن كُـلّ ما يعولان عليه هو أن استمرار تجاهل موقف صنعاء سيجلب معجزة ما تجعل السعودية تحقّق انتصاراً خاطفاً عجزت عن تحقيقه خلال خمس سنوات.
لكن معطيات الواقع تقول العكس؛ لأن استمرار تجاهل شروط صنعاء، وإعادة إنتاج المراوغات، بات في الحقيقة يثقل كاهل تحالف العدوان باستحقاقات تتضاعف يوميًّا، فبعد أسبوع من إعلان ناطق العدوّ عن “وقف إطلاق النار، بلغت عدد العمليات الهجومية التي شنُّها العدوّ أكثر من 35 عملية، فيما تجاوزت عدد الغارات الجوية 250 غارة، منها 12 غارة استهدفت العاصمة صنعاء، وهو الأمر الذي لا تنظر إليه الأخيرة كمُجَـرّد دليل على زيف إعلان “وقف إطلاق النار” فحسب، بل تعتبره تصعيداً خطيراً يستوجب الرد، وبالنظر إلى حقيقة أن تحالف العدوان يراوغ للهروب من هذا الرد، فإنه بلا شك يهرب في الاتّجاه الخاطئ.
وفي هذا السياق، كان الناطق الرسمي باسم الجيش العميد يحيى سريع، قد جدد، أمس الأول، التأكيد على أن “القوات المسلحة ستتخذ الإجراءات المناسبة للدفاع عن البلد والشعب للرد على تصعيد العدوان وإيقاف الصلف السعودي الأمريكي”.
هذا الإنذار العسكري الصريح، بالإضافة إلى الرفض الواضح لمناورات تحالف العدوان والأمم المتحدة، يرسل رسائل مباشرة بأن العدوّ يدور حول نفسه، وهو محشور بين شروط صنعاء للسلام من جهة، وتعاظم قوتها الرادعة من جهة أُخرى، ولن يطول الوقت حتى تدرك السعودية بالذات أن محاولتها لكسب المزيد من الوقت لن ينقذها من هذا المأزق.