مبادراتُ سلام يمنية تقابلها مناوراتٌ مفضوحة
مطهر يحيى شرف الدين
قبل الحديث عن الرؤية الوطنية اليمنية بشأن الإيقاف النهائي للحرب على اليمن وَإفشاء السلام الصادق والجاد، والتي تقدمت بها القوى الوطنية الممثِّلة للجمهورية اليمنية، تجدر الإشارة إلى تجاربَ سابقة وردود أفعال سلبية معروفة عهدناها من تحالف العدوان على اليمن، وهي المراوغة والخداع والتضليل إزاء عدة مبادرات سابقة، ومن تلك المبادرات دعوة عضو المجلس السياسي الأعلى الأُستاذ محمد علي الحوثي قبل أكثر من عام ونصف عام، والتي دعت جميع الأطراف على الساحة الوطنية للجلوس على طاولة الحوار واقتراح تشكيل لجنة مصالحة وطنية والاحتكام للانتخابات لاختيار رئيس وأعضاء برلمان، والعمل على منع أَو مواجهة أي عدوان خارجي على اليمن ووضع أية قضايا وطنية مختلف عليها للاستفتاء.
وللعودة إلى الوراء قليلاً، نتذكر مبادرة مجلس النواب اليمني والذي قدّم مبادرة سلام في العام 2017م، نصّت أهم بنودها على وقف الأعمال العسكرية ورفع الحصار ودعوة الأمم المتحدة إلى وضع آلية لمراقبة المنافذ البرية والموانئ والمطارات، لضمان تحصيل الإيرادات إلى البنك المركزي ودعوة مجلس الأمن إلى القيام بمهامه الإنسانية والقانونية في إعادة اللحمة الوطنية وضمان الأمن الغذائي والصحي للشعب اليمني.
وليس آخر تلك المبادرات مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشّاط الداعية للسلام، إذ تحدث عن مبادرته بالقول: ننتظر ردّ التحية بمثلها أَو أحسن منها، وإزاء مبادرة الرئيس المشّاط بدا غريفيث مرحباً بها ودعا إلى استثمار المبادرة التي تعبّر عن حسن نوايا طرف أنصار الله، وأهميّة الاستفادة منها في إنهاء الحرب والخروج إلى حلٍّ سياسي تتوافق عليه جميع الأطراف اليمنية.
ولذلك نستطيع أن نقولها صراحةً بأن مواقف التحالف إزاء المبادرة اليمنية الأخيرة وما سبقها من مبادرات، إنما تنم حقيقةً عن عجزٍ واضح وَارتباك في اتِّخاذ القرار وعدم قدرة على المواجهة الإيجابية، الأمر الذي انتهى إليه طرف التحالف المراوغة والمناورة المفضوحة، وهو ما يؤكّـد التخبّط وعدم الرغبة الحقيقية في التعامل الإيجابي مع الرؤية الوطنية للسلام الذي ينشد تحقيق أهدافها الشعبُ اليمني بكافة أطيافه واتّجاهاته.
ولذلك ينبغي أن نلاحظ مدى استيعاب وإدراك القوى الوطنية الحرة لمجمل القضايا التي تحيط بالدوافع الحقيقية لشن العدوان على اليمن، ومدى إقامة الحُجة تلو الحُجّة على دول التحالف، وبلا شك فإن ثمة عوامل تمثِّل قضايا مصيرية تهدّد مستقبل الأسرة السعودية الحاكمة العميلة لدول الاستكبار العالمي، صاحبة الدور الرئيسي في الإشراف على العمليات العسكرية ضد أبناء الشعب اليمني.
وحقيقةً فإن المشكلة التي تواجه الأسرة السعودية، هي أنها لا تدري كيف تتصرف أَو تتخذ المواقف، بل والأدهى من ذلك أن قرار الاستجابة لمبادرة القوى الوطنية اليمنية ليس بيد الأسرة السعودية الحاكمة، وهناك أبعاد سياسية استراتيجية لدى من يقف وراء دول التحالف، وهي من لديها القرار في إيقاف العمليات العسكرية على اليمن وفك الحصار برّاً وبحراً وجوّاً.
فبالرغم من أنّ المبادرة اليمنية جاءت بصيغة مفصلة وَشاملة لكلِّ الجوانب السياسية والسيادية والإنسانية، وعالجت الوضع الاقتصادي في اليمن وقدّمت في بنودها تنازلات بيِّنة، وحرصت كُـلّ الحرص على استخدام المصطلحات الراقية في نصوصها وبنودها، والتي لا تصدر إلّا عن مؤسّسات دولة وعن رجال مناضلين أحرار.
إلا أنّ خيار المناورة والتضليل والخداع يبقى هو السائد لدى مواقف وردود دول تحالف العدوان التي يهمها أن تبقى دول المنطقة في صراع وخلاف دائم تستفيد منه قوى الاستكبار العظمى في بسط سيطرتها ونفوذها على المنطقة؛ بغية نهب مقدرات وخيرات الدول العربية وشعوبها، الأمر الذي يحتم على الزعامات العربية إعادة النظر في سياساتها الخارجية وتوجّـهاتها واستشعار وإدراك المؤامرات الغربية، وَالوقوف إلى جانب محور المقاومة العربية المناهضة للوجود الغربي الاستكباري الطامع.