رؤية الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد لعلاقة القبيلة بالدولة.. العودةُ إلى الجوهر
المسيرة – أنس القاضي:
التناقُضُ بين الدولة والقبيلة الذي ساد طوال الفترة السابقة، بدعم النظام السابق وكأحد أُسُسِ سيطرته، كان تناقُضاً سياسيًّا في جوهره، يجعلُ القبيلةَ في مواجهة الدولة وسيادة القانون وفي مواجهة قوى الثورة والتقدم، وليس هناك تناقض بين الدولة والقبيلة كتناقض وجودي من حيث وجود القبيلة ذاتها؛ باعتبَارها نفياً للدولة كما كان يفهمُ الحداثيون الذين تلقَوا قمعاً شديداً من السُلطة عبر القبيلة، فترسخ هذا الفهم الخاطئ في أدمغتهم حول تناقض الدولة والقبيلة، أَو السلاح والأمن والسلم.
التناقض السياسي الذي كرّسه النظام السابق بين القبيلة والدولة، قام الرئيس الشهيد الصمَّـاد بحله، وذلك بالعودة إلى الجوهر الاجتماعي للقبيلة، التي هي أحد أشكال التنظيم الاجتماعية، فالقبيلة كشكل تنظيم اجتماعي، مكونة من المزارعين الملاك والفلاحين والبرجوازية الصغيرة والطلاب وغيرها من فئات الطبقة الشعبيّة، التي تعاني من الظلم الاجتماعي، ولها مصلحة في التغيير الثوري والسيادة الوطنية، إلا أن السلطةَ السابقة أشغلت القبيلةَ بالحروب البينية وبالإفقار، وهمّشت وجود مؤسّسات الحكومة والسلطة القضائية في مناطقها، لتنشغل القبيلة في الصراع البيني وتنشغل عن المهام السياسية التي هي من جنس مصلحتها، حيث يمثل أبناء الريف القطاع الواسع من الشعب اليمني، وهذه هي فلسفة ثورة 21 سبتمبر وتجربتها التي استوعبها الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، كما عمل على تطوير الوعي السياسي لأبناء القبائل، وفي آخر لقاءاته مع السلطة المحلية ووجهاء قبيلة عمران، قال الرئيس الشهيد الصمَّـاد:
“هذه المحافظة تستحق فعلاً كُـلّ الاهتمام والتقدير، ونحن ندرك أننا لم نستطعْ أن نقدِّمَ شيئاً بالشكل الذي نفي مع وفاء أبناء هذه المحافظة وغيرها من أبناء المحافظات الأُخرى؛ بسَببِ انشغالنا بأولوية مواجهة العدوان والحفاظ على تماسك الجبهات، ولكن ما نؤكّـده لكم أنه في ما توفرت الإمْكَانيات سنبذل جهدَنا، ونحن استقدمنا -أيضاً- معنا في الزيارة الإخوة مشكورين رئيس مجلس القضاء الأعلى، على أَسَاس أن يكون هناك خطة لتفعيل وتعزيز دور المحاكم والنيابات في المحافظة وبشكل استثنائي، لحلّ قضايا الناس، وتعزيز سلطة النظام والقانون والقضاء وسيادته، وهو حاضر معنا سيتم من خلاله -إن شاء الله- تنسيقُ هذا الموضوع والعمل على تعزيزه في الأيّام القادمة، ونحن -أيضاً- نشد على أيديهم بأن تكونَ لمحافظة عمران أولوية في هذا الموضوع لخصوصيتها، وَأَيْـضاً لإصلاح ما أفسدته السلطات السابقة في القضايا التي كان يشتغلها الأعداء لإثارة المشاكل والنزاعات بين أبناء هذه القبائل لإلهائهم عن قضاياهم الكبرى؛ لأنهم كما تعلمون يستخدمون سابقًا سياسة “فرق تسد”، فقد اشتغلوا على تفريق وَتمزيق القبائل وإثارة المشاكل والنعرات الطائفية والمناطقية، وكذلك الثارات القبلية؛ لكي ينهونا عن أن نطالب بلقمة عيشنا، أَو أن نطالب بحريتنا واستقلالنا، وهم باعوا الوطن براً وبحراً وجواً دون أن يستطيع المواطن أن يلتفت إلى ما يحاك ضد الوطن حتى وصلنا ما وصلنا إليه وللأسف، ما نعانيه اليوم ليس مشكلة آنية؛ بل بسَببِ سياسات الماضي التي كانت قد رمت اليمن في أحضان الأمريكان والصهاينة وفي أحضان آل سعود بالذات.. ونؤكّـد على الأخ رئيس مجلس القضاء أن يتم تعزيز المحاكم والنيابات في محافظة عمران لتقوم بدورها على أكمل وجه، وتجعلوها أولوية في هذه المرحلة لبسط سيطرة سيادة النظام والقانون وحل قضايا الناس وبسط الأمن والاستقرار”.
وتدل محافظة عمران على وضع يمني عام مارست فيه السلطة عملية تخريب في أوساط القبيلة، وَضرب وجود الدولة والمحاكم ومنع حدوث أي تطور تراكمي للسلوك القانوني وسيادة القانون في أوساط القبائل اليمنية.
اهتمَّ الرئيسُ الصمَّـادُ بالتثقيف السياسي للقبائل في كُـلّ لقاءاته مع وجاهات القبائل، ولتصبح قوتها التي كانت تُستخدم في ضرب الدولة وقمع قوى التغيير وللاقتتال الداخلي، إلى قوة وطنية للدفاع عن الوطن اليمني، عملية التغيير السياسية داخل القبيلة اليمنية إعلاءً للمصلحة الوطنية وصلت إلى تنازل وجاهات القبائل ومشايخها عن المصالح الخَاصَّة الأنانية التي كان يحصل عليها كثير من قيادات القبائل من قبل النظام السابق، لتقومَ بمهامٍّ سياسية، لتنتقلَ اليوم القبيلةُ إلى دفع ملكيتها الخَاصَّة؛ مِن أجلِ الدفاع عن الوطن، وهذا انقلابٌ سياسي كبير في أوساط القبيلة اليمنية.
تطورت رؤيةُ الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، للقبيلة وعلاقتها مع الدولة في إطار التكامل في ذات الوقت الذي تحدث به التغيراتُ في الوعي الاجتماعي للقبيلة اليمنية، وارتسم مستقبل علاقة القبيلة مع الدولة اليمنية، في فكر الرئيس الشهد صالح الصمَّـاد؛ باعتبَار القبيلة جزءاً من الدولة اليمنية متجانسة معها لا معادية لها، تقفُ بجانب الدولة لتلقى القبيلة فيما بعد مصالح جماهيرها الشعبيّة من هذه الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة دولة كُـلّ اليمنيين، التي تدافع عنها.
قضيةُ المرأة ودورُها الاجتماعي والوطني
لم يشهدِ الحِراكُ الاجتماعي اليمني منذ عقود، مشاركة نسوية كبيرة في الريف والمدينة، كالحضور الفاعل اليوم في مواجهة العدوان وقبلها في ثورة 21 سبتمبر، فقد كسرت المرأة اليمنية بمشاركتها الفعالة قيود عادات متخلفة، وخرجت بشجاعة إلى الفضاء العام، تحمل مع جماهير الشعب وبجانب الرجل مسئوليةَ القضية الاجتماعية الوطنية، وتشارك في المظاهرات والمسيرات وتموين المقاتلين بالطعام، وبالتبرعات، وبالإنفاق الذي وصل إلى تقديم أبنائهن، وأحبائهن شهداء؛ مِن أجلِ الحرية، فإذا المرأة التي تبدو رجعية بمظهرها، تقدمية صلبة مُخلصة، وهي تتحدث أمام وسائل الإعْــلَام الوطنية، وتهتف بحرية وكبرياء.
اشتراك المرأة اليمنية بشكل كبير وفاعل في النضال الاجتماعي ببُعديه الثوري والوطني، هو نتاج ضغط العدوان عليها ونتاج تغيرات في وعيها، والذي بدوره يغير في وعي المجتمع والقادة حول المرأة وأدوارها، والواقع اليمني اليوم في أمسِّ الحاجة إلى دور المرأة بجانب الرجل في مواجهة العدوان الذي يتطلب تكاتف كُـلّ الطاقات، ومن هذا الأَسَاس قدَّرَ الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد تقديراً عالياً دور المرأة اليمنية، وفي مقدمتها المرأة العاملة والمرأة المناضلة التي تحملت أعباءً كثيرةً عن الرجل المنشغل في جبهات الدفاع عن الوطن، وقدّمت نموذجاً تاريخياً للمرأة المناضلة في العصر الحديث.
انطلقت رؤية الرئيس الصمَّـاد والتي هي جزءٌ من ثقافته القُـرآنية، بأن دور المرأة ومكانتها لا تنتقص عن دور ومكانة الرجل، بل إن الفوارق هي في إطار تقسيم العمل، سواء بين مرأة ومرأة أَو بين رجل وَرجل آخر، مما يعني أن هذه الفوارق، سواءٌ أكانت إيجابية للأفضل أَو سلبية، منعكسة عن نشاطها الاجتماعي ذاته الإنتاجي مادياً وفكرياً وخدمياً إلى آخر الأنشطة الاجتماعية، وليس هناك قصور ونقص متصل بكيانها، وهذه رؤية متطورة في واقع الفكر السياسي عن المرأة، سواء السائد لدى المدارس الفلسفية البرجوازية الداروينية التي تنظر إليها كنوع بيولوجي ضعيف بكينونته، أَو المدارس الإسلامية (السلفية) التي ترى فيها نقصاً في ذاتها ككائن مخلوق لخدمة الرجل.
وفي تجربته التنظيمية الخَاصَّة في رئاسة المكتب السياسي لأنصار الله، أولى الصمَّـاد اهتماماً لمشاركة النساء وتسليمهن ملفات القضايا وتقدير أنشطتهن ورؤاهن، والثقة العلمية والعملية بما تنتجه المرأة من أفكار ومن قدرة على إنجاز المهام.
رأى الرئيس الشهيد صلح الصمَّـاد بأن مظلومية المرأة، إنما هي جزء من القضية الوطنية عُمُـومًا ومظلومية الإنسان اليمني؛ بفعلِ عدوانية الرجعية السعودية على اليمن وإعاقة المملكة للتقدم الاجتماعي والسياسي في الجمهورية اليمنية، وإعاقة النهوض الحضاري اليمني الذي يُحرج الأنظمة الخليجية الرجعية أمام شعوبها إذَا ما تحقّق، ولطالما كانت الثورة اليمنية 26 سبتمبر وَ14 أكتوبر ملهمة لكثير من الثوار والمنظمات الثورية في الجزيرة العربية.
البُعدُ الآخرُ بجانب الأنظمة المتخلفة لعوامل مظلومية المرأة كما تجلّت في فكر الرئيس الصمَّـاد، للمرأة في المنطقة واليمن، هذا العاملُ يتعلقُ بالتفسير الرجعي للنصوص القُـرآنية، وبالاجتهادات الفقهية الرجعية، وثقافة الجهل، التي أسهمت في تهيش دور المرأة ومكانتها، وعززت ظُلمَها، مما فتح ثغرةً للأيديولوجية الغربية لتقدم رؤيتَها حول مظلومية المرأة بالشكل الذي يستغلها ويُفسدها في إطار تمزيق الوشائج الاجتماعية، بعزل قضية المرأة عن القضايا الاجتماعية العامة؛ وباعتبار أَسَاس القضية ليسَ الظلم الاجتماعي إنما الظُلم (الذكوري)، فيصبح جزءٌ من المجتمع مؤلباً ومُعقَّداً ضد الجزء الآخر، وهذه الفلسفة اللبرالية لمعالجة قضايا المرأة تعمل على تشتيت النضال الاجتماعي وتجزئته، وفي هذا الصدد قال الرئيس الشهيد صالح علي الصمَّـاد:
“الأنظمة العربية المتخلفة كان لها دورٌ أَسَاسي لجعل المرأة للمزايدة في المحطات الانتخابية، وكثير من الفقهاء -أيضاً- كان لهم دور كبير في التقليل من هذا الدور وهذا الشأن عندما حرّفوا بعض المفاهيم القُـرآنية، وأعطوا للعدوان وللغرب وللخارج وللاستعمار مادة إعلامية يستطيعون من خلالها أن ينفذوا إلى أهم شريحة في المجتمع تمثّل نصف المجتمع وتحتك بجميع الشرائح من الأولاد في المدرسة وفي كُـلّ مكان، واستطاعوا أن ينفذوا منها ليعقدوا نصف المجتمع على النصف الآخر”.
أعم النظرات إلى المرأة السائدة في العصر الراهن هي نظرتان مختلفتان في الظاهر، ولكن تلتقيان في نهاية التحليل وتتفقان في الجوهر، وهذهِ النظرة كما هي لدى اللبراليين ترى في المرأة كائناً يجب أن يكون له اهتمام خاص وقضايا خَاصَّة، غايتها الحرية الفردية المنحدرة إلى تقديم المرأة كسلعة للمتعة تُشترى وتباع في إطار النظام الرأسمالي؛ لهذا نراها في كُـلّ الإعلانات التجارية تستخدم كعنصر جذب جنسي للسلع الاستهلاكية، وهذه الحرية هي انحطاط في نهاية الأمر، وهذه الأنظمة الرأسمالية التي تقدم قضية المرأة وحريتها وفقَ هذه الفلسفة هي في ذات الوقت تقهر وتضطهد المرأة العاملة في بلدان الغرب، وتقتل المرأة اليمنية.
أما الرؤية الثانية فهي الغالبة لدى الفكر الإسلامي السلفي، الذي يحجب المرأة عن الأنظار، بعيدًا عن النشاط الاجتماعي، ويحتفظ بها، ليتمتع بها كجارية (كائن جنسي) خُلقت؛ مِن أجلِ متعة الرجل، ووصل التطرف في هذا الفكر إلى القول بجواز أن يأكل الرجل زوجته إذَا جاع (كما قال مفتي المملكة) أَو تجريم أن يجلس الأب مع بناته دون وجود محرم (كما قال العريفي)، فيغطي صاحبُ هذا الفكر حتى الفتيات الصغيرات بملابس تشبه الخيام، إذ يشعر أنها تثير غرائزه، خَاصَّةً أن ذوي هذا الفكر الوهَّـابي يستحلون ويستلذون زواج الفتيات القاصرات، فتبدو المرأة في نهاية التحليل لدى هؤلاء سلعة جنسية يجب تغطيتها، كما يراها الليبراليون الذين يعرونها.
في فكر الرئيس الصمَّـاد وعلى النقيض من النموذجين السابقين، فإنَّ المرأة ليست ذات احتياجات خَاصَّة عن الرجل، ولا أدنى مرتبة منه، بل إن هناك تهميشاً لدورها الطبيعي ومظلومية اجتماعية لها، وليست قضيتها الحرية الاجتماعية حَــدَّ الانحلال الأخلاقي، كما أنها ليست كائناً يُحفظ بعيدًا عن ضوء الشمس، بل هي عضو في المجتمع، تُحدّد قيمتها القضية الثورية والوطنية التي تتبناها، وهوَ ذاته معيار تحديد قيمة الرجل، فهي على قدر مسؤولية واحدة مع الرجل، وإن اختلفت الأدوار والمهام، وأكّـد الصمَّـاد بالاستناد إلى الثقافة القُـرآنية على قصة فرعون إلى دور المرأة في إسقاط الطغيان، وذلك في تناول القُـرآن لشخصيات نسوية في هذه القصة، وهذا الفهم المتقدم لدور المرأة من منظور القضية التي تتحَرّك في سبيلها، يوسع من المشاركة المجتمعية في النضالات الثورية الاجتماعية والتحرّرية الوطنية، ويجمع القضايا في قضية واحدة دون تجزئتها وفق النوع الاجتماعي. كما تضمنت رؤية الصمَّـاد إشراكاً أكثرَ للمرأة في مختلف المحطات السياسية والاقتصادية القادمة، في إطار المسؤولية الوطنية لإخراج الوطن مما يعانيه، محملاً المرأة مسؤولية حماية الاستقرار الاجتماعي وإشاعة الوئام وتربية النشء على القِيم التي تجمع ولا تُفرق وبما يضمنُ التماسكَ الاجتماعي.