أبرز ما جاء في خطابه الأخير بمحافظة الحديدة آخر وصايا الشهيد الصماد: ليس لأمريكا عندنا إلا خناجر البنادق
المسيرة | خاص
تضمَّنَ الخطابُ الأخيرُ الذي ألقاه الشهيد الرئيس صالح الصمَّـاد في محافظة الحديدة قبيل استشهاده، ما يمكن أن نقول إنه آخرُ وصاياه، فهو وإن بدا موجهاً لأبناء المحافظة بشكل خاص، إلا أن مضامينَ ذلك الخطاب كانت عامةً وموجهةً لكافة أبناء البلد من منطلق المعركة الشاملة مع العدوان، والتي يجب أن يتحمل الجميع نفس القدر من المسؤولية في خوضها.
في تلك الوصية الأخيرة، يعيد الشهيد الصمَّـاد التأكيدَ على الأمر الذي كان دائماً شديدَ الحرص على طرحه والتنبيه إليه، وهو الهُـوِيَّة الأمريكية للعدوان على اليمن، ويستندُ الصمَّـاد إلى وقائع التصعيد الميداني الحاصل آنذاك؛ ليرسخ هذه الحقيقة، إذ ينبه في بداية الخطاب إلى أنه “من المؤكّـد أن الأمريكيين هم المتبنُّون لعملية الحديدة؛ لأَنَّ السعوديين والمرتزِقة عبارةٌ عن خدام لا أكثر”.
ويقدم الشهيد الصمَّـاد لفتةً موجزةً عن تفاصيل العلاقة بين أمريكا وأدواتها، مُشيراً إلى أن “العملاء يقولون للأمريكيين: إن المجتمعَ في الحديدة بات غاضباً وأنه مستعدٌّ لاستقبال الأمريكان بالورود”!، والواقع أن الشهيدَ لا يتحدثُ هنا عن الحديدة فقط، بل يشير إلى واحدة من القواعد الأَسَاسية التي تتضمنها الاستراتيجيات الاستعمارية، وهي أن الغزو الأمريكي دائماً يأتي على أكتاف مرتزِقة وعملاء مهمتُهم تهيئة الأوضاع وتعبيد الطريق وطمأنة قوات الاحتلال قبل قدومها.
ومن هذا المنطلق، ينبّه الشهيد الصمَّـاد إلى المسؤولية الواقعة على عاتق الجميع أمام هذه الهجمة، ويقدم عنواناً واضحاً للمسار الذي يجبُ أن يسلكَه الشعبُ في الدفاع عن الأرض والعِرض، وهو أن أية قوات أمريكية تطأ أرض اليمن لن يتم استقبالها إلا “بخناجر البنادق”، في رمزية بليغة تشير إلى النضال المسلح ضد الاحتلال بكل الإمْكَانيات المتوفرة وبأكثرها شراسة، وما “مسيرة البنادق” التي دعا الشهيدُ أبناءَ الحديدة إلى الخروج فيها إلا ترجمة بسيطة لهذا المبدأ العام الذي ينبغي أن يترسخَ لدى جميع أبناء الشعب.
ويلفت الشهيدُ إلى أهميّةِ إبراز الموقف المعادي للاحتلال، إذ يشير إلى أن إشهار السلاح يرسل رسالة للعدو بانه “لا يوجد هناك مرتزِقة في البلاد سوى أُولئك الذين قد ذهبوا إلى أحضان التحالف”، الأمر الذي يعني ضرورةَ أن يدرك العدوّ الأمريكي عدمَ وجود عملاء بين الشعب، ويدركَ أن ما لديه من مرتزِقة ليسوا سوى عصابة منبوذة، لن تفيدَه بأي شيء.
في الوقت ذاته، لم يغفل الشهيد الصمَّـاد التذكيرَ بالحقائق التي يجب أن يأخذها الجميعُ بعين الاعتبار؛ لتقوية الموقف المعادي للاحتلال والغزو، وعلى رأس تلك الحقائق الجرائمُ البشعة التي يرتكبها أتباعُ العدوان بحق المدنيين، ويقدم الشهيدُ دلائلَ على ذلك، مستدلاً بتحقيق نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش آنذاك عن الانتهاكات الجنسية التي يرتكبها الإماراتيون والمرتزِقة بحق المهاجرين الأفارقة في عدن.
ويلفت الشهيد الصمَّـاد إلى أهميّةِ المقارنة بين وضع مناطق سيطرة العدوان ووضع مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى، في تدليل واضح على صوابية الموقف الذي اتخذه أبناءُ المحافظات الحرة منذ البداية في الوقوف ضد العدوان، ليكون ذلك دافعاً لمن تبقى لديه شكٌّ في الأمر.
وفي نقطة أُخرى من الخطاب، يقدم الشهيد الصمَّـاد وصيةً أُخرى بالغةَ الأهميّة بالتأكيد على أهميّة أن تكونَ جميعُ المواقف المناهضة للعدوان موحَّدةً غيرَ منفصلة، إذ يخاطبُ أبناءَ الحديدة قائلاً: “إن جميعَ أبناء اليمن من صعدةَ إلى المهرة إلى حضرموت إلى تعز إلى ذمار، سيدافعون عن هذه المحافظة وعن غيرها من المحافظات”.
إجمالاً، يمكنُ القول: إن محاورَ هذا الخطاب قد مثّلت وصيةً متكاملةً وشاملةً للشعب اليمني؛ لأَنَّها تضمنت أهمَّ الخطوط العريضة للموقف الصحيح الذي يجب اتِّخاذُه، ولخصت أهمَّ الأهداف الرئيسية التي عمل الشهيد الصمَّـاد؛ مِن أجلِ تحقيقها.. خلاصة متميزة بدأت بالتأكيد على هُـوِيَّة العدوّ الحقيقي للشعب، والتنبيه على أهمِّ وسائله وأدواته لاستهداف البلد، والتذكير بأهدافه الإجرامية، ثم أوضحت ضرورةَ عدم التهاون في المواجهة وأهميّة إعلان الموقف العدائي الواضح من العدوان ونبذ العملاء والخونة، وَأَيْـضاً ضرورة توحيد الجهود وسد الثغرات.
إنها وصيةٌ ترسُمُ مساراً واضحاً نحوَ النصر، وتبني مقاومةً صادقةَ الانتماء وشديدة البأس، بإمْكَانها التغلب على المشروع الأمريكي وكل مشروع معادٍ مهما كانت التحديات والصعوبات.