تحالف العدوان يلجأُ إلى مناورة “الانفصال” لخلط الأوراق والهروب من السلام الشامل
المسيرة | خاص
تحتَ غطاءِ الصراع المتواصل بين فصائل المرتزِقة في المحافظات الجنوبية، أقدم تحالُفُ العدوان على تصعيد جديد تمثّل في إعلان مليشيات ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات عن ما أسمته “الإدارة الذاتية للجنوب”؛ لتكريس مشروع “الانفصال”، وهو ما أظهر مجدّدًا زيفَ شعارات ومبرّرات الحرب على اليمن، وأظهر أَيْـضاً مدى هشاشة وضعف حكومة الفارّ هادي وافتقادها للقرار، كما كشف عن إصرار دول العدوان على الابتعاد عن مسار السلام الشامل والجاد، وتوجّـهها نحو خلط الأوراق.
في التفاصيل، أصدر ما يسمى “المجلس الانتقالي” الموالي للإمارات، أمس الأحد، بياناً أعلن فيه عن فرض “حالة الطوارئ” في المحافظات الجنوبية، وتكليف ميليشياته بما أسماه “الإدارة الذاتية” لتلك المحافظات والسيطرة على جميع مؤسّسات الدولة فيها.
وحاول “الانتقالي” تبرير هذه الخطوة بضرورة مواجهة “مؤامرات” حكومة الفارّ هادي، وذلك في إطار الصراع المتواصل بينهما، والذي تصاعدت وتيرته بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، حيث كانت مليشيا الانتقالي قد قامت قبل أَيَّـام بمنع عدد من أعضاء حكومة الفارّ هادي من العودة إلى عدن.
بيان مليشيا الانتقالي مثّل “انقلاباً” مكتمل الأركان على حكومة الفارّ هادي، الأمر الذي كشف مجدّدًا زيف جميع الذرائع الرئيسية التي استخدمها تحالف العدوان لتبرير شن الحرب على اليمن، وعلى رأسها “مواجهة الانقلاب” و”إعادة الشرعية هادي” و”الحفاظ على الوحدة اليمنية”، وهي ليست المرة الأولى التي ينكشف فيها زيف هذه الدعايات بهذه الطريقة، إذ سبق وتم طرد حكومة المرتزِقة عسكريًّا من عدن في أغسطُس الماضي برعاية سعودية إماراتية.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده موقف سلطات المرتزِقة من بيان “الانتقالي”، حيث اعتبرته “انقلاباً جديداً” وطلبت من السعودية أن تعلن “موقفاً واضحاً” من البيان، الأمر الذي أكّـد مجدّدًا أن حكومة الفارّ هادي لا تمتلك أي قرار بالمطلق.
مليشيات الانتقالي أَيْـضاً طلبت من الرياض أن تقف إلى جوارها في ما أقدمت عليه، وهو ما أكمل الصورة ليوضح أن طرفي المرتزِقة لا يستطيعان المضي بأية خطوة بدون إذن دول العدوان وعلى رأسها السعودية.
وحتى لحظة الكتابة، لم يصدر أي موقف من السعودية، وهو الأمر الذي يؤكّـد أن بيان مليشيات الانتقالي لم يصدر إلا بضوء أخضر سعودي، وهذا أَيْـضاً ما أكّـد عليه المشهد في الميدان، إذ أوضحت مصادر محلية في عدن أن التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة للمليشيا انتشرت بشكل كبير، عقب البيان، على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال السعودي الموجودة داخل المحافظة.
واعتبر محللون أن هذه الخطوة بما اشتملت عليه من دلائل على وقوف دول العدوان خلفها، تمثل مسرحية سعودية إماراتية جديدة هدفها إطالة أمد العدوان وتقاسم النفوذ في المناطق المحتلّة وتكريس مشروع التقسيم كمناورة سياسية جديدة.
وفي هذا السياق، قال رئيس اتّحاد الإعلاميين اليمنيين بصنعاء، الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله صبري: إن بيان الانتقالي “خطوة مرتبطة بتحالف العدوان وتهدف إلى المزيد من خلط الأوراق السياسية في اليمن”، وَأَضَـافَ أن “الذي هندس لفكرة الحكم الذاتي يريد أن يدفع باليمن إلى الفوضى الدائمة على الطريقة الصومالية”.
وربط مراقبون بيان مليشيا الانتقالي وما تبعه من انتشار عسكري وسيطرة على المؤسّسات بما حدث في أغسطُس الماضي بعد طرد حكومة المرتزِقة من عدن وسيطرة المليشيات عليها، حيث التزمت السعودية الصمت لفترة، قبل أن تدعو طرفي المرتزِقة إلى التفاوض الشكلي الذي أفضى فيما بعد إلى ما يسمى “اتّفاق الرياض” الذي لم ينفذ أبداً، وكشف ذلك الموقف السعودي أن كُـلّ ما حدث وقتها كان لعبة سعودية إماراتية لتقاسم النفوذ وخلط الأوراق، وهو ما يبدو أنه السيناريو الذي يتكرّر اليوم.
يشار إلى أن بيان مليشيا الانتقالي جاء بعد أَيَّـام من أنباء تحدثت عن توجيهات سعودية صدرت لقوات حزب الإصلاح بالانسحاب من مدينة “شقرة” في أبين، بعد أن كانت قد تجهزت لخوض مواجهات مع “الانتقالي”، الأمر الذي يمثّل مؤشراً إضافياً على وقوف الرياض وراء التطور الأخير.
والواقع أن بيان “الانتقالي” الأخير حمل العديد من الثغرات التي كشفت هذه اللعبة، فمنذ أغسطُس الماضي والمؤسّسات الحكومية في عدن واقعة بالفعل تحت سيطرة مليشيات الانتقالي، وقد مُنع موظفو حكومة الفارّ هادي أكثر من مرة من العودة إلى تلك المؤسّسات، لكن اللافت في البيان كان التوجّـه الصريح نحو إعلان “الانفصال” عبر ما سُمِّيَ “الإدارة الذاتية”، وهو الأمر الذي فضح الأهدافَ السياسية مِن وراء هذه اللعبة.
واعتبر محللون أن ما أعلنته مليشيات الانتقالي يمثل دلالةً واضحةً على أن تحالف العدوان ما زال بعيدًا عن مسار السلام، حيث جاء بيان المليشيا بالتزامن مع زعم “التحالف” تمديد “الهدنة” الزائفة التي أعلنها قبل أسبوعين للتهرب من استحقاقات وشروط السلام الشامل، ويكشف هذا التزامن عن توجّـه دول العدوان نحو لعبة أُخرى للالتفاف على تلك الشروط.
إجمالاً، لم يخرج بيانُ الانتقالي عن دائرة “الألاعيب المكشوفة” لتحالف العدوان، والتي تكرّرت كَثيراً خلال السنوات الماضية، وحتى إن اختلفت بعض التفاصيل هذه المرة، فإن إشراف السعودية والإمارات على كُـلّ ما يحدث في المحافظات الجنوبية أمر لا يمكن حتى التشكيك فيه، والمرجح أن دول العدوان ستسعى لاتِّخاذ ما حدث كمدخل لتعزيز نفوذها داخل المحافظات الجنوبية، وستحاول تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي من خلال ذلك، كما حاولت من خلال ما يسمى “اتّفاق الرياض”؛ بهَدفِ ضمان استمرار ومضاعفة مستوى الوصاية على اليمن.