لن يؤثر فينا منصب ولا أموال..مكافحة الفساد في مقابلة الرئيس
حميد رزق
يدور لغط في الأوساط المحلية حول أداء الحكومة والمؤسّسات الرسمية، وفيما بدأ البعض برفع السقف عالياً في النقد، ثمة من يرى أن تقييم أداء حكومة الإنقاذ دون الأخذ بالاعتبار ما تمر به البلاد من حرب وحصار غير منطقي ولا منصف.
وفي الآونة الأخيرة تصاعدت حملات التهييج والعزف على معاناة وظروف الناس بالداخل، كما لو أن المطلوب أشياءُ أُخرى غير محاربة الفساد وتعرية الفاسدين، وثمة من يتحدّث عن حالة من السخط تسيطر على الرأي العام بالداخل تكاد تتحول إلى إجماع ضد سلطة المجلس السياسي في صنعاء، فهل الأمر يعكس ما هو قائم على الأرض؟!، أم أن ثمةَ مبالغاتٍ واصطياداً في المياه العكر؟!، وهل بات الفشل والظلم والفساد والنهب والسرقة تطغى وتهيمن على المشهد العام في صنعاء والمحافظات الحرة؟!، وأية علاقة تجمع بين جبهات الأداء الحكومي وبين الجبهات العسكرية التي تشهد الانتصارات والإنجازات المتتالية؟!.
في مقابلته الأخيرة، أجاب الرئيس المشَّـاط على تساؤلات صحيفة الثورة التي حملت قدراً من الشفافية لا سِـيَّـما ما يتعلق بأداء الجهات الرسمية وما يقال عن الارتجال والاستهتار في المؤسّسات الحكومية، الأمرُ الذي يتحوّلُ إلى تعثر في الخدمات، إجابات الرئيس اتسمت بالوضوح والواقعية مذكراً بما لا يراه الآخرون، فالوضع الذي يعيشه اليمن ليس كما يتصور البعض، فهناك صعوبة كبيرة جِـدًّا يمر بها البلد؛ نتيجة العدوان والحصار، ومن يتعامل وكأن الوضع مستقر فهذا نتيجة سطحية في فهم الواقع بحسب الرئيس، الذي أكّـد أن وضعَ البلد استثنائي، وثمة جهود جبارة تبذل وهناك عصامية كبيرة من قبل رجالات الدولة، مؤكّـداً رفضه لأي ترهل أَو استهتار من أي مسؤول كائناً من كان “فالحرص على حياة المواطن أكثر مما هو على حياتنا أَو حياة أقاربنا”.
وبرغم تداعيات الحرب والحصار، إلَّا أن الرئيس يقر بوجود صعوبات ذاتية، سببها الروتين الذي تعوّد عليه بعض رجالات الدولة ممن لا زالوا يتعاملون بذهنية مراحل الاستقرار، وثمة مسؤولون أُصيبوا بالإحباط نتيجة تعقيدات المرحلة، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود لإيصال هؤلاء إلى قناعة أن العمل مع الإصرار والاستمرارية سيكتب له النجاح بالإمْكَانات المتاحة والبسيطة.
وأشَارَ الرئيس المشَّـاط إلى وجود ملاحظات على الكثير من المسؤولين، غير أنها لا تصل إلى مستوى الاستهتار، بعضها له صلة بعدم الاستيعاب، أَو عدم فهم المرحلة، ونحن نواصل ونواكب ترتيب البيت اليمني على المستوى الرسمي وعلى كُـلّ المستويات، والأمور أرى أنها إلى خير، بين كُـلّ فترة وأُخرى الأمور تتحسن إلى الأفضل..
وحول أداء المؤسّسات الرسمية قال: من يقول إن عمل المؤسّسات الحكومية مُجَـرّد ارتجال بدون تخطيط، فهذا الكلام غير صحيح، وتعليقاً على الهجوم الذي تتعرض له سلطة صنعاء، سواءً المجلس السياسي الأعلى أَو حكومة الإنقاذ، قال الرئيس المشَّـاط: هناك من ينقصهم الإلمام والاطلاع على حقيقة المشكلة الموجودة وكيف يكون حلها، فالبعض يكتفي بمتابعة “القشور”، ومن ثم يبني رأيه، ويصدر قراره بلا خلفية قانونية ومعرفة بالأسباب الحقيقية للمشكلة، وَأَضَـافَ أن اختزال (مكافحة الفساد) في إجراءات حول مشبوهين يعد أبسط حالات مكافحة الفساد، إذَا ما قورنت ببنية قانونية عليها الكثير من الملاحظات، فالقوانين شرعت لوضع مستقر، والمطلوب تعديل أَو إيجاد قوانين جديدة، ولو أردنا أقلمة بنية البلد القانونية مع الوضع الاستثنائي، فهذا ليس ببسيط في ظل الإمْكَانيات المتاحة.
يضيف الرئيس: المسألة أعمق من النظر بسطيحة للكثير من المشكلات، لا سِـيَّـما والإرث ثقيل والتحديات التي يفرضها العدوان كبيرة، ولا بد من العمل على بناء الفرد الكادر الموظف وهذا يحتاج وقتاً، ولا يجب إغفال أن العدوان شن على اليمن حرباً ثقافية وحربَ مفاهيم وحربَ استهداف لرجال الدولة قبل الحرب العسكرية؛ ولذلك لا بد من العمل على صياغة رجل الدولة الجديد ليفهم أنه خادم للناس، خادم للشعب.
وفيما يخص المحاسبة قال الرئيس: نحن لم نأتِ كحكام عسكريين، أمامنا فلان أخطأ، بسرعة اتخذ إجراء، لا، نحن ندرس المشكلة ونكون منصفين، فمنها ما يتعلق بإمْكَانات الوضع، ومنها ما يتعلق برؤية القائم كيف يعدّل رؤيته، والمرحلة أسميتها بمرحلة الإنذار لكل المؤسّسات، والإنذار يكون تكثيف الجهد في تفهيم مسؤول الدولة كيف يجب أن يؤدي عمله بالشكل الممكن في ظل الوضع الاستثنائي، وأبدى استغرابَه من تعامل البعض كما لو أن إيرادات البلد كاملة كما كانت عليه في الأوضاع المستقرة، فالإمْكَانات كما يقول الرئيس محدودة، ولكن من حرصنا على المواطن نرى أن أي مسؤول يبتزه حتى بألف ريال، ينبغي أن يُحاسب، وأن من العار أن يحصل مثل هذا في عهدنا بعد كُـلّ التضحيات التي قدمها شعبنا.
وحول حملات التشكيك والانتقاد قال الرئيس المشَّـاط: إن كثيراً من المتابعين لا يعرفون حجمَ المشكلة، حتى أن البعض يقول هناك تغيّر في التوجّـه وتماشٍ مع الفاسدين، وأقول لهم: هذا غير صحيح، وهذا ليس منسجماً مع قيمنا، ومع تاريخنا ومع أخلاقنا ومع تضحيات شعبنا، ولن نقبل بأن يترسخ هذا؛ لأَنَّ تضحيات الشعب تقضي علينا بأن نكون حراساً أمناء، أن نبذل كُـلّ وقتنا في حراسة وحماية المواطن، وأن نبذل كُـلّ جهدنا وإمْكَانياتنا لتخفيف ولو الحد الأدنى من معاناته، وهذا هو منهجنا لن نتخلّى ولن نتخلف عنه، ولن يؤثر فينا منصب ولا أموال، وسنستمر على هذا النهج إلى أن نلقى الله.
وحول آفاق القادم قال الرئيس: مثلما استطاع شعبنا أن يصل إلى صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والطائرات المسيّرة ذات المسافات البعيدة، فهو قادر بتوفيق الله وعونه على ابتكار بدائل اقتصادية تساعد في الحد من آثار الحرب الاقتصادية الكبيرة التي ينفذها العدوان، ولفت إلى أن الحصار ومع كونه عملاً إجرامياً وجريمة حرب ضد الإنسانية، إلا أنه عبر التاريخ كان حافزاً للكثير من البلدان للاعتماد على نفسها؛ ولذلك يتواصل العمل ليلاً ونهاراً لتحويل التحدي الكبير إلى فرصة ستكون لها آثارها الإيجابية بإذن الله.
الخلاصة التي خرجت بها بعد قراءة مقابلة الرئيس، أن ثمة غياباً للجهات المعنية في كثير من المؤسّسات لمخاطبة المواطنين وتوضيح الصورة أمامهم بسلبياتها وإيجابياتها؛ بهَدفِ قطع الطريق أمام إعلام العدوّ أَو أية جهة تسعى لاستغلال حالة الفراغ والغياب الرسمي للتشكيك والتهييج أَو الابتزاز، لقد أوضح الرئيس في مقابلته الشاملة جانباً مهماً من الصورة المغيبة للصعوبات التي تواجه الأداء الحكومي، لكن هل يعقل أن ينتظر المواطنون رأس هرم الدولة ليطل ويتحدث بالنيابة عن المسئولين بين الفينة والأُخرى؟! وفي ظل محدودية انتشار الإعلام المقروء إلى أي مدى وصلت رسالة الرئيس ونجحت في تسليط الضوء على جانب من الصعوبات والتعقيدات التي يفرضها العدوان والحصار؟!.
وفي ختام المقابلة، باعتقادي أن الرئيس كان موفقاً حين تحدّث عن نفسه ولو بشكل مقتضب قائلاً: إن مقابلة الرئيس المشَّـاط اتسمت بالشمولية والشفافية وبرغم إطلالات الرئيس في مناسبات مختلفة متحدّثا للشعب، لكن المقابلة الأخيرة أضاءت على جوانبَ جديدة في شخصية الرجل الذي ليس من أولوياته الاستعراض الإعلامي بقدر ما يهتم بالعمل والمتابعة؛ ولذلك قال بثقة عالية ويقين مما هو عليه: مهدي المشَّـاط هو أصغر خادم لأبناء شعبه اليمني العظيم، يبذل أقصى جهده لخدمة هذا الشعب، يمنح هذا الشعب من جهده ومن حياته، يسهر كي ينام هذا الشعب في أمن واستقرار، يحاول أن يكثّـف جهوده لتخفيف المعاناة على أبناء هذا الشعب جراء هذا العدوان الغاشم، وسيبقى على هذا النهج إن شاء الله حتى يلقى ربه.
تحية للرئيس المشَّـاط ولكل المخلصين والصادقين في مواقعهم الرسمية.