حريةُ الرأي بين الجريمة والحق
منير الشامي
ليس خافياً على أحد أن حرية الرأي والتعبير من أهمّ الحقوق التي كفلتها الشريعة المحمدية للأُمَّـة، وليس ذلك فحسب، بل إن جانباً منها فرضها الله على الأُمَّــة كلها فرضاً على الرجال والنساء، وأوجب الله على كُـلّ مسلم القيام بها كواجب عليه وكمسؤولية هامة تحملها في لحظة اعتناقه لهذا الدين أَو ارتضائه به، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبرز مثال على ذلك، وهذا الأمر هو نوع من أنواع حرية الرأي والتعبير؛ لأن من يقوم بذلك إنما يمارس الإدلاء برأي ومبدأ اقتنع به وتيقّن بمنفعته.
إذن، فحرية الرأي التي تكون في الحق ومن أجل نصرة الحق، هي فرض واجب، وكل مسلم معني بالقيام بها على الوجه الذي أمر الله به، ومحاسب أمام الله عن أي تقصير فيها؛ لأن قيام كُـلّ أفراد المجتمع بممارسة هذا الحق يفضي إلى منفعة كبيرة وعظيمة على المجتمع، وهي صلاحه وتعزيز قوته وترابطه.
وهذا يعني أن ممارسة أفراد المجتمع للعكس من ذلك، يمكن أن يندرج تحت عنوان حرية الرأي وهي التي يمارس فاعلُها الدعوة إلى الباطل والتحريض على الحق، وتكون نتيجة ذلك الأضرار الكبيرة بالمجتمع، كنشر الفرقة وتعميق الاختلاف وتأجيج العداوة وإثارة البغضاء… إلخ، وهذا كلُّه يتنافى مع مبادئ وقيم الشريعة المحمدية ويتعارض مع أهدافها، ما يعني أن من يمارسها يستهدف وحدة الأُمَّــة وعقيدتها وثقافتها وهُويتها، وهذه كلها في دين محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- جرائم في حق المجتمع ومعاصٍ لله ولرسوله، وبالتالي فإن كُـلّ من يمارسها ويدعي أنه يمارس حرية الرأي إنما يكذب على نفسه بذلك، وكل من يتضامن معه في ذلك إنما يعينه على الباطل والمعصية ويزين له سوء عمله، مستغلاً عنوان حرية الرأي يافطة عريضة لتحقيق غايته في هدم المجتمع وتمزيقه وهدمه، وكمثال حي على هذا النوع من الزيف والتدليس ما قامت به الخلية الإخوانية التي تم القبض عليها، كما أن الأبواق التي تدين محاكمة أعضاء تلك الخلية ويستنكر الأحكام الصادرة بحق أفرادها، إنما هي أبواق شيطانية تساند هذه الخلية الإجرامية في استهداف مجتمعنا وتدميره خدمة للعدوان.
ولذلك ينبغي التفريقُ بين حرية الرأي الهادفة لبناء المجتمع وتقويته كحق مكفول لكل مسلم، وبين جريمة الرأي الهادفة إلى هدم المجتمع وإضعافه وتقويض قوته، ومن جهة أُخرى، فإن الشرع والقانون لا يعفي كُـلّ من يحرض ويحث على الإضرار في المجتمع خدمة لأعدائه أياً كان عمله أَو مهنته، والصحافة ليست جلبابَ نجاة لكل من يقوم باستهداف المجتمع والوطن تحت عنوان حرية الرأي، كما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن القانون قد حدّد العقوبة على كُـلّ من يعين العدوّ أَو يزوده بأية معلومات تؤدي إلى إضعاف الوطن أَو دفاعه أَو قوته أَو تلحق المساس بسيادته بأية طريقة، ولم يستثنِ القانون الصحفي من العقوبة أحداً في حال قيامه بأي أمر يحقّق ضرراً من الأضرار المذكورة تحت عنوان حرية الرأي، فهذه ليست حرية رأي بل هي جريمة جسيمة يجب أن يعاقب كُـلّ من يرتكبها، أياً كان صحفياً أَو عسكريًّا أَو تربوياً أَو أيَّ مواطن آخر.