هل بدأت ثورة الربيع الأمريكي؟
منير الشامي
أمريكا ذلك الشيطان الأكبر كما وصفها الإمام الخميني -قدس الله سره- لطالما تغنت بالمساواة والحرية ورفعت شعارات إنسانية براقة وتدعي جدلاً أنها أول من حارب التمييز العنصري وقضت عليه، وأول من نادت بحقوق الإنسان والمدافع الأول عنها، وتفرض نفسها على العالم كمدعٍ عام من خلال هيمنتها على مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، فحولت مجلس الأمن الدولي إلى محكمة لإصدار قرارات من مجلس الأمن على أي دولة في العالم ترفض الخضوع لها وتستخدمها عليها كما لو كانت أحكاماً قضائية نهائية لشرعنة حروبها الإجرامية على شعوب تلك الدول المناهضة لمؤامراتها والرافضة لطغيانها، فتعتدي عليها وتجردهم من كُـلّ حقوقهم الإنسانية وترتكب فيهم آلاف المجازر والجرائم وتسلبهم حريتهم وكرامتهم وتزج بالآلاف من أبنائهم في المعتقلات، وترتكب فيهم أبشع الجرائم الأخلاقية والجسمية وهذا هو ما يشهد به تاريخها الإجرامي منذ قيامها على عشرات الملايين من جماجم سكان أمريكا الأصليين أَو ما عُرفوا بالهنود الحمر وحتى يومنا هذا.
اليوم وبعد مضي عشرات السنين من زيف ما تدعيه وتشهد شوارع مدنها في مختلف الولايات بذلك، عبر حراك شعبي عارم مناهض لسياستها الاستكبارية وممارساتها اللاإنسانية وتفرقتها العنصرية التي لم تتخلََّ عنها يوماً ضد جزء كبير من شعبها الحاملين للجنسية الأمريكية وهم من أصول إفريقية بعد أن ضاق حالهم من جرائمها العنصرية في حقهم والتي لم تتوقف يوماً من الأيّام.
هذا الحراك الشعبي خرج في احتجاج على جريمة عنصرية كبرى في الدستور الأمريكي أسفرت عن مقتل مواطن أمريكي من أصول إفريقية هو جورج فلويد لحظة اعتقاله من قبل الشرطة وهو مستلقٍ على الأرض؛ بسَببِ وضع أحد أفراد الشرطة رجله على عنقه والضغط عليها وعدم الاستجابة لاستغاثته بالشرطة وإخباره لهم بعدم قدرته على التنفس قبل لحظات من مفارقته للحياة، كما ظهر في مشاهد الفيديو التي صورت الحادث وتم تداولها في القنوات الفضائية وفي صفحات التواصل الاجتماعي.
هذا الحراك الشعبي الأمريكي بدأ من ولاية مينيسوتا التي وقعت فيها الجريمة، وتتابع بعد ذلك بيوم في بقية المدن بمختلف الولايات، وبدايته تشبه بداية ما سمّي بثورات الربيع العربي مطلع العام 2012م، وتطور كما تطورت في الدول العربية حتى شملت معظم المدن الأمريكية الكبرى ووصل المحتجون إلى اقتحام البيت الأبيض في العاصمة واشنطن.
النظام الأمريكي واجه هذا الحراك بنفس الطريقة التي واجهت بها تلك الأنظمة العربية المتجبرة احتجاجات شعوبها بالعنف والقمع والاعتقالات وبشرطة مكافحة الشغب وإطلاق العيارات المطاطية والقنابل المسيلة للدموع وبالضرب وغيره، وكذلك أَيْـضاً فقد هدّد ترامب بتدخل الجيش إذَا لم تتمكّن السلطات المحلية في الولايات من التعامل مع الاحتجاجات، إضافةً إلى ذلك فقد مارس ترامب الضغط على بعض الموظفين البيض لتقديم استقالتهم في محاولة لامتصاص غضب الشارع، وأول مستقيل هو كبير محامي الإف بي إي تحت ضغوط ترامب عليه كما تم إعلان حظر تجول في لوس أنجلوس وفيلادلفيا وأتلانتا ومدينة سياتل، في محاولة من النظام الأمريكي لقمع حريات الشعب ومصادرة حقه في التعبير والاحتجاج.
إذن فيمكن القول بأن بداية ثورة الربيع الأمريكي متطابقة تماماً مع بداية الثورات ضد الأنظمة المجرمة العربية، تلك الثورات التي استغلها النظام الأمريكي لتنفيذ مؤامرات ضد بعض الشعوب العربية ودعم فيها الأطراف العميلة لها التي تتحَرّك وفق رؤيته وتوجيهه بصورة مباشرة أَو بصورة غير مباشرة، وكان من أهم أهداف تلك المؤامرات القضاء على الأطراف المناهضة لسياسة النظام الصهيوأمريكي وتقسيمها إلى كنتونات صغيرة طبقاً للولاءات التي يتمخض عنها إنتاج صراع مستمر فيها كالطائفية والمذهبية والقبلية وغيرها، ووفقاً لسياسة “فرق تسد” كما فعلت في اليمن وسوريا على سبيل المثال.
الغريب أن الحراك الشعبي الأمريكي الأسود رفع لافتات مندّدة للنظام الأمريكي كتب عليها عبارات تدلُّ على مؤامرات النظام الأمريكي في البلدان العربية مثل عبارة (لسنا عرباً لتقتلونا ونسكت)، ما يعني أن الشعب الأمريكي بمختلف فئاته يدرك جرائم نظامه في حق الشعوب العربية، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سبب سكوتها عن جرائم نظامهم.
وإذا كانت ثورات الربيع العربي قد أفرزت متغيرات عديدة، فإن التساؤل الملح والذي يفرض نفسه الآن هو: ما هي المتغيرات التي سيفرزها الحراك الأمريكي وهل سيستمر؟
هذا ما ستجيب عليه الأيّام القادمة..