أكثر من 1.3 مليار دولار.. إيراداتٌ نفطية نهبتها حكومةُ المرتزقة خلال 16 شهراً
منصات عالمية متخصصة تكشف أرقام الإنتاج النفطي في مأرب وحضرموت وشبوة (من يناير 2019 إلى إبريل 2020)
المسيرة | خاص
لا يزالُ مِلَفُّ إيرادات النفط والغاز في اليمن يتصدر قائمة فضائح حكومة المرتزِقة التي تسيطر بشكل كامل على تلك الإيرادات منذ بداية العدوان، وتقوم بنهبها بشكل واضح، حيث تتوفر العديدُ من التصريحات والبيانات الرسمية التي تؤكّـدُ أن تلك الإيراداتِ لا تذهب إلى حسابات البنك المركزي، بل إلى حسابات شخصية لقيادات المرتزِقة في الخارج، وهو الأمر الذي تفسّره العديد من التقارير والمعلومات التي كشفت أكثر من مرة عن تزايد نسبة أملاك واستثمارات تلك القيادات في عدد من الدول خلال فترة الحرب، وكلُّ ذلك يجري في الوقت الذي تستمر فيه حكومة المرتزِقة بقطع المرتبات عن الموظفين دافعة بالملايين من أبناء الشعب إلى هاوية المجاعة، مقابل أن تستمر بالنهب.
بحسب أرقام وإحصائيات، أصدرتها عددٌ من المنصات المتخصصة في تتبع عمليات الإنتاج النفطي وأسعار الخام حول العالم (بينها منصة trading economics للمؤشرات الاقتصادية ومعلومات الطاقة، ومؤشر mundi)، فقد قامت حكومة المرتزِقة، منذ بداية يناير 2019 وحتى إبريل 2020، ببيع (25 مليوناً و830 ألف برميل من نفط مأرب وحضرموت وشبوة، بقيمة مليار و327 مليوناً و466 ألفاً و790 دولاراً أمريكياً).
هذا المبلغ الذي حصلته حكومة المرتزِقة خلال سنة واحدة، يمكن حسابه بالعُملة المحلية وفقاً لمتوسط سعر صرف الدولار في اليمن (500 ريال) لتكون النتيجة (663 ملياراً و733 مليوناً و395 ألفَ ريال يمني)، أي أكثر من نصف تريليون ريال يمني.
لكن هذا المبلغ لم يكمل طريقه الافتراضي إلى البنك المركزي ثم إلى المواطنين، بل اختفى كما اختفت قبله إيرادات السنوات الماضية، في حسابات شخصية لقيادات المرتزِقة، أَو في “البنك الأهلي السعودي” بحسب ما أكّـدت العديد من المصادر خلال الفترات الماضية، بينها وزير المالية السابق بحكومة الإنقاذ، حسين مقبولي.
تعتمدُ حكومةُ المرتزِقة سياسة “التعتيم” على مسألة إيرادات النفط والغاز، ولا تريد أن تتحدّث عنها أبداً، ومنذ بداية الحرب حاولت تكريس انطباع عام لدى الناس بأن الحديث عن الإيرادات في ظل الحرب يعتبر أمراً غير لائق، لكن الأرقام كانت أكبر من أن يتم إخفاؤها هكذا ببساطة، خُصُوصاً وأن إيرادات النفط والغاز تغذي معظم الموازنة العامة للبلاد.
في أغسطُس 2018، نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً نقل فيه عن مصادر في وزارة النفط التابعة لحكومة المرتزِقة، قولها إن جزءاً كبيراً من مبالغ إيرادات النفط والغاز “لا تندرج ضمن الموازنة العامة” التي تضعها حكومة الفارّ هادي، وأضافت أنه “لا توجد منظومة مالية واضحة وهناك عبث كبير بأهم موارد اليمن السيادية”، وَ”أن إيرادات النفط تصرف خارج إطار المعايير القانونية ويتم توزيعها عبر توجيهات رسمية وغير رسمية كعهد ومرتبات وامتيازات وهبات دورية تذهب لصالح بعض الشخصيات”.
هذه التصريحات تنسجم أَيْـضاً مع اعترافات رسمية لحكومة المرتزِقة، تفيد بأن العديد من فروع البنك المركزي في المناطق التي تسيطر عليها تخضع لسيطرة مباشرة من قيادات المرتزِقة في تلك المناطق، ولا ترتبط بالبنك المركزي في عدن، ولا تورد إليه الأموال، وقد كان من أبرز هذه الاعترافات، ما جاء على لسان المرتزِق “حافظ معياد” أثناء توليه منصب محافظ البنك، حيث قال بصراحة: إن مركزي مارب، غير مرتبط ببنك عدن، أي أن كُـلّ الأموال التي تورد إليه مجهولة المصير، بما فيها إيرادات النفط والغاز، وتخضع بشكل كامل وحصري لسيطرة محافظ مأرب المرتزِق “سلطان العرادة” التابع لحزب الإصلاح.
ضمن التقرير المذكور سابقًا لموقع “العربي الجديد”، يقول أحد الخبراء الاقتصاديين للموقع: إنه “لا يوجد هناك شيء اسمه موازنة مالية للدولة في اليمن، هناك إجراءات مالية لا تستند إلى القانون ويتم تصريف كثير من الموارد في مجالات طارئة وغير محدّدة بالنظام المالي القانوني”، وهذا يوضح أن حرص حكومة المرتزِقة على عدم الحديث عن إيرادات البلاد، سببه الرغبة في إبقاء كُـلّ تفاصيل النهب والفساد والعبث مخفية، وتقييدها في نهاية المطاف على ذمة الحرب.
مع ذلك، يحدث أحياناً أن يتذمر مسؤولو حكومة المرتزِقة من “شحة الإيرادات” وصعوبة عملية إنتاج وتصدير النفط وبيعه، خُصُوصاً في سياق التبرير لجريمة قطع الرواتب، لكن الأرقام التي تؤكّـدها وسائل متابعة حركة تجارة النفط حول العالم، وتكشفها مصادر من داخل سلطة المرتزِقة نفسها تكذب هذه الادِّعاءات دائماً، فبحسب المنصات التي كشفت إيرادات العام الماضي، وصل حجم الإنتاج إلى (61 ألف برميل يومياً) خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، كما كان تقرير “العربي الجديد” قد نقل عن مصادر في حكومة المرتزِقة أن إيرادات النفط والغاز خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018 قد بلغت أكثر من مليار دولار.
وفي إبريل عام 2019، توقع البنك الدولي أن إيرادات النفط من حقل المسيلة في محافظة حضرموت فقط، في طريقها لتبلغ 900 مليون دولار سنوياً.
بالتالي، فإن أيَّ حديث لحكومة المرتزِقة عن “شحة الإيرادات” ليس إلا محاولة للتغطية على أكبر عملية نهب للإيرادات في تاريخ اليمن، ناهيك عن أن حكومة المرتزِقة ترفض حتى الآن أن تقدم أي تفاصيل لمبرّراتها؛ خوفاً من أن تواجه الأرقام المؤكّـدة التي تثبت أن حقول النفط والغاز في اليمن تحوّلت منذ أكثر من خمس سنوات من موارد سيادية للدولة، إلى ما يشبه ممتلكات شخصية لقيادات المرتزِقة.
وفي الوقت الذي يعيش فيه اليمن أخطر أزمة إنسانية، بحسب الأمم المتحدة، تظهر آثار هذا النهب غير المسبوق لإيرادات النفط والغاز، في استثمارات وأملاك قيادات حكومة المرتزِقة في العديد من دول الخارج، حيث كانت وكالة “الأناضول” التركية قد أفادت قبل أشهر بأن نسبة شراء اليمنيين للعقارات في تركيا، ارتفعت إلى خمسة أضعاف منذ بداية العدوان، علماً بأن تركيا هي الملاذ الرئيسي لقيادات حزب الإصلاح.
وكانت صحيفة المسيرة قد سلّطت سابقًا الضوء على ممتلكات واستثمارات العشرات من قيادات المرتزِقة في مصر، بناءً على معلومات كان قد كشفها المدعو “ياسر اليماني”.
يبدو المشهد شديد الوضوح عند الحديث عن ملف إيرادات النفط والغاز، بالرغم من كُـلّ محاولات حكومة المرتزِقة للتكتم والتعتيم على التفاصيل: هناك إيرادات ضخمة غائبة عن الموازنات وحسابات البنك المركزي، وهناك ثروات تتزايد بشكل مشبوه لدى قيادات السلطة المسيطرة على هذه الإيرادات، وبين هذا وذاك هناك شعب كامل يقاسي المجاعة وموظفون محرومون من مرتباتهم، معادلة بسيطة لا يمكن لأحد أن يخطئ تحديد مسار تدفق الأموال فيها، ولا يمكن لأي تضليل أن يغطيَ على هُوية اللصوص.