“نحن لسنا عرباً حتى تقتلونا!!”
أمة الملك الخاشب
أوقفتني كَثيراً تلك العبارة التي كانت مكتوبةً في يد أحد المتظاهرين الأمريكيين ذوي البشرة السوداء وباللغة الإنجليزية ونصها يقول (we are not Arabs to Kill us) نحن لسنا عرباً حتى تقتلونا.
ولو تأملنا فيها لوجدنا أنها تحملُ عدةَ دلالات كبيرة ومهمة، ومنها أن الشعبَ الأمريكي يعرفُ جيِّدًا أن حكومتَه تقتُلُ العربَ والمسلمين وتؤذيهم وتحاول فرض هيمنها عليهم واستعبادهم وسرقة ثرواتهم. لكنهم شعب لا حول له ولا قوة؛ لأَنَّ اللوبي الصهيوني هو من يسيطر على السياسة الأمريكية.
أيضاً دعوات ترامب الكاذبة والزائفة للحكومة العراقية عن الرفق بالمتظاهرين الذين كانوا ينفذون أجندات أمريكية في العراق بعد تهديد ترامب بأنه سيسيّر مظاهرات عارمة إن لم يتم لغاء اتّفاقية الصين مع العراق لإعادة إعمار العراق مقابل النفط وكذلك في سوريا ولبنان وليبيا.
تلك الدعوات والمسرحيات ومحاولةُ تقمص دور المصلح الاجتماعي والقُدوة في الرفق بالمتظاهرين وفي حُسن التعامل مع المعارضين، كُـلّ هذا سقط وذهب أدراج الرياح، لمُجَـرّد أن عبّر متظاهرون أمريكيون عن غضبهم واحتجاجهم لمقتل الأمريكي جورج فلويد بطريقة بشعة وقاسية.
وبدلاً عن أن تخرُجَ الحكومةُ لتعتذرَ وتهدئَ الجماهيرُ الغاضبة وتعدهم بأنهم ستحيل القتَلة للتحقيق، ما حصل هو العكسُ تماماً المزيدُ من سياسة القمع والترهيب والوعد والوعيد والتهديد، وَأَيْـضاً الاعتقالات التعسفية وإطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين وتهديهم بالكلاب المتوحشة.
سياسةُ ترامب الجريئة ووقاحته كشفت القُبحَ الكبيرَ والعنصريةَ البغيضة في السياسة الأمريكية، فمن كان يصدِّقُ أن البلدَ الذي يقدّم نفسه بأنه بلد الحرية والديمقراطية يتعامل بهذه القسوة والإجرام مع مواطنيه؟!
عُنصريةُ ترامب تظهر حتى مع عضوتين في الكونجرس الأمريكي من ذوات البشرة السوداء، حيث شن عليهن سلسلةَ تغريدات وهاجمهن وطلب منهن العودةَ لبلدانهن الأصلية، إحداهن من أصول صومالية تدعى إلهان عمر.
وهذا لا يعني أني أرّوج لفكرة أن العُنصرية لم تأتِ سوى مع هذا المعتوه ترامب، وأن تلك المظاهر لم تكن موجودةً في عهد الرئيس ذي البشرة السوداء، باراك أوباما.
لكن الحقيقة أن الرؤساءَ الأمريكيين لا يملكون أيَّ قرار في رسم السياسة الحقيقية والتوجّـه للسلطة الأمريكية الخفية المتوحشة المتجردة من كُـلّ المبادئ والقيم فهم مُجَـرّد واجهات تظهر بها أمريكا أمام العالم وقرار الحل والعقد لم يكن يوماً بيد الرئيس وحدَه، والتاريخ شاهد.
ومع تزامن هذه الاحتجاجات في عدة مدن أمريكية لاحظنا اختفاءَ اللعبة السياسية المسماة كورونا التي خدعت بها أمريكا العالم وروّجت لها وكانت تسجل أكبر عدد للضحايا من مواطنيها وكل يوم يزيد رصيدُها وتسجل كُـلّ حالات الوفاة العادية في أمريكا بالكورونا ومسرحية مقاطعة ترامب لمنظمة الصحة العالمية التي تديرها الصهيونية العالمية وهي تنفذ السياسات الأمريكية الصهيونية وتخدم توجّـهاتها ومصالحها كُـلّ تلك المسرحيات توقفت بمُجَـرّد اندلاع الاحتجاجات.
ولاحظوا حتى الكمامات لم يرتدِها المحتجون لتكشف قبحَ السياسة الأمريكية التي جعلتها تقتُلُ مئات الآلاف من الأبناء البشر بإيهامهم بانتشار الوباء وبخطورته حتى فعلاً أُصيبوا بالهلع وكان الخوف سبباً في وفياتهم.
أعودُ قبل أن أختم لأؤكّـد أن السياسة الأمريكية التي تحملُ العداء لكل الشعوب الرافضة للهيمنة الأمريكية هي سياسة مبنيٌّ عليها نظامُ الحكم هناك ولا تتغير بتغير الرؤساء أَو بتغير الحزب الحاكم سواء حكم أمريكا الجمهوريون أَو الديمقراطيون؛ ولهذا رفع الإمام الخميني منذ نهاية السبعينيات شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل، ومقولة بأن أمريكا هي الشيطان الأكبر وعدوة الشعوب ومثيرة الحروب التي أصبحت اليوم تدرس في جامعات العالم المعادية للسياسة الأمريكية.
نحن في اليمن وفي دول محور المقاومة لم نتفاجأ أبداً بحقيقة أمريكا، فهذه هي أمريكا التي ضحت حتى بمواطنيها في أحداث 11 سبتمبر؛ لتقمص دور الضحية وتحقيق مصالحها، وما نستعرب عليه هو ضعف التعاطي الإعلامي حول ما يحدث في أمريكا رغم انتشار صور وفيديوهات كثيرة تكشف حقيقة الوضع هناك.
وكشفت هذه الاحتجاجات أن 99 % من القنوات العربية هي عبرية وتخدم السياسة الأمريكية، ولا تريد نقل ما يحصل هناك؛ حرصاً على مشاعر الإدارة الأمريكية وحرصاً على رضاها.
بينما لو كان ما حدث هناك حدث في إيران أَو في صنعاء أَو سوريا أَو لبنان لوجدنا تغطيةً فوق التغطية وتصويراً مباشراً ومبالغة في الطرح وتهويلاً وفبركة وادِّعاءً أنهم مع الحريات وضد الانتهاكات للحرية.
ولكن لم يعد يصدقهم سوى غبي أَو جاهل أَو عميل، فقد وصلنا لزمن كشف الحقائق دون لَبس ودون تعتيم، وما علينا إلا أن نراقبَ بوعي كيف نستطيع تفسير كُـلّ الظواهر وقراءتها قراءةً صحيحةً دون أن تنطليَ علينا أيُّ خدع صهيونية.