هذه هي حقيقةُ (إبرة الرحمة)

 

عبدالمنان السُّنبلي

لنفرِضْ جَــدَلاً أن الحوثيين قد بلغوا من الإجرام ما لم يبلغه أحدٌ من قبلهم ولا من بعدهم من العالمين بحسب البعض، الأمر الذي جعلهم بكل بساطة يقرّرون ويصدرون أوامرَ مسبقةً بالتخلص من أية حالةٍ تتأكّد إصابتها بكورونا، وذلك عن طريق حقن الشخص المصاب بمادة قاتلة أَو ما بات يتردّد على ألسنة الناس (بإبرة الرحمة).

لنفرض أن ذلك كله صحيحاً وأن ما يروجه أصحابُ هذه الفرضية هو عينُ الصواب، لكن السؤال الذي يبرز هنا هو: كيف ومتى وما هي الظروف التي يستطيع الحوثيون من خلالها القيام بهكذا حماقةٍ وهكذا جريمةٍ؟!

بمعنى أن الحوثيين ومهما امتلكوا من الجرأة والإجرام على حَدّ تعبير أصحاب هذه الفرضية، لا يمكن لهم القيام بهذه الجريمة إلا في ظل ظروفٍ وأجواء غامضةٍ وخَاصَّة وبعيدة تماماً عن مرأى ومسمع الناس تجعلهم في حَلّ من أي تبعاتٍ قانونيةٍ أَو أخلاقية مستقبلية إزاء هذا الأمر؟!

وهذه الأجواء والظروف يمكن أن تتلخص بطبيعة الحال في الآتي:

– أن يكون الشخص المصاب مثلاً قد أُسعف إلى جهةٍ أمنيةٍ أَو مخابراتيةٍ سريةٍ غير تابعةٍ لأجهزة الدولة الأمنية المعروفة وليس إلى مستشفى حكوميٍّ عام أَو خاص معروف!

– أن يكون جميع الكادر الصحي المستقبل والمعالج من أطباء وصيادلة وممرضين وعاملين و… من المؤدلجين عقائدياً وفكرياً ومن المتشدّدين المحسوبين على الحوثيين بصورة يستحيل معها أن تتسرب عن طريقهم أية معلومةٍ مهما صغرت حول هذا الأمر.

– أن لا يقوم الحوثيون بتسجيل أية حالة شفاءٍ واحدةٍ لأي شخصٍ على الإطلاق مخافة طبعاً أن يخرج هذا الشخص على الناس ويحدث بما رأى.

هكذا وفي مثل هذه الأجواء والظروف طبعاً يمكن للحوثيين القيام بمثل هكذا حماقة وهكذا جريمة.

فيا أيها الناس كافة هل هذا هو فعلاً ما يحصل وما تشاهدونه بأم أعينكم أم أن الأمر غير ذلك تماماً؟!

أليس الشخص المصاب يتم إسعافه ونقله على سيارة الإسعاف إلى مستشفى الكويت أَو مستشفى زائد؟!

أم أنه يحمل على ظهر مدرعةٍ مصفحة ويؤخذ إلى جهةٍ أمنيةٍ مجهولة؟!

أليس معظم الكادر الطبي المستقبل والمعالج إن لم يكونوا جلهم هم من غير المنتمين حركياً أَو تنظيمياً إلى الحوثيين والمحسوبين عليهم؟!

أليس كثيرٌ منهم من المستقلين أَو المنتمين إلى تياراتٍ أُخرى، بل إن هنالك منهم من لا يطيق حتى سماع ذكر الحوثي وهذا أمر يعرفه الجميع، الحوثيون قبل غيرهم؟!

يعني لا أبالغ إن قلت بأن الكادر الطبي المحسوب على الحوثي في عموم الجمهورية كلها بالكاد يعدّون بالعشرات أَو المئات على أحسن تقديرٍ فقط، ويشغل معظمهم مناصب إدارية لا علاقة لها باستقبال ومعالجة وإيواء الحالات.

على أية حال، ألم يؤدِّ الأطباء جميعاً من مستقلين وحوثيين ومحسوبين على تياراتٍ أُخرى قَسَمَ التخرج، فهل يعقل أن يحنثوا جميعاً بهذا القسم الذي أقسموه على أنفسهم؟!

أليسوا كلهم مسلمين يعلمون جيِّدًا أن من قتل نفساً بغير نفس سواءً بإبرة الرحمة هذه أَو بأية أداةٍ أُخرى فكأنما قتل الناس جميعاً وغضب الله عليه ولعنه؟! فكيف يخاطر الأطباء المعنيون بآخرتهم ويسمحون لأنفسهم بارتكاب هذه الجريمة وبكل هذه السهولة؟!

ما لكم كيف تحكمون؟!

قاتل الله السياسة والجهل، ماذا صنعا بنا.

يعني بدلاً من أن يوحد الناس جهودهم جميعاً ويتفاعلوا بصدق وإخلاص لمواجهة هذه الكارثة وهذه الجائحة التي لا تنتقي أحداً بنفسه ولا تستهدف شخصاً بعينة وجدناها فرصةً لأن نجعل منها مادةً دسمةً للمناكفات وتصفية الحسابات السياسية وإفراغ الأحقاد وبث الكراهية والبغضاء بين الناس ناسين أَو متناسيين أنه في كُلّ دقيقة نقضيها في بث مثل هذه الشائعات واختلاق هكذا أكاذيب، قد يموت شخصٌ واحد في منزله أَو اثنان أَو ثلاثة ضحيةً لما تخلفه هذه الإشاعات والأكاذيب في نفسه وأهله من فكرةٍ خاطئةٍ وسيئةٍ تحول دونه ودون الذهاب به وإسعافه إلى المستشفى المخصص لاستقبال مثل حالته.

صحيح هنالك قصور في بعض الأشياء والجوانب، فإمْكَانياتنا في المجال الصحي وكما يعلمه القاصي والداني متواضعة وقدراتنا محدودة جِدًّا لكن هذا لا يعني أن أحداً قد أصبح في حَلّ من تحمل مسئوليته أَو الاضطلاع بدوره المناط به في مواجهة هذا الوباء وهذه الجائحة الفتاكة والقاتلة.

عُمُومًا، على كُلّ واحدٍ منا اليوم كائناً من كان أن يتقيَ الله في نفسه وفي كُلّ ما يقول، فلا يقول إلا حقًّا وبما رأته عيناه أَو سمعت به إذناه؛ كي لا يكون بترويج مثل هكذا إشاعات وهكذا أكاذيب -وبدون أن يعلم- سبباً مباشراً في وفاة أحد كان في متناوله فرصةٌ ولو ضئيلةً للبقاء على قيد الحياة.

فلا (إبرة رحمة) ولا هم يحزنون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com