مؤتمر الرياض.. تسوُّلٌ أممي أم تشجيع للتوحش السعودي؟

 

علي الدرواني

بعد أن حصدت بغاراتها عشرات الآلاف بين شهيد وجريح، جلُّهم من النساء والأطفال، وبعد أن دمّ-رت البنية التحتية من الطرق والجسور والمدارس والمنازل والمصانع وأحرقت الحجر والشجر، وبعد أن وُضعت أكثر من مرة في قائمة الأمم المتحدة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال.

تحاول السعودية عبثًا تحسين صورتها وتغطية سوأتها بتنظيم مؤتمر دولي قالت إنه مِن أجلِ زيادة الوعي بالأزمة الإنسانية التي تسبّبت هي بها في اليمن وجعلتها أكبر مأساة إنسانية على وجه الأرض في العصر الحاضر، وتعلن مع ذلك عن تعهدات مالية لسد الاحتياجات الأَسَاسية ساهمت هي بمفاقمتها وزيادة معاناة الشعب اليمني للحصول عليها.

المملكة التي حشدت تحالفاً دوليًّا واشترت أنواعاً من الأسلحة الذكية والغير ذكية من مصانع السلاح الغربية، ورفدت خزائن حكوماتها بمليارات الدولارات، عادت لدعوة هذه الدول إلى المبادرة ودعم الجهود الرامية لنجاح هذا المؤتمر ووصفته بالإنساني الكبير والوقوف مع اليمن وشعبه الذي منعت عنه المرتبات لأكثر من أربعة أعوام.

الطلب السعودي لتنظيم مثل هذا المؤتمر يحمل اعترافاً بما وصل إليه الحال في اليمن بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان والحصار، لكنه في المقابل لا يقوى بحال من الأحوال على تغطية حقيقة أن صانع هذه المأساة هو السعودية والإمارات ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ومن لف لفها.

المعلومات تتحدّث عن إصرار سعودي على الأمم المتحدة لتنظيم هذه المؤتمر في الرياض عبر ضغوط مارستها على المنظمة الدولية ووعود بإغداق المزيد من الأموال لها لتنفيذ مشاريعها الإنسانية في اليمن، وهي المشاريع التي تستنزف كُ-لَّ أموال المنح الإنسانية المخصصة للشعب اليمني وتصرفها المنظمات المعنية في نفقات تشغيلية بما يقارب 80 % من قيمة المنح المقدمة، في حين يكتنف النسبة المتبقية 20 % فساد كبير.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: تحولت مخازن الغذاء العالمي إلى مقلب للنفايات والأغذية الفاسدة، في صنعاء والحديدة وحجّ-ة، في حين عملت المنظمات المعنية بالصحة على صرف مبالغ هائلة من المبالغ المخصصة لليمن لشراء حاويات من لقاحات غير مطلوبة في اليمن، بل تتكدّس بها مخازن وزارة الحصة بما لا طائل منه، وقد كشف المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية كَثيراً من جوانب الفساد الأممي، وإهدار الأموال المخصصة للمساعدات الطبية والإنسانية بشكل فاضح.

وقد تبادلت السعودية والمنظمات الدولية الاتّهامات، وتحدث مسؤولون سعوديون عن فساد المنظمات الدولية وإهدارها للأموال، وهدّد بفضحها، بالمقابل صدرت عدة تقارير أممية تحمّل السعودية مسؤولية الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم والجرائم المرتكبة بحق المدنيين، والنساء والأطفال، وأعلن أمين عام المنظمة بان كي مون وضع السعودية في اللائحة السوداء ثم حذفها بعد تهديدها بقطع المساعدات المالية علناً وأمام العالم.

المنظمة الأممية واقعة بالتأكيد تحت الضغط السعودي لكن هذا لا يعفيها من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن القيام بدورها في فضح المتسبب بما يجري في اليمن، ولا يجعلها مضطرة لتقوم بدور التغطية على سوأة الرياض، وخُصُوصاً أننا أمام أكبر مأساة، كما تصفها الأمم المتحدة، والجرائم المرتكبة في اليمن سواءً بالقتل المباشر بأسوأ أنواع القتل والتوحش، كلها جرائم موثقة من قبل منظمات دولية وأممية بشكل لا يقبل الإنكار، وهو ما يضع المنظمة الدولية موضع الشبهة مجدّدًا ومكرّراً في وقوفها مع الجلاد في وجه الضحية ضداً على مقرّراتها ومواثيقها، ويفقد المنظمة فائدتها وجدوى بقائها، ويهدّد مستقبلها كمنظمة موثوقة.

ومع الأرقام الكبيرة لضحايا غارات العدوان المباشرة، فإن ضحايا الحصار أكثر بكثير حسب الإحصاءات، فإن مئات الآلاف قضوا لعدم تمكّنهم من الحصول على العلاج؛ نتيجة إغلاق مطار صنعاء فقد كان الأحرى بالأمم المتحدة أن تعمل مع المجتمع الدولي على إنهاء العدوان ورفع الحصار ومعالجة الأسباب الحقيقة بدلاً عن وضع الكمادات على الجروح اليمنية الغائرة.

ليس غريباً على السعودية أن تبحثَ عن تجميل وجهها القبيح والبشع والتغطية على وحشيتها المفرطة أَو بتضليل الرأي العام والظهور بوجه الحمل الوديع، لكن كيف تضطر حكومات ودول على المشاركة في مجاراة المجرمين في إجرامهم وتشجيعهم على طغيانهم وتوحشهم في محافلَ هزلية، كان الأحرى بهم أن يعملوا على إيقاف العدوان ورفع الحصار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com