أزمات تحاصر أمريكا بين تنبؤ السيد نصر الله وتأكيد تشومسكي
عبد العزيز أبو طالب
في بداية تولي ترامب منصبه عام 2017، تفاءل السيد حسن بوصوله واصفاً إياه بالأحمق الذي كشف وجه أمريكا البشع والحقيقي، واعتبر ذلك بداية الفرج، وفي نهاية فترة ولايته الأولى 2020 يؤكد الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي، أن بلاده تذهب نحو الهاوية والكارثة وأن من يقودها رجل مختل اجتماعياً ومصاب بجنون العظمة.
أزمات تحاصر أمريكا:
لا يمثل فيروس كورونا التاجي أخطر أزمات الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنه أصاب اقتصادها في مقتل، ورفع عدد العاطلين عن العمل إلى مستويات قياسية، وهددها بكساد ربما يفوق كساد ثلاثينيات القرن الماضي، إلّا أن قائمة من الأزمات تحاصر أمريكا المتوجسة من مستقبلها ما بعد كورونا، والذي يشي بتغيير في النظام الدولي القائم الذي تتربع على عرشه بدون منافس ربما إلى اليوم وليس الغد.
ولعل أهم تلك الأزمات:
1- الصين التنين الصاعد:
تمثل الصين أكبر تهديد حالي للولايات المتحدة في جوانب عدة، أهمها التهديد الاقتصادي والنمو الهائل والمتصاعد بنسب قياسية، يليه التهديد العسكري بجيش هائل العدد والمتميز في التدريب والحديث في معداته وأسلحته البرية والجوية والبحرية مقارنة بالجيش الأمريكي العتيق وغير المحدث خاصّةً الأسطول البحري، والتهديد الثالث هو التطور التكنولوجي الذي يقض مضجع ترامب، خاصّة شبكة الجيل الخامس وشركة هواوي، التهديد الرابع -ويعتبر نتيجة لما سبق- هو منافستها لأمريكا في قيادة النظام الدولي القائم، وفي تقرير حديث نشرته مجلة عسكرية أمريكية أن الصين يمكنها اللحاق بالولايات المتحدة أو حتى التغلب عليها من حيث الإمكانات البحرية إذا لم تتغير الاتجاهات الحالية في هذا المجال.
أثناء جائحة كورونا استغلت الصينُ نفوذَها الاقتصادي الناعم، وتحولت إلى دبلوماسية الكمامات والمساعدات التي تطلبها العالم بشدة بعد صدمة التفشي في أوروبا وأمريكا، فبينما ظهرت أوروبا وأمريكا بالوجه الرأسمالي ذي النزعة الفردية وانكفأ كلٌّ على نفسه، بل تخلّى الاتّحاد الأوروبي عن إيطاليا المنكوبة، وعلى الجانب الغربي من الأطلسي أغلقت واشنطن أبوابها على نفسها ومنعت الرحلات حتى عن حليفها الأكبر بريطانيا، هنا ظهرت الصين كقائد دولي إنساني يرسل المساعدات للدول.
2- الأزمة الاقتصادية:
والمتمثلة في العجز الكبير في الميزانية وارتفاع معدلات البطالة (أكثر من ثلاثين مليون عاطل خلال أزمة كورونا)، وانخفاض أسعار النفط التي ضربت عليها صناعة النفط الصخري، ولو أنها مارست الضغط على السعودية وروسيا لوقف حرب الأسعار بينهما ما جعل أسعار النفط تستقر في مستوى وإن كان غير مقبول، إضافةً إلى تهديد الدولار كعملة عالمية، حيث بدأت الصين وروسيا وتركيا والهند وإيران بالتبادل التجاري فيما بينها بالعملة المحلية، وبعد إضافة اليوان إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة، ما يمكنها من التعامل مع الدول الأخرى تجارياً بالعملات المحلية منها السعودية التي فرضت عليها الصين الشراء باليوان الصيني بدون عملة وسيطة كالدولار، فيما ظهر تهديد جديد للدولار وهو العملة الإلكترونية التي تنوي الصين إطلاقها وتعد تهديداً فعلياً للدولار، ولها آثار جيوسياسية هائلة على الصين والعالم بأسره، والأهم من ذلك قدرتها على تجنب أي عقوبات تفرضها الولايات المتحدة.
3- أزمة الانكفاء والعزلة التي تفرضها إدارة ترامب:
بحجة إعادة أمريكا أعظم كما كانت، وفي سبيل ذلك انسحبت واشنطن من كثير من المعاهدات والمنظمات الدولية، وهو ما يفقده القدرة على التأثير كما فعلت مؤخراً بانسحابها من منظمة الصحة العالمية وقبلها اليونسكو واتفاقية المناخ والاتفاقيات الثنائية مع روسيا وغيرها من الدول، كما تشددت في مسألة مساهمات الدول الأعضاء في الناتو، هذه العزلة التي تفرضها واشنطن على نفسها يجعلها تتحوّل من دولة قائدة للنظام الدولي إلى دولة فاعلة في هذا النظام.
4- الأزمة السياسية والاجتماعية:
والتي عزّزتها سياسات ترامب وأظهرتها إلى السطح وبشكل متسارع، فلم تشهد إدارة أمريكية انقساماً وانفصالاً عن مؤسسات الدولة كما هي إدارة ترامب، فهي على خلاف عميق وفج مع الكونجرس والحزب الديمقراطي، إضافة إلى الخلاف مع الإعلام والمؤسسات الإعلامية الأمريكية، ترامب لم يكتف بمهاجمة خصومه والإعلام، بل هاجم المهاجرين والنساء والسود والدول الإفريقية التي وصفها بالحثالة، والدول الإسلامية والمسلمين، كل ذلك يهدد النسيج الاجتماعي والتماسك بين الولايات التي بدأت في ولاية كاليفورنيا التي تنوي الخروج من الاتحاد الأمريكي، وانتشر مصطلح “كاليكست” على غرار “بريكيست” البريطاني.
5- أزمة تفشي كورونا:
والتي أجبرت الاقتصاد على الإغلاق، وهو ما يتسبب بكارثة فيما يمثله من عائد اقتصادي، وتعرضت الكثير من القاطعات والشركات للإفلاس والخسارات الكبيرة كالسياحة والنقل وصناعة الطيران وغيرها، كما أثّرت الأزمة بعشرات الملايين إلى صف البطالة وفقدان الوظائف وهي التي كان يراهن عليها ترامب في حملته الانتخابية القادمة، ما دفع ترامب إلى طلب من حكام الولايات الاستعداد لفتح الاقتصاد وحرّض مناصريه المتطرفين للخروج للتظاهر وطلب إعادة الفتح.
6- العنصرية وتفكك النسيج الاجتماعي:
التظاهرات الناجمة عن مقتل رجل أسود على يد شرطي أبيض، في حادث متكرر من انتهاك للسود والمسلمين والمهاجرين والملونين, كشفت هذه الاحتجاجاتُ عن الوحشية والقمع وانعدام الحرية وتسلط الحكومة على المواطن الأمريكي والمهاجر، وكانت إدارة ترامب أوضحَ مثال كشف عن تلك الحقيقة، وتصرفاته تؤدي إلى الانقسام في الأمة الأمريكية بشهادة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، أن أمريكا تعيش نهاية فترة ترامب، وتسببه في ظهور جماعات متطرفة يمينية وأخرى يسارية معارضة، وبعض الجماعات المسلحة المتطرفة، وهو ما يهدّد بالانقسام وربما الحرب الأهلية التي تنتظر استكمال أركانها ومسبباتها.
وسيتمُّ التفصيلُ في موضوع الاحتجاجات في حلقة قادمة.