أهميّة تعزيز الرقابة المجتمعية في محاربة الفساد (2-2)
د. أحمد عبد الله الشيخ أبوبكر*
سأحاولُ هنا بيان أهميّة الرقابة المجتمعية على مؤسّسات الدولة والخدمات في مكافحة الفساد عبر آليات منظمة وواضحة ودورها في التصدي لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي تهدّد وتجهض كُـلّ الجهود ومحاولات الإصلاح المختلفة السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي والتنموي على كُـلّ الأصعدة، وهذا هو الهدف الاستراتيجي الرابع الذي حدّدته الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة للأجهزة الرقابية.
هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة وُجدت منذ أن وُجد الإنسان على ظهر الأرض وعرفتها كافة المجتمعات البشرية المتقدمة منها والمتأخرة الغنية منها والفقيرة.
وتكتسب هذه المشاركة المجتمعية في الرقابة على أجهزة الدولة أهميتها من كون مكافحة الفساد هي قضية مجتمع، ومن هنا جاءت أهميّة تبني نهج العمل الذي يعبّر عن منظور الأفراد والمجتمع ورؤيتهم في مكافحته بوصفهم شركاء أَسَاسيين مستفيدين من عملية مكافحة الفساد، مما يعطيهم الحق في الحصول على المعلومات والتثقيف والتدريب والدعم اللازم كشركاء فاعلين ومكملين للحكومات وليسوا بديلاً عنها في ظل علاقة متبادلة ومتكافئة، فأيُّ جهد لمكافحة الفساد وتجفيف منابعه لا يمكن أن يكتب له النجاح إلَّا من خلال إشراك ناشطين فاعلين في المجتمع من رجال الإعلام والأكاديميين والرموز الاجتماعية المؤثرة وقادة الرأي من مختلف الشرائح.
هذا التكامل بين مختلف الأطراف هو الخطوة الأولى للوقاية من الفساد وملاحقة مرتكبيه؛ لأَنَّنا عندما نتكلم عن مكافحة الفساد لا ينبغي أن نتكلم عنها بمعزل عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها؛ ولذا فإن أية استراتيجية لمكافحة الفساد لكي يكتب لها النجاح لا بُد أن تأخذ هذا بعين الاعتبار.
كيف ينشأ الفساد في المجتمع؟
ينشأ الفساد وتزداد فرص ممارسته في المجتمعات غالبًا في ظل غياب مبدأ التداول السلمي للسلطة والأزمات السياسية والمراحل الانتقالية التي تشهد تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة في المجتمع، واستغلال ضعف الأجهزة الرقابية في هذه الفترات، حيث يصبح للفساد هياكلُ ومؤسّسات خفية في ظل بيئة تتوفر فيها عوامل مساعدة، لعل أهمها:
1- عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي نتيجة لغياب مبدأ التداول السلمي للسلطة وغياب الممارسة الديمقراطية السليمة في الحكم.
2- عدم قيام الأجهزة الرقابية في هذه الفترات بدور فاعل في مكافحة الفساد وضعفها وعدم استقلاليتها.
3- غياب آليات واضحة للفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وطغيان السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وضعف وغياب استقلالية ونزاهة الجهاز القضائي.
4- احتكار السلطة للمعلومات، وبالتالي غياب الشفافية وخَاصَّة فيما يخص السياسات المالية المتبعة.
5- غياب حرية الإعلام وعدم السماح له بالوصول إلى المعلومات والسجلات العامة، وبالتالي الحيلولة دون ممارسة دور الإعلام الرقابي على مؤسّسات الدولة.
6- ضعف دور مؤسّسات المجتمع المدني في الرقابة على الأداء الحكومي.
7- اتساع الهوة بين كتلة الأجور والقدرة الشرائية للعملة الوطنية وجمود سياسات الأجور وعدم مواكبتها للتغييرات الجذرية في المجتمع.
8- عدم تفعيل العمل بمدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والخاص، مما يفتح المجال لممارسة الفساد وعدم تنمية وإغفال الوازع الديني والإيماني الذي يمثّل أكبر تحصين ومانع للإنسان من ممارسة الفساد من كُـلِّ القوانين؛ لأَنَّه يعتمد على مراقبة الله لكل أعماله.
9- انتشار الفقر والجهل وتقديم القيم والروابط التقليدية على القوانين وشيوع ثقافات مغلوطة في المجتمع تمجد الفاسدين وتقلل من شأن المتمسكين بقيم النزاهة لتحقيق مكاسب خَاصَّة بدون وجه حق.
10- عوامل خارجية ووجود علاقات ومصالح لمتنفذين في السلطة مع أطراف خارجيين، تؤدي إلى استخدام وسائل غير قانونية للحصول على احتكارات وامتيازات مخالفة للقانون داخل الدولة.
أهميّة التوعية والعمل المجتمعي الرقابي في مكافحة الفساد
التوعية والعمل المجتمعي من أهمِّ وسائل المنع والوقاية من الفساد، وهذا ما أكّـدت عليه الكثير من نصوص قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006 ولائحته التنفيذية، وما أكّـدت عليه الكثير من المواثيق والاتّفاقيات الدولية والإقليمية التي صادقت عليها بلادنا، ثم جاءت الرؤية الوطنية مؤخّراً لتؤكّـد على هذا، وذلك بهدف:
1- إيجاد بيئة مجتمعية تناصر قيم النزاهة والشفافية وتحض على المساءلة والمحاسبة، وتناهض أي ثقافة متسامحة مع الفساد وإبقاء قضايا مكافحة الفساد على رأس قائمة أولويات واهتمامات منظمات المجتمع المدني.
2- بناء جسور للشراكة الفاعلة بين المنظومة الوطنية للنزاهة والأطر المجتمعية المختلفة وتوسيع قاعدة المجتمع المدني المناهض للفساد وتفعيلها.
3- تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة في التوعية والتثقيف وتعزيز دورها الرقابي في جهود مكافحة الفساد.
4- تطوير واعتماد أنماط غير تقليدية من الشراكة بين المجتمع المدني والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والداعمين في مجال الوقاية والمنع من الفساد.
إن الغاية النهائية للرؤية الوطنية لبناء الدولة هو إقامة دولة يمنية حديثة ديمقراطية مستقرة وموحدة ذات مؤسّسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام والتعاون المتكافئ مع دول العالم.
هذه الرؤية الوطنية للدولة تقوم على ثلاث مرتكزات أَسَاسية:
1- دولة يمنية موحدة ومستقلة وقوية وديمقراطية وعادلة.
2- مجتمع متماسك وواع ينعم بحياة حرة وكريمة.
3- تنمية بشرية متوازنة ومستدامة تهتم بالمعرفة.
وهذه الركائز بدورها ترتكز على اثني عشر محوراً سيجري العمل عليها وفق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية البالغ عددها (175) هدفاً، ولكل هدف استراتيجي منها عدد من المبادرات التي بلغ عددها الكلي (497) مبادرة، إضافة إلى عدد من المؤشرات التي بلغت (408) مؤشرات، كُـلّ ذلك لضمان عكس الرؤية على أرض الواقع وضمان عدم الخروج عن مرتكزاتها وأهدافها الاستراتيجية لبناء الدولة الحديثة.
ومن هنا تأتي أهميّة المشاركة المجتمعية في الوقاية من الفساد ومكافحته إذَا أردنا لهذه الرؤية أن تنجح لإنقاذ الوطن من براثن الفساد والمفسدين وبناء الدولة اليمنية الحديثة والحكم الرشيد، وضمان عدم الخروج عن الأهداف الاستراتيجية التي حدّدتها الرؤية ومبادرات ومؤشرات هذه الأهداف.
هذا وبالله الهداية والتوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..
*عضو لجنة التوعية والتثقيف والمشاركة المجتمعية
عضو لجنة تطوير التشريعات
رئيس فريق تطوير قوانين مكافحة الفساد