اللي ما يشوف من الغربال
علي أحمد الوصابي
المتظاهرون في أمريكا ليسوا من تسبّب بما حدث في مينيابوليس، بل هو النظامُ الأمريكي الذي قام ويقومُ على مَأسَسَة العنصرية على مستوى الداخل الأمريكي وفي السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
تلك العنصرية المؤسّسية التي يستعملها في الحاضر دونالد ترامب، كما استعملها في الماضي كُـلُّ من كانوا قبله كأداة تعبوية لمواجهة المناهضين للأطماع الاستعمارية الأمريكية وسياساتها العدوانية، بوسائط عديدة منها اختلاق مختلف أنواع وصنوف الذرائع والمبرّرات الزائفة للتدخل في شئون الدول وإسقاط الأنظمة الرافضة للخنوع للمشيئة الأمريكية وسياساتها القميئة، بكل ما فيها من ابتزاز ونظرة استعلائية متجاوزة لحرية الأمم والشعوب في تقرير مصائرها وحقوقها الطبيعية في الحفاظ على هُوياتها وفي اختيار حكامها وما يتناسب مع تاريخها وثقافتها من نظم للحكم والإدارة لشئونها الداخلية، ولإقامة علاقات خارجية متوازنة مبنية على الأواصر المشتركة والمصالح المتكافئة مع غيرها من الأمم والشعوب.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الحصار والعقوبات المختلفة، وكذا التهديد باستخدام القوة العسكرية لتجريد الدول وحرمان الشعوب من حق امتلاك وسائل وأدوات الإنتاج والتطور والاكتفاء الذاتي، وتحرص أشدَّ الحرص خُصُوصاً وبالذات على عدم امتلاكها لوسائل الدفاع عن نفسها وأراضيها ومقدراتها.
والشواهد الدالة على كُـلّ ما سبق في الماضي والحاضر كثيرة جِـدًّا، (واللي ما يشوف من الغربال أعمى بعيون أمريكية)، حسب ما تقوله إحدى الأهازيج الفلسطينية.
فهذه الدولة التي تزعم كذباً أنها رائدة المساواة والمدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان في العالم، قائمة بنيوياً منذُ النشأة على: (التمييز بين العرق الرأسمالي الأبيض، وباقي الأعراق الأُخرى وعلى تغول سلطة المال ورجال الأعمال)، بمنأى عن كُـلّ العوامل وَالاعتبارات الإنسانية، سواء أكان ذلك في الوسط الأمريكي أو في التعامل والتعاطي مع الأمم والشعوب الأُخرى.
قد يجادل البعض بعدالة وديمقراطية النظام الأمريكي، مستدلاً بصعود باراك أوباما إلى سدة الحكم، وتسنم عدد محدود من ذوي البشرة السمراء لبعض المناصب مثل كولن باول وكونداليزا رايس.
غير أن ذلك من وجهة نظري على الأقل ليس إلا نوعاً من التنفيس لوطأة وشدة الممارسات العنصرية في أمريكا بعد مرور خمسين عاماً على إلغاء قانون التمييز العنصري الأمريكي، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى؛ بهَدفِ إبهار العالم والمزايدة عليه بنصاعة الديموقراطية والعدالة الأمريكية التي سرعان ما بهتت بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لتظهر بوضوح رسميةُ الممارسات العنصرية في الإدارة الأمريكية بمطالبة ترامب لأوباما بالعودة إلى كينيا مسقط رأس والده، والتشكيك في شهادة ميلاده إلى جانب شن ترامب حملة عدائية ضارية ضد المهاجرين ومنهم على وجه الخصوص المسلمون، ليصل الحال بترمب وإدارته إلى تخوين المواطنين الثائرين ضد الأفعال والتصرفات العنصرية واتّهامهم بالفاشيين والإرهابيين والتحريض على قتلهم، ليكونَ ترامب بذلك قد أفصح عن فاشيته وإرهابيته ليس في مواجهة أُولئك الثائرين فحسب بل أَيْـضاً في تهديده سابقًا بالتوجيه بإطلاق النار على المهاجرين الذين تجمّعوا على الحدود الأمريكية المكسيكية، وكذلك في مواجهته الطرف المنافس لحزبه (الحزب الديمقراطي) عندما دعا أنصاره ولأسباب مالية صرفة إلى النزول والعصيان المسلح لكسر الحجر الصحي المفروض في الولايات التي يرأسها أشخاص من ذلك الطرف على خلفية جائحة كورونا.