الشعارُ مشروعُ أُمَّـة.. وموقفٌ واعٍ

 

المسيرة | محمد أحمد الشميري

إنَّ أيَّ توجُّـهٍ أَو حركة أَو تكتل يتشكل تكوينه وتكتله وفق أبجدياته ومن وحي أهدافه التي عليها ينطوي وحولها يتمحور، أما الشكلُ الخارجي فيكون عاكساً للهُـوية والمعتقد المتمثل في المعالم والدلائل والرموز والشعارات.

والشعارُ له مضمونٌ واسعٌ وهادفية كبيرة في حياة الأمم والشعوب لما يتمثل فيه من قيم يتبناها أصحابه ورافعوه، يُجَسِّدون فيه روحَ مبادئهم وأهدافهم، فيصاغُ ليخدمَ الهدفَ المنشودَ؛ بغية وصول تلك الأفكار، وتغلغلها لدى الجماهير، فالأذان شعارٌ للدين وسُنةٌ للمسلمين، والنبي صلى الله عليه وآله يقول: “أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تأمُرَ أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج”.

والحركات والطوائف والقوى والتكتلات عبر التاريخ لا بد أن يبرز لكل منها شعار خاص بها وفق معطياتها وأهدافها وفاعليتها، ومن هذا المنطلق ترفع الهتافات، وتصمم شعارات الشركات والمؤسّسات وأعلام الدول وغيرها من الشعارات الدينية والقومية والسياسية والتجارية كالعلامات التجارية الخَاصَّة بالماركات والشركات المصنعة، وحتى العسكرية كالشارات والرُّتَب، مع ملاحظة الفارق بين صدق الشعار مع مضمونه وتوجّـهه ودوره وفاعليته، وبين أن يكون بريقاً ملفتاً خاوياً من الفاعلية، أَو موجهاً لغير هدفه ومحتواه.

 

الشعاراتُ الماسونية

والماسونيةُ لها رموزٌ وشعاراتٌ كثيرةٌ تكرس اليهودية بطرق مختلفة أبرزها وعلى رأسها (النجمة السداسية)، وهي تمثل بزعمهم نجمة داوود التي تتكون من تقابل الزاوية والفرجار، ووضع أحدهما على الآخر، ثم (صورة الهيكل) يشيرون بها إلى هيكل سليمان عليه السلام، ويقصدون به هيكل القوة الخفية أي المكان الذي عقد المؤسّسون الأوائل جلساتِهم في إحدى أقبيته، و(الحية النحاسية المثلثة الرأس) ويرمزون بها إلى هدم الرئاسة الدينية والمدنية والعسكرية، و(الشمعدان) وهو تذكار لشمعدان فقد من الهيكل، وهو شعار إسرائيل اليوم، وهو ما تم رسمه مؤخّراً على الجدران التي عليها آثار المواجهة المسلحة في العاصمة اليمنية صنعاء!!

ومن تلك الشعارات الخَاصَّة بالماسونية (الهلال) المتناقص الذي تكون صورته على شكل حرف (C) بالإنجليزية، ومن الهلال كونوا لهم شعار الـ (ين يانغ Yin Yang) وهو الهلال المنقوص والنجمة. فهو من شعاراتهم المشتركة. فـ (ين) تعني الهلال العرجون. ويمثل آلهة القمر (ديانا). و(يانغ) تعني النجمة، التي تمثل آلهة الحب فينوس.

وكان محفل (الهلال) التابع للشرق الأكبر العثماني، من أكبر المحافل الماسونية في لبنان. وسجل بعض أفراد هذا المحفل نشاطاً مشبوهاً في مجال الصحافة والإعلام، التي روّجوا من خلالها أفكارَهم بطرق ملتوية ومخادعة، ومنهم جورجي زيدان الذي أطلق على مجلته اسم (الهلال)، مستغلاً ما يشاع بين الناس من أن الهلال رمزٌ إسلامي، فاتخذ من الهلال المقلوب والمنقوص (C) شعاراً لمجلته، معبِّراً بهذا العمل عن معتقداته الماسونية.

ومن هنا نعرفُ منظمةَ (الهلال الأحمر) بانتهاجها الطريقة الماسونية من اتِّخاذها الهلال المعكوس شعاراً ورمزاً.

وعلى هذا سارت منظمة فرسان مالطا على النهج الماسوني، فوضعت الهلال المرسوم على شكل حرف (C) على عَلَمِها البحري، وهي المنظمة المعروفة بعدائها القديم للإسلام والمسلمين، والتي كانت تمارس أبشع أنواع القرصنة البحرية ضد السفن الإسلامية، وتشن أشرس الغارات على السواحل العربية الواقعة شمال أفريقيا.

ومن العجب العجاب والمفارقات التاريخية التي تبعث على الدهشة والاستياء أن نرى معظم الدول الإسلامية تضع الهلال المعكوس أَو المقلوب على أعلامها الوطنية، ومن أمثلة ذلك العَلَم التركي الذي كان يمثل عَلَم الدولة العثمانية، والشاهد على تغلغل الماسونية في الامبراطورية العثمانية انخراط سلطانها (مراد الخامس) في المسلك الماسوني، وهو الشقيق الأكبر للسلطان (عبد الحميد الثاني).

وهذا ما يستدعي التوقفَ وإعادةَ النظر من قِبل الدول الإسلامية في تصاميم أعلامها الوطنية.

 

الشعاراتُ في التاريخ

واسترسلت في شعار الماسونية وانتشاره للمقارنة بين ترسيخهم لشعاراتهم ونشرهم لها، انطلاقاً من الغاية الكبيرة والشعار العام أنهم (شعبُ الله المختار)، وبين انحسار وتقاعس المسلمين عن دورهم في الاعتزاز بشعاراتهم ناهيك عن تعميمها ونشرها بل عجزهم عن الالتفاف حول شعار بارز يجمعُهم ويوضح هُـويتهم وثقافتهم، وإلا فالشعارات كثيرة في التاريخ كشعار إسرائيل (شعب الله المختار)، وكشعار هتلر (ألمانيا فوقَ الجميع) وكـ(الصليب) عند المسيحيين، و(عجلة الحق) عند البوذيين، و(نجمة داوود) عند اليهود، و(طول اللحية وقصر الثوب) عند بعض الطوائف المتطرفة، و(لا حكمَ إلا لله) عند الخوارج، و(لا إلهَ والحياة مادة) عند الماديين، و(لنا عُزَّى ولا عزى لكم) عند المشركين في غزوة أُحُد.

وفي المقابل لدى المسلمين وفي تراثهم الإسلامي والعربي (اللهُ مولانا ولا مولى لكم) شعارُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة أُحُد؛ رداً على المشركين، و(يا منصور أمت) شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو نفس الشعار الذي هتف به الإمام زيد بن علي عليه السلام، وكالشعار الذي هتف به عمر المختار (نحن شعبٌ نموتُ أَو ننتصرُ)، وشعار الإمام الحسين عليه السلام الذي رفعه في وجه ابن زياد (أبالموت تهدِّدُني يا الطلقاء، فإن الموتَ لنا عادةٌ وكرامتنا من الله الشهادة)، وشعار التوابين (يا لثارات الحسين)، وشعار الإمام الحسين بن علي عليه السلام المدوي والخالد: (إني لا أرى الموتَ إلا سعادةً)، و(هيهاتَ منا الذلةُ) وعلى هذا النهج وهذا السبيل كان وسار أئمة أهل البيت عليهم السلام آخرهم الإمام الخميني، ثم السيد العظيم الحسين بن بدر الدين الحوثي.

 

الواقعُ الذي انطلقت فيه الصرخة

ففي ذلك الوقت الذي ساد فيه السكوت واستشرى الاستبداد، وعمَّ الخنوع، وطغت الهيمنةُ الأمريكية والإسرائيلية، وانخدع الكثيرُ بحِيَل اليهود ومكرهم، وبعد انهيار البرج في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر تحديداً، أدرك السيدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- المشروع الأمريكي الجديد، وفي 17 يناير 2002، في مدرسة الإمام الهادي عليه السلام بخميس مَرَّان من خلال محاضرة (الصرخة في وجه المستكبرين)، بدأ بقراءة الأحداث آنذاك بقوله: “فلنتحدث جميعاً، بدل أن نتحدث كمجموعات في بيوتنا في جلسات القات، فتنطلق التحاليل الخاطئة والمغلوطة، وينطلق التأييد والرفض المغلوط في أكثره، داخل هذه المجموعة وتلك المجموعة وتلك المجموعة من المخزنين في مجالس القات، وبدل أن نتحدث كمجاميع هكذا مفرقة في البيوت حديثاً أجوف، تحليلاً لمُجَـرّد التحليل، وأخبار لمُجَـرّد الفضول”.

منوِّهًا إلى خطورة التحليل اللامسؤول: “فتكون النتيجة هي أن يهلك الناس أنفسهم، تكون النتيجة هي أن يخرج هذا أَو ذاك من ذلك المجلس، أَو من ذلك المجلس في هذه القرية أَو تلك القرية ولا يدري بأنه قد تحول إلى كافر أَو يهودي أَو نصراني من حيث يشعر أَو لا يشعر، وبالطبع من حيث لا يشعر”.

ويلفت انتباهَ الناس إلى أننا المعنيون في كُـلّ ما يحدث: “نحن المسلمين، نحن المستهدفون. ومع هذا نبدو وكأننا غير مستعدين أن نفهم، غير مستعدين أن نصحوا، بل يبدو غريباً علينا الحديث عن هذه الأحداث، وكأنها أحداث لا تعنينا، أَو كأنها أحداث جديدة لم تطرق أخبارها مسامعنا، أَو كأنها أحداث وليدة يومها”.

موضحًا أن اليهودَ بخبثهم استطاعوا أن يصرفوا أنظارَنا عن خططهم التي تستهدفنا: “إن دل هذا على شيء فإنما يدل على ماذا؟ يدل على خبث شديد لدى اليهود، أن يتحَرّكوا عشرات السنين عشرات السنين، ونحن بعد لم نعرف ماذا يعملون. أن يتحَرّكوا لضربنا عاماً بعد عام، ضرب نفوسنا من داخلها، ضرب الأُمَّــة من داخلها، ثم لا نعلم من هم المستهدفون”.

وفي ذكرى الصرخة لهذا العام تحدث السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- عن جوانب الهجمة الأمريكية الشاملة التي تستهدف الأُمَّــة وأن الشعار: “موقف طبيعي وسليم هو مشروع في ظرف حساس ومرحلة خطيرة يتوجب على الأُمَّــة فيها اليقظة والوعي والتحَرّك الجاد والتحمل للمسؤولية في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة وغير المسبوقة حيث دخلت المنطقة منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرحلة جديد سعت فيها أمريكا ومعها إسرائيل ومن يتحالفون معها إلى السيطرة الشاملة والتامة على أمتنا الإسلامية إنساناً أرضًا ومقدراتٍ وموقعاً جغرافياً، وبدافع استعماري وبدافع أَيْـضاً عدائي وليس فقط؛ بهَدفِ السيطرة على ما في هذه المنطقة من موارد اقتصادية، هناك عداءٌ لهذه الأُمَّــة وهو دافع إضافي إلى باقي الأطماع دافع إضافي لاستهداف هذه الأُمَّــة والسعي للسيطرة الشاملة عليها، والتحَرّك الأمريكي والإسرائيلي في اتّجاه السيطرة على الأُمَّــة ليس فقط تحَرُّكًا عسكريًّا، بل هو استهدافٌ شاملٌ اتجه ليس فقط لاحتلال الأرض وإنما لاحتلال النفوس والسيطرة على الإنسان في فكره وثقافته ورأيه والسيطرة على هذا الإنسان في مسارات حياته وفي وضعه بشكل كامل، السيطرة على الوضع السياسي في منطقتنا والسيطرة اقتصادياً والسيطرة إعلامياً والسيطرة في كُـلّ المجالات وفي كُـلّ الاتّجاهات وسيطرة معادية ليست سيطرة؛ بهَدفِ إرادَة الخير لهذه الأُمَّــة والسعي لما فيه مصلحة هذه الأُمَّــة، إنما هي سيطرةُ العدوّ على عدوه وعدوٌّ في نفس الوقت حاقد ومستكبر ومُجَـرّد من كُـلّ القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، عدوٌّ يسعى إلى السيطرة العسكرية بشكل تام وأن تتحول منطقتنا هذه التي تحتل وتتبوأ موقعا جغرافيا مهماً على مستوى العالم أن تكون أهم المناطق فيها وأهم المواقع فيها قواعد عسكرية يجعل فيها جنوده ويسيطر من خلال ذلك سيطرة تامة”.

ثم فصَّل السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- هذه الجوانبَ التي تسعى الهيمنة الأمريكية إلى السيطرة عليها: “يسعى على المستوى السياسي إلى السيطرة الشاملة علينا كأمة إسلامية في هذه المنطقة العربية بالدرجة الأولى وفي سائر العالم الإسلامي وليس ليهتم بنا على الوضع السياسي حينما يتحكم بواقعنا السياسي يعملُ على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن له السيطرة التامة علينا الانتقام منا كأمة مسلمة والإذلال لنا والتصميم والهندسة لواقعنا السياسي فيما يضمن لهُ إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار، كيف يهندس واقعنا السياسي يصنع واقعًا سياسيًّا مأزومًا مليئًا بالمشاكل غارقاً في النزاعات تعيش القوى فيه والمكونات حالة من التباين الشديد والتنازع على كُـلّ المسائل والأمور والخلافات الساخنة والأزمات المعقدة حتى نتحول إلى أُمَّـة مأزومة تعيشُ دائماً المشاكلَ المتفاقمة في واقعها السياسي حتى لا تتمكّنَ أبداً أن تنهض ولا أن تبني نفسها ووقعها، يشجع الانقسامات يغذي المشاكل يعمل على اختلاق المزيد منها يوسع دائرة الانقسامات تحت كُـلّ العناوين يشجع على الصراعات ويتجه لبعثرة هذه الأُمَّــة وتفكيكها على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي يسعى إلى السيطرة التامة على الإعلام على المدارس والجامعات في مناهجها يسعى إلى السيطرة حتى على الخطاب الديني.

في الجانبِ الإعلامي، يسعى إلى أن يسيطر على كُـلّ النشاط الإعلامي في داخل الأُمَّــة على الإعلاميين أنفسهم في أداهم الإعلامي فيتحول يتحولون إلى أقلام فيما يكتبون تخط له كُـلّ ما يخدمه، كُـلّ ما يبرّر له مواقفه وسياساته ومساراته العملية، كُـلّ ما يساعده على استغلال الأُمَّــة وعلى تدجين الأُمَّــة وعلى السيطرة على الأُمَّــة، كُـلّ ما يتوافق مع كُـلّ خطوة يخطوها لضرب هذه الأُمَّــة، كُـلّ ما يضلل هذه الأُمَّــة ويغطي على الحقائق ويزيف على الوقائع على مستوى الإعلاميين في نشاطهم الإعلامي في التحليلات في المقالات في الطرح الإعلامي في كُـلّ البرامج والأنشطة الإعلامية أن يتحول إعلاميو هذه الأُمَّــة إلى أبواقٍ ينفخ فيها فتكون صوتًا له تتكلم بما يخدمه، يما يخدع الرأي العام، بما يصنع رؤية مغلوطة في أوساط الأُمَّــة ونظرة خاطئة وغبية تجاه كُـلّ تحَرّكات هذا العدوّ، بما يقلب الحقائق التي هي حقائق كبيرة وحقائق مهمة والخداع فيها والتضليل فيها لهُ تداعيات كبيرة في مواقف الأُمَّــة، كُـلّ ما يساعده على تكبيل هذه الأُمَّــة والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها ومشاريعها العملية واهتماماتها فيدجِّنُها له ويخضعها له في المدارس في المناهج على مستوى المناهج المدرسية والجامعية وعلى مستوى أَيْـضاً ما يحمله المدرسون من آراء وأفكار وما يقدمونه للتلاميذ والطلاب التضليل للمدرسين والتأثير عليهم والسعي لأن يحملوا آراءً خاطئةً وثقافات مغلوطة ومفاهيمَ سلبية كلها تسهم في سيطرة الأمريكي على منطقتنا وفي خدمة الإسرائيلي وفي صالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية، والاتّجاه أَيْـضاً إلى الطلاب كذلك لتنشئتهم على مفاهيم ترسخ فيهم الولاء بإخلاص لأمريكا والنظرة بإيجابية إلى العدوّ الإسرائيلي نظرة خاطئة نظرة مغلوطة والابتعاد عن كُـلّ ما من شأنه أن يصنعَ وعياً ونوراً لهذه الأُمَّــة وفهماً صحيحاً لهذه الأُمَّــة تجاه واقعها وتجاه أعدائها.

على مستوى الخطاب الديني، يسعى العدوّ إلى السيطرة عليه فتكون هناك أقلام وكتابات وَأَيْـضاً هناك أنشطة لعلماء سوء من علماء السلاطين من علماء البلاط من علماء الضلال الذين يعملون لصالح العدوّ، تصدر فتاوى تدجن هذه الأُمَّــة لأعدائها ولعملائهم، تسعى أَيْـضاً بالدفع في الأُمَّــة إلى كُـلّ ما يتوافق مع نفس السياسات الأمريكية والإسرائيلية في العداء في الموقف في التصرفات في تبرير السياسات والمواقف كما نشاهده اليوم في هيئة كبار علماء السعودية في مفتيها وهو يسطر كُـلّ فترة الفتوى التي تناسب السلطة العملية لأمريكا والتي تبرّر الموقف الذي يتجه في نفس السياق الذي رسمته أمريكا وأرادته إسرائيل، وهكذا سعي للسيطرة الشاملة وهذه السيطرة تهدف أَيْـضاً وبشكل رئيسي إلى انتزاع كُـلّ عناصر القوة وكل ما يساهم في بناء هذه الأُمَّــة لتواجه هذا العدو.

السيطرةُ على المستوى الاقتصادي حتى تتحول كُـلّ ثروات وإمْكَانات هذه الأُمَّــة وبالذات المواد الخام، سواءً البترول أَو غيره من المواد الخام في منطقتنا تتحول لصالح العدوّ ونتحول نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مُجَـرّد سوق استهلاكية وأمة تستهلكُ ولا تنتجُ ولا تبني لها اقتصاداً حقيقيًّا، أُمَّـة عطلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، فثرواتها كمواد خام تتجه لصالح العدوّ يستغلها هو يستفيد منها ويصدر إلينا بعضا منها كسلع ندفع له قيمتها بثمن باهض جِـدًّا ومع ذلك نعيش حالة دائمة من الأزمة الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية والمحنة الاقتصادية التي تجعل منا أُمَّـة فقيرة ومعانية وبائسة وشقية وأمة تعيش الكثير والكثير من المشاكل والأزمات تفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا تعتمد على الاستيراد بشكل تام وتعطيل الإنتاج والبناء الاقتصادي تعتمد على سياسات إدارية خاطئة جِـدًّا ينتج عن ذلك بطالة بشكل واسع ومتفشٍ وحالة من الضياع بشكل كبير والبؤس والعناء الشديد الذي يساهم في نشوء مشاكلَ اجتماعية ومشاكل اقتصادية وبيع للضمير وبيع للأخلاق وبيع للوفاء وبيع للولاءات وبيع للمواقف وارتهان وخنوع لصالح الأعداء.

وهكذا في كُـلّ المجالات وفي كُـلّ الاتّجاهات سعي لسيطرة شاملة في كُـلّ واقع حياتنا وفي كُـلّ مسارات عملنا ونشاطنا في هذه الحياة أراد لنا الأمريكي والإسرائيلي أن نكونَ نحن وكل ما بأيدينا وكل ما نسعى له في هذه الحياة لهُ تحت سيطرتهم تحت تحكمهم وأن يكونوا هم المتحكمين في كُـلّ شؤون حياتنا وفي كُـلّ مسارات أعمالنا نفعل ما يريدون منا أن نفعل نقف الموقف في الموقف الذي يريدون لنا أن نقفهَ نوالي من يريدون لنا أن نواليَ ونعادي من يريدون منا أن نعادي..

وما مؤدى هذه الحالة إذَا قبلنا بها وَإذَا سلّمنا أمرنا لهم وقبلنا بالخضوع لهم والاستسلام لهم ومكناهم من السيطرة التامة علينا وقرّرنا أن نسير في كُـلّ شؤون حياتنا على حسب ما يريدون وما يفرضون وما يقرّرون هل المسألة سهلة؟ لا، مؤدى هذا كارثي علينا وخسارة بكل ما تعنيه الكلمة خسارة في الدنيا وخسارة في الآخرة وخسارة فضيعة وقبيحة وشنيعة”.

 

الذريعةُ التي استندت إليها أمريكا في احتلالِها البلدانَ العربية

وخلال وضعه الاستراتيجية العامة لمشروعه، لا يغفل أن ينبِّهَ إلى الذريعة المهمة والمحورية التي استندت إليها أمريكا لتتحَرّك في البلدان العربية من خلالها: “أنتم جميعاً، أبناء الشعب هذا كله ممكن أن يكونوا إرهابيين في نظر أمريكا، وستكون أنت إرهابي داخل بيتك؛ لأَنَّه لا يزال في بيتك كتاب إرهابي هو القرآن الكريم، لا زال في بيتك -أنت أيها الزيدي- كتب هي -من وجهة نظر أمريكا- في بداية وفي أول قائمة الكتب الإرهابية، كتب أهل البيت”.

ويستبعد السيد حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- استهداف الوهَّـابيين: “ليس فقط الوهَّـابيون هم الضحية، ليسوا هم المستهدفين فعلاً، زعماؤهم لن يتعرضوا لسوء -هذا ما أعتقد- وكلها تمثيليات”.

ويحدّد الإرهاب الحقيقي فيقول: “الإرهابيون الحقيقيون هم الوهَّـابيون يوم كانوا يفرقون كلمة الناس، يوم كانوا ينطلقون داخل هذا المسجد وتلك القرية، وهذه المدرسة وذلك المعهد، ليثيروا في أوساط الناس العداوة والبغضاء ضد بعضهم بعضاً، ويثقفوا أبناء المسلمين بالعقائد الباطلة التي جعلت الأُمَّــة ضحية طول تاريخها وأصبحت اليوم؛ بسَببِها تحت أقدام اليهود والنصارى، هم إرهابيون فعلاً عندما كانوا يعملون هذه الأعمال ضدنا نحن أبناء الإسلام”.

وفي هذا السياق يشير إلى مبدأ رفيع، وقيمة عظيمة بمثالية عالية: “ولكن على الرغم من هذا كله هل تعتقدون بأننا نؤيد أن يُمسكوا؟. نحن لا نؤيد أن يمسك يمني واحد تحت أي اسم كان، سواء كان وهَّـابياً شافعياً حنبلياً زيدياً كيفما كان، نحن نرفض، نحن ندين ونستنكر أن يُمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا، وحتى [الزنداني] نفسه وهو من نكرهه، نحن لا نؤيد أن يمسك تحت عنوان أنه إرهابي ضد أمريكا”.

 

الهيمنةُ الأجنبيةُ على البلدان العربية

والسيدُ عبد الملك -في خطابه بمناسبة ذكرى الصرخة في ديسمبر عام 2016- بدأ باستعراض واقع الهيمنة الأجنبية الماثلة أمامنا والتي نعاني منها حتى اليوم، المتمثلة فيما يلي:

1ـ الاستهداف الكبير والشامل.

2ـ هيمنة مذلة ومهينة، أنتجت إضعافاً وإذلالاً وإهانة وقهراً واستعباداً.

3ـ استحكام وتحكم وتدخل غير مسبوق في شؤون الأُمَّــة

4ـ فَقْد الأُمَّــة استقلالها، وخسارتها لكرامتها وهُـويتها.

5ـ استهداف العدوّ للقيم والأخلاق.

6ـ استهداف الإنسان والأرض والثروة والمقدرات.

 

التعاطي مع الواقع على أَسَاس أننا طرفٌ في كُـلّ ما يحدث

والسيد حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عندما أكّـد التعاطي مع الأحداث وتحليلها بروحية مسؤولة أكّـد أَيْـضاً على استشعار المسؤولية والتعاطي مع الواقع على أَسَاس أننا طرف في كُـلّ ما يحدث: “نتحدث بروحية من يفهم أنه طرف في هذا الصراع ومستهدف فيه شاء أم أبى، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسئولية هنا فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله”.

وكرّر استشعار المسؤولية أمام الله أكثر من مرة: “هل نحن فعلاً نحس داخل أنفسنا بمسئولية أمام الله أمام ما يحدث؟ هل نحن فعلاً نحس بأننا مستهدفون أمام ما يحدث على أيدي اليهود ومن يدور في فلكهم من النصارى وغيرهم؟”.

ولعل واقع الأُمَّــة حينها أوصله إلى استنكار عدم استشعار المسؤولية بقوله: “فكيف ترى بأنه ليس بإمْكَانك أن تعمل، أَو ترى بأنك بمعزل عن هذا العالم، وأنك لست مستهدف، أَو ترى بأنك لستَ مُستذَلاً، ممن هو واحد من الأذلاء، واحد من المستضعفين، واحد من المُهانين على أيدي اليهود والنصارى، كيف ترى بأنك لستَ مسؤولاً أمام الله، ولا أمام الأُمَّــة التي أنت واحد منها، ولا أمام هذا الدين الذي أنت آمنت به؟!”.

 

انطلاقُ الصرخة من واقع المعاناة، في إطار اتِّخاذ موقف وفق رؤية عملية

والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وضح في ذكرى الصرخة عام 2016، أن هذا المشروع القرآني انطلق من واقع المعاناة: “لقد انطلق هذا المشروع القرآني من واقعٍ معروفٍ، واقعِ المعاناة، فهو مشروع أصيل لم يأتِ كترفٍ فكريٍ أَو عملٍ هامشيٍ أَو خطوةٍ ليس هناك حاجةٌ إليها، لا”.

وأكّـد أننا “في مرحلة الأُمَّــة بحاجة إلى موقف، لا بد للناس من موقف، البديل عن الموقف ما هو؟ حالة اللاموقف تعني الاستسلام، تعني الصمت، تعني الخضوع، تعني أن نترك المجال لصالح الأعداء ليعملوا هم كُـلّ ما يشاؤون ويريدون، يعني إفراغ الساحة من أي مشروعٍ يناهض مؤامراتهم ومكائدهم)”.

ويؤكّـد السيد عبد الملك أنه ليس أي موقف: ((كان لا بد لنا من موقف، وموقفٍ واعٍ ينطلق بوعيٍ ويتحَرّك بوعيٍ)) وأوضح أنه موقف متمثل في مشروع عملي: ((يتحتم أن يكون هناك مشروع عملي واعٍ ينطلق على أَسَاس من الوعي وهادف ويصب في مصلحة الأُمَّــة، ويعالج الحالة الداخلية للأُمَّـة فيما يزيدها وعياً وبصيرة نافذة وإدراك للأمور، وفهماً صحيحًا وتقييمًا صحيحاً للواقع)).

وهذا ما أشار إليه الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-، حيث أشار إلى أهميّة اتِّخاذ موقف وفق رؤية عملية: “نتحدث بروح عملية، بروح مسئولة، نخرج برؤية واحدة بموقف واحد، بنظرة واحدة بوعي واحد، هذا هو ما تفقده الأُمَّــة”.

وفي خطاب السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير في ذكرى الصرخة لهذا العام قال: “هذه الصرخة التي أطلقها -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كشعارٍ لمسيرة قرآنية وكعنوان لمشروع عملي لتصحيح واقع الأُمَّــة والنهوض بها لمواجهة التحديات والأخطار المصيرية وكخطوة عملية حكيمة وفعّالة؛ لتحصين المجتمع المسلم من التطويع والتدجين لأعدائه المستكبرين وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ولحماية المجتمع المسلم من الانحراف بهِ في ولاءاته وعداواته لصالح أعدائه، وهُتاف البراءة أَيْـضاً موقفٌ فعَّـالٌ في إفشال كثير من الخطوات المعادية الرامية إلى اختراق الأُمَّــة من الداخل؛ بهدف إفسادها وتضليلها واستغلالها”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com