الأممُ المتحدة والعجزُ عن رؤية أشلاء أطفال اليمن!
د. يوسف الحاضري*
تفاجأ العالم أجمع والمنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان بأغرب قرار تصدره الأمم المتحدة، وذلك من خلال إخراج السعودية وتحالفها من القائمة السوداء لقتلة الأطفال ضمن نشرتها الدورية التي تصدرها، فاستهجن الجميع هذه الخطوة حتى وصفها البعضُ بأن الأمم المتحدة استغلت انشغال العالم بقضايا أُخرى كقضية كورونا ومظاهرات العنصرية في أمريكا، فأقدمت على مثل هذه الخطوة الأجرأ على الإطلاق، ظناً منها أن الجميع لن يلتفت إلى هذه الخطوة، غير أن الفضيحة هذه لا يمكن لها أن تختفي وتستتر خلف أي ساتر مهما كان حتى لو كان حدث قيام الساعة.
سبعة آلاف وسبعمِئة واثنان وثلاثون طفلاً تم تسجيلهم من قبل وزارة الصحة سقطوا ما بين شهيد وجريح، متناثرة أشلاؤهم ومبتور أجزاء من أجسادهم؛ بسَببِ صواريخ طائرات تحالف العدوان السعودي الأمريكي منذ أولى ساعات العدوان الذي انطلق في 26 مارس 2015م، وما زال مستمراً، وكان آخر أربعة أطفال سقطوا بالأمس في مديرية شدا بمحافظة صعدة بعد استهداف طائرة التحالف السعودي بغارتين لسيارة تقلُّهم مع مواطنين آخرين، كُـلّ هذه الأشلاء والأنين الذي أصدره ويصدره هؤلاء الضحايا لم يصل إلى سمع الأمم المتحدة ولم يستطع بصرُها رؤية تلك الأشلاء وتلك الإعاقات والعاهات التي تسبب بها التحالف، حتى تلك الدموع التي ذرفتها منسقة الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن على عشرات الأطفال الذين سقطوا ضحايا استهداف تحالف العدوان لباص ضحيان في صعدة الذي كان يقلهم وذلك في الثامن من أغسطُس 2018م، كانت ربما هي المشاعر الكاملة والنهائية التي رأتها الأمم المتحدة تجاه مثل هذه الجرائم التي لو عرضت على الجبال لرأيتها خاشعة متصدعة من هول الفجائع والآلام التي أوجدها تحالف السعودية، ويعكس مدى الوحشية التي تسيطر على قلوب أئمة قيادة هذه الأنظمة المجرمة.
لا يقتصر الأمر عند هذا الرقم، بل إن هذا الرقم ليس سوى 10 % من الحجم الحقيقي الذي أحدثه تحالف العدوان السعودي فيما يخص أطفال اليمن فقط خلال فترة عدوانها وما زالت تحدثها، فحصارهم على اليمن أوجد أكثرَ من مليونين ونصف المليون طفل ما دون الخامسة مصاب بسوء التغذية، منهم أكثر من نصف مليون مصابون بسوء التغذية الحاد الوخيم، يموت كُـلّ عشر دقائق طفل وذلك حسب تقارير منظمات الأمم المتحدة التي أَيْـضاً تحدثت عن وفاة ستة مواليد كُـلّ ساعتين؛ بسَببِ نقص التجهيزات الطبية، والذي بطبيعة الحال أوجد هذا الوضع تحالفُ العدوان، كما أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال مصابون بأمراض مزمنة عجز أهاليهم عن إخراجهم لتلقي العلاج في الخارج؛ بسَببِ إغلاق مطار صنعاء منذ الـ 8 من أغسطُس 2016م وحتى اليوم، توفي منهم الآلاف وكل ذلك أمام مرأى ومسمع من الأمم المتحدة أَيْـضاً، كما أن 50 % من إصابات ووفيات وباء الكوليرا من الأطفال؛ كونهم الأكثر عرضة، وتزامن المرض بسوء التغذية يؤدي للوفاة السريعة، عوضاً عن أوبئة عدة كالملاريا والضنك والدفتيريا وغيرها للأطفال نصيب كبير منها، وكل هذه أوبئة ساهم حصار العدوان السعودي وتحالفه في مأساتهم، وهذه الحالة التي نتحدث بالأرقام عنها وتشاركنا بها منظمات الأمم المتحدة.
هذا العمى والصمم التي اتصفت بها الأمم المتحدة جعلها تتعامل مع بيانها الدوري الخاص بالقائمة السوداء لقتل الأطفال بأن السعودية وتحالفها وتلك الأرقام التي أحدثتها في اليمن بلا مبالاة بل بانعدام حياء ولا إنسانية تامة، وهنا نضع بعض التساؤلات للأمم المتحدة ليس لكي تجيب عليها، ولكن لكي ربما يعيد الحياة والحياء إليها، فتتراجع عن أكبر كارثة أممية تقوم بها الأمم المتحدة بمثل هذا القرار، وأهمها:-
– إذَا لم تكن هذه الأرقام التي بين أيديكم من ضحايا الأطفال، والذي تسبب به تحالف السعودية مؤشراً لوضع مرتكبيها في القائمة السوداء لقتلة الأطفال، فما هي المقاييس التي تعتمدونها؟
– إذَا كانت أموال السعودية هي المقياس الأول والأخير في تقاريركم هذه، فهل هذه إشارة وضوء أخضر منكم لكل من يمتلك أموالاً بأن يرتكب جرائم حرب ضد الأطفال خَاصَّة والبشرية عامة؟
– هل تتعاملون مع دماء وأشلاء الأطفال اليمنيين كبضاعة يدفع ثمنها من يمتلك نفطاً كنفط تحالف السعودية إليكم أنتم فتستفيدون منها مقابل تضليل الرأي العالمي والمجتمع الدولي؟
– إذَا كانت القوة والثروة هي من تقود الأمم المتحدة فمن سينصر المستضعفين في الأرض عندما يكون المجرم من يمتلك القوة والثروة كما هو الحال في الوضع اليمني؟
– إذَا كنتم عاجزين عن إدانة السعودية وتحالفها؛ بسَببِ جرائمها اللامحدودة في اليمن خوفاً من أن تقطع مساعداتها لكم والذي تدعون استخدامها لإنقاذ أطفال العالم، فهل ضمن سياستكم أن تبيعوا أطفال دول لأجل أن يحيا أطفال دول أُخرى؟
وهل وصلت بكم الهشاشة لأن ترضخوا لأموال دولة مجرمة ووصل بكم العجز إلى أنكم لا تستطيعون أن تحصلوا على أموال من جهات أُخرى ودول أُخرى غير السعودية رغم أن لكم حوالي 75 عاماً منذ أن تأسستم في 1945م؟
– إذَا كنتم جزءاً لا يتجزأ من هذا التحالف (وأنتم بالفعل كذلك في نظر أبناء اليمن)، فلماذا لا تعلنوها صريحة فذلك أخف كارثية ومأساوية من أن تقوموا بالإعلان عن ذلك بطريقة مخزية كهذه الطريقة التي أقدمتم عليها من خلال إخراج السعودية من قائمة العار؟
وفي الأخير أُرسل رسالة لكلٍّ من الأمين العام للأمم المتحدة، والمبعوث الأممي، وبقية قيادات المنظمة، سواء في اليمن أَو عالمياً، وذلك بأن تقديمكم لاستقالتكم أشرف لكم وأحفظ لما تبقى فيكم من إنسانية من بقائكم كمطايا لتحالف العدوان يمتطونكم بأموالهم لينفذوا ما تشتهي أنفسهم وتلذ به أعينهم من جرائم تندى لها جبين الإنسانية أجمع، وسيبقي التاريخ هذا العار وعاركم معه ما لم تتداركوا ذلك قبل فوات الأوان، فكل مبيضات الأرض لن ينفع في تبييض صفحة هذا التحالف من هذه الجرائم مهما حاولتم أن تبيضوها تارة بتقرير مخزٍ كهذا التقرير، وتارة بمسرحية هزلية سخيفة اسمها (مؤتمر المانحين)، وتارة بمنشور في صفحاتكم تشكرون مؤسّسة سلمان الخيرية لمساندة جهودكم، وهكذا..
فالعالم أـجمع بدوله وبمنظماته وبجماعاته باختلاف توجّـهاتهم الفكرية والدينية والثقافية وباختلاف ألوانهم وألسنتهم ودولهم، يتفقون تمام الاتّفاق بأن نظام السعودية والإمارات هو ألعن وأخبث وأكثر جرماً في الأرض، مستخدماً في ذلك ثرواته النفطية، حتى الجن يتفقون مع الإنس في ذلك، بل إن الشيطان نفسه يصفهم بشياطين؛ كونهم قد اقترفوا جرائم لم تخطر على بال شيطان رجيم سابق، فكيف تبلغ بكم الجرأة لهذا الحد لتقوموا بما قمتم به في جانب إخراج السعودية وتحالفها من قائمة قتلة الأطفال، تساؤل سيتناقله الأجيالُ جيلاً بعد جيل وهو يبحث عن إجَابَة وبصرُه موجَّهٌ إليكم يرمقكم بنظرات الاتّهام وتحميلكم المسئولية وأي عار لطختم به جدار هذه المنظمة؟!..
* المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة