موقفٌ لا بد منه
د. فاطمة بخيت
احتلالٌ للعديد من البلدان في العالم، حروبٌ عسكرية ضد بلدان أُخرى، حروبُ إبادة ومجازرُ جماعية هنا وهناك، دعمٌ للانقلابات السياسية والحروب الأهلية، تغذيةُ الصراعات الحزبية والطائفية، وغيرُها الكثيرُ من الجرائم التي ترتكبها أمريكا بحق شعوب العالم ومَن لا يخضع لسيطرتها، حتى أصبحت صانعةَ الإرهاب في العالم.
ولكن عداءَها ومؤامراتِها وحربَها ضد العالم الإسلامي هو العِداءُ الأشدُّ الذي لا ينقطعُ ولا تكاد تخفُتُ جذوتُه على مر العقود والسنين، فقد شنت عليه شتى أنواع الحروب، وبمختلف الوسائل والأساليب، ونخرت في جسده حتى النخاع، حتى وقف القادةُ قبل الشعوب موقفَ المتخاذل مما يحدُثُ، بل إنّ هناك مَن خضع وذل واستسلم أمام جرائمها وأصبح خادماً مطيعاً لها، وسيطرت على عالمِنا العربي والإسلامي، وغزته في دينه ومعتقداته وأفكاره، عن طريق الحرب الناعمة والمذاهبِ التكفيرية التي زرعتها في أوساط الأُمَّــة، وشاركتها في ذلك إسرائيل الوجهُ الآخرُ لأمريكا، والتي قال عنها الإمام الخميني -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ-: (غدة سرطانية في جسم الأُمَّــة يجبُ أن تُستأصَلَ)، عندما رأى جرائمهما في فلسطين وغيرها من البلدان، كما أسمى أمريكا (الشيطان الأكبر) للجرائم التي ترتكبها في العالم، وسيطرتها على بلده ونهبها لثرواته والتحكم في شؤونه وجعله تابعا لها.
وفي الوقت الذي بدأت تتكشف فيه الحقائق وتتساقط الأقنعة وتظهر النوايا الخبيثة للسيطرة على هذه الأُمَّــة، كان لعَلَمِ الهدى السيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- موقفُه الشجاعُ والمتميزُ تجاه ما يدور حوله من أحداث ومؤامرات؛ انطلاقاً من واجبه الديني واستشعاراً للمسؤولية أمام المولى عز وجل تجاه الخطر الأمريكي- الإسرائيلي الذي بدأ يمزّقُ الأُمَّــةَ ويقضي على هذا الدين، فكان لهذا الموقفُ الذي أعلن فيه البراءةَ من أعداء الأُمَّــة بإطلاقه شعار (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، صداه في كُـلّ مكان وتأثيرُه في نفوس كُـلّ من كان حوله.
في المقابل أَيْـضاً، كانت هذه الأُمَّــةُ قد دجّنت لأعدائها، فواجه هذا الشعارُ الكثيرَ من الاستنكار والصد والمواجهة، على الرغم من أنّه أقلُّ ما يمكن أن يفعلَه المسلمُ تجاه أعداء الله وأعداء دينه، ومع وجود تلك المواقف إلا أنّها لم تمنع الشهيدَ القائدَ من مواصَلة الخوض في معركة الوعي وحرف بُوصلة العداء نحو العدوّ الحقيقي لهذه الأُمَّــة، ليكونَ للناس موقفٌ من هذا العدوّ، وفقَ ما يمليه عليهم دينهم وقيمهم ومبادئهم؛ لكسر حاجز الصمت، واستنهاضِ الأُمَّــة لمواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة، والارتقاءِ بها لتقديم مشروعٍ قرآنيٍّ عمليٍّ ينهل من القرآن الكريم؛ لتحصينها ضد الخطر الأمريكي- الصهيوني.
ولحرص هذا العدوّ على عدم وجود حالة سخط تهدّدُ وجودَه وبسط نفوذه، فقد ضاق بالشعار ذرعاً، فتحَرّك ومن أمامه النظامُ السابق بأقوى قوتهم لإسكات تلك الأصوات التي كانت تهتفُ به، بدءاً بسجن المكبِّرين في الجامع الكبير بصنعاء وتعذيبهم، ثم قيامهم بشن حربهم الأولى على صعدة واستشهاد الشهيدِ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- ومن معه من المجاهدين الصادقين، وشن حروبهم الوحشية المتتالية على صعدة وما نتج عنها من قتل وتدمير وتشريد؛ نتيجةَ ذلك الموقف، وقيامهم في الأخير بشن تحالفهم الكوني الذي قتل ودمّـر وحاصر وشرّد اليمنيين، وتسبب في أسوأ كارثة إنسانية في العالم على مدى ست سنوات.
لكن على رغم المعاناة وما ارتكبوه من حروبٍ ومجازرَ منذ حربهم الأولى وحتى الآن، إلا أنّ السخطَ والعداوة الشديدة لهذا العدوّ المتوحِّش والمتغطرس في تنامٍ مستمرٍّ في نفوس أبناء هذا الشعب المؤمن، الصامد والمجاهد الذي سطّر أروعَ الملاحم والبطولات في مواجهة هذا العدوان الغاشم الذي تقودُه السعوديةُ والإماراتُ بدعم أمريكي- إسرائيلي.
وهذا الموقفُ وهذه المواجهةُ لأعداء الأُمَّــة ستؤدي –بإذن الله- إلى النصرِ والعزة والكرامة، فمَن نَصَرَ اللهَ ونصر دينَه ستكُنْ له الغلبةُ والتمكينُ، وهذا وعدُ الله الصادق لأوليائه المؤمنين، وسُنَّتُه في خلقه، والموتُ والهلكةُ والنهايةُ الحتمية ستكونُ لأعداءِ الله وأعداءِ دينه.