وهم المعركة الحاسمة.. بين مأرب وتعز
علي السراجي
في بداية العدوان السعودي الأمريكي كانت معركةُ عدن هي المعركة الحاسمة في مباحثات السلام في الـيَـمَـن وعودة الأطراف إلى الطاولة السياسية، بحسب مواقف المجتمع الدولي آنذاك، وفعلاً تم الانسحابُ من الجنوب بالكامل وأصبحت عدن تحت سيطرة قوات الغزو السعودية وتحالفها، وَاعتقد الجميع أنه سيتم الانتقالُ إلى طاولت المفاوضات في مسقط أَوْ جنيف لتغليب الحل السياسي بإشراف الأُمَــم المتحدة وإيقاف العمليات العسكرية، كما كان يتم الإعلان عنه، خَـاصَّـةً أن الانسحاب من المحافظات الجنوبية كان مطلبَ الجميع من مجتمع دولي ومن مرتزقة السعودية، وهو ما اعتبر انفراجاً في الأزمة وفرصة مناسبة للخروج بماء الوجه من التورُّط في الشأن الـيَـمَـن من قبل العدوان السعودي الأمريكي وحلفائهم.
لكن ما حصل هو انتقالُ قوات العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقتهم إلى محافظة مأرب، وتم نقل المعركة من الجنوب إلى الشمال، فكان فتح جبهة جديدة في مأرب السببَ الرئيسي في تعطيل وإفشال كُلّ الجهود السياسية والعودة إلى مراقبة الأوضاع الميدانية بين الطرفين، وأصبحت معركة مأرب هي المعركة الحاسمة في تحرير العاصمة صنعاء وتَحقيق السلام في الـيَـمَـن، وقد لاحظ الجميع ذلك في ما سُمّي بمؤتمر جنيف الأول، وكيف أسهمت قوى العدوان في استمرار العمليات العسكرية والقصف لكل شيء في جميع محافظات الجمهورية وبالذات العاصمة صنعاء، وكذلك كيف استطاعت السعودية إقناع المجتمع الدولي على منحها فرصةً زمنية إضافية لتحقيق اختراق في المناطق الشمالية، وفعلاً وافق المجتمعُ الدولي على ذلك وغضّ الطرف عن الاستهداف للـيَـمَـن وعن الوضع الإنساني المتأزم والمتفاقم منذ بداية العدوان.
وبالتالي يعتبر فتحُ جبهة مأرب من قبل العدوان السعودي الأمريكي بعد السيطرة على عدن تأكيداً على رغبة المعتدي في إسقاط الـيَـمَـن بالكامل في صراع استنزاف طويل، كما أثبت أن التدخل لم يكُن بهدف خلق حالة من التوازُن على الأرض بعد الانسحاب من الجنوب، وإنما السيطرة العسكرية على الشمال والجنوب، وكذلك لم يكن بهدف خلق حالة من التوازن السياسي بين القوى الداخلية أَوْ الذهاب بأنصار الله كمكوّن سياسي واجتماعي إلى التفاوُض والحصول منها على تطمينات للمجتمع الدولي بصورة عامة وَللدول الإقليمية بالذات السعودية وبعض دول الخليج.
واليوم يكتب ويتحدث ويحلل الجميع أن معركة تعز هي الحاسمة لتحقيق السلام في الـيَـمَـن أَوْ تقرير مصير الرئيس المستقيل هادي وحكومته أَوْ تغليب كفة المنتصر للضغط في الحوار السياسي القادم في جنيف، كما كان مقرراً في منتصف هذا الشهر، بحسب اعلان مبعوث الأُمَــم المتحدة ولد الشيخ، وفي الحقيقة أن مع ما يُسمّى بمعركة تعز مجرد هروب صريح من الذهاب إلى الحلول السياسية عبر افتعال معركة وهمية في تعز بعد فشلهم في مأرب مع استمرارهم في جبهة مأرب إلى الآن، وهذا هو المشاهد والملاحَظ منذ بداية العدوان، فكلما تم الضغط باتجاه العملية السياسية من قبل المجتمع الدولي تم الدفعُ إلى ضغط ميداني في جبهات مختلفة من قبل السعودية، كتبرير أَمَـام المجتمع الدولي وكذلك المنظمات الدولية بأن هناك خططاً جديدةً تحتاج لمزيد من الوقت وَأن إمكانية تحقيق انتصار ممكن، ولهذا تسارع السعودية إلى تبرير تعطيلها الحلَّ السياسي بخلق معاركَ في مناطق كما يحصل اليوم في محافظة تعز.
وفي ظل الانتصارات التي حققها وَيحققها الجيش واللجان الشعبية كُلّ يوم في جميع الجبهات وبالأخص جبهة مأرب فإن الجيشَ واللجان الشعبية اليوم يحققون انتصاراً كبيراً جداً بضربات نوعية ضد الغزاة والمرتزقة أثناء محاولات تقدمهم باتجاه المدينة أَوْ باتجاه منقطة باب المندب الاستراتيجية أَوْ الساحل الغربي، ولن تكون نتيجة فتح جبهة تعز غير تدميرها وإغراقها في بؤرة صراع، أما تحقيق انتصار للسعودية فلن يتحقق، والجميع يعرف هذا، ومحاولات تطبيق سيناريو عدن هو مجرد عبث، كون الواقع في تعز عسكرياً واجتماعياً وثقافياً يختلف كلياً عن عدن.
وعليه فإن الفرصة الوحيدة لتحقيق السلام في الـيَـمَـن إذَا كان هو المطلوب من قبل المجتمع الدولي ليس بالانتصار في تعز أَوْ مأرب أَوْ الجنوب من قبل أَي طرف، وإنما في النقاط السبع التي تم التوافقُ عليها في مسقط مع مبعوث الأُمَــم المتحدة إلى الـيَـمَـن ولد الشيخ وَالتي مثلت تقدماً نوعياً في المفاوضات لم يكُن متوقعاً، وبالذات فيما يتعلق بالقرار 2216 والذي كان الهدف منه أن يكون عقبةً أَمَـام القوى الوطنية وَشمَّاعةً لتبرير فشل الذهاب إلى العملية السياسية، وبالذات من طرف السعودية، ولو كان هناك نية حقيقية في الحل من قبل التحالف السعودي الأمريكي ومرتزقتهم وكذلك من قبل المجتمع الدولي بصورة عامة لتم القبول بها ودعمها ولكانت الأطراف تسيرُ الآن في سبيل تحقيق السلام عبر تنفيذ الاتفاق وإعداد آليات التنفيذ والاتفاق على البرنامج الزمني وغيره من متطلبات إنجاح العملية السياسية بين الأطراف المحلية.