الدفاعُ والاستخبارات وماذا بعد؟

عبد الجليل الموشكي

منذُ قرابة ألفي يوم من العدوان السعودي الأمريكي، وأذرعه الصهيونية تمعنُ في قتل الشعب اليمني بالنار والحصار وتدمّـر مقدراته، مستعينةً بأفتك سلاح وأوسع غطاء وأثرى مخزون، بيد أن من ينظر في واقع المعادلة العسكرية حَـاليًّا، يجدُ انعكاساً كليًّا في موازين القوى على الأرض، فوزارة دفاع الرياض التي قصفت طائراتها مجمع وزارة دفاع اليمن في بدايات عدوانها، باتت في مرمى نيران صنعاء الصمود، برغم فارق الإمْكَانيات وصعوبة المتغيرات.

وبعد أن كانت الأخيرةُ قدّمت مبادرة للسلام من منطلق القوة، وكفت “صماد وقاصف وبركان وقاهر” عن الاستمرار في الوجع الكبير، لم تنثنِ مملكة الرمال عن انتهاج سياسة التجويع والحصار بحق أكرم شعب، ظناً منها بأنها ستعيق عجلة التحرير والاستقلال، حيث مر شهر ولم تسمح بدخول سفن المشتقات النفطية في ظل الوضع الذي يعيشه البلد والعالم جراء كورونا الذي حرصت على إدخَاله وأدخلته.

ومع تصاعدِ موجة غضب القيادة والشعب، دشّـنت القوة الصاروخية والطيران المسيّر مرحلةَ الوجع الأكبر بعملية توازن الردع الرابعة التي صعقت نظام آل سعود، بضربة موجعة شلت جهازه المناعي، المتمثّل بوزارة دفاعه التي تحتوي على قيادة أركانه وقواته الجوية والبرية والبحرية والصاروخية، كما طالت ضربات “قدس وصماد 3 وذو الفقار” الاستخبارات وقاعدة سلمان الجوية ومواقعَ عسكرية حساسة بجيزان ونجران، في ليلة مظلمة بالنسبة للعاصمة السعودية رغم تصاعد ألسنة اللهب في سمائها، في ظلِّ عجز منظومات الدفاع الجوي عن التصدي لأبابيل اليمن ورفاقه، ليشكل الباتريوت خطراً على المواطنين بانفجاراته الفاشلة على رؤوسهم.

لم يكن ثمةَ حَـلٌّ أمام اليمنيين سوى العودة إلى دائرة الخيارات الاستراتيجية الكبرى، لدرء خطر الحصار الجائر الذي يتهدّدهم مع استمرار العدوان، في مرحلة تتعاظم فيها تجلياتُ النصر المبين بفتح مساحات واسعة شاءت إرادَة الله وعزائم الأبطال أن تعود إلى حضن الوطن بعد رزوحها لأيام تحت نير الاحتلال، ولعل أبرز ما توحي به رسائلُ توازن الردع الرابعة يكشف قيمةً معنويةً باستهداف حصن الدفاع الملكي وجهاز الاستخبارات وقاعدة سلمان، علاوة على كونها تعبّر بدقة عن عظمة الشعب اليمني الذي يعرف أين يقصف؟ ومتى؟ ولا يخطئ التصويب.

وفي خضم الرابعة تكبد النظامُ السعودي ومن معه هزيمة نفسية مدمّـرة سقطت حيالها كُـلُّ هيلمانات العظمة، أما القيمة المادية فهي بالخسائر والتكاليف المترتبة عن تبعات العملية النوعية، ناهيك عن كونها تبشر بما هو أشد وأقسى باستمرار؛ وكونها ناتجة عن قدوم طائرات وصواريخ قطعت مئات الكيلو مترات، لتقضي على هيبة أنظمة الدفاعات الجوية الأمريكية.

واللافتُ هو استخدام سلاح جديد من طراز الصواريخ المجنحة طويلة المدى خلال العملية لم يكشف عنه بعدُ، ومع شدة وطأة العملية سمح تحالف العدوان بدخول بعض قاطرات النفط من المنافذ البرية، إلّا أن رفع الحصار وإيقاف العدوان يظل هدفنا، وللسعودي ومن يقف وراءه أن ينقذوا أنفسهم ويوقفوا عدوانهم، لا أن ينتحروا بمغبة جرائمهم بحقنا، فنحنُ -بفضل الله- من يملك زمام المبادرة، ومن سينهي تحالف الشر وأنظمة الاستكبار، ولا عدوان إلّا على الظالمين.