نائب وزير الخارجية حسين العزي يسرد الرواية الرسمية ويؤكّـد صحةَ ما نشرته صحيفة “المسيرة”:
صنعاء تكاشف العالم بتفاصيل مِلف السفينة “صافر”: الأمم المتحدة سبب استمرار الأزمة
المسيرة | خاص
ما زالت الأممُ المتحدة مصرةً على ملازمة حالة “الانفصام” في موقفها من أزمة السفينة “صافر”، حيث تتصرَّفُ على الواقع بسلبية متعمدة وفاضحة لإطالة أمد الأزمة، فيما تظهر في تصريحاتها مطالِبةً بتسريع وضع حَـلٍّ للازمة وتحاول إلصاق تقصيرها بصنعاءَ، في محاولة مستمرة لاستخدام القضية كورقةِ ضغط لصالح تحالف العدوان ورعاته بشكل مكشوف، وبالمقابل، لا زالت صنعاءُ تواجهُ هذا الانفصامَ الأممي بالحقائق التي يبدو أن المنظمةَ الأمميةَ ومن وراءها واشنطن لا زالتا عاجزتين عن مواجهتها إلا بالمزيد من الضجيج الإعلامي، على قاعدة أن “تكثيفَ الأكاذيب يستطيع أن يحل محل الحقيقة”!
في مستجدات هذا المِـلف، أعلنت وزارة الخارجية بصنعاء، أمس السبت، الروايةَ الرسميةَ الكاملةَ للأزمة، وكشفت عن معلومات جديدة بخصوصها، فيما أكّـدت صحة المعلومات التي نشرتها صحيفة المسيرة قبل أَيَّـام، حول انحراف الأمم المتحدة عن مهمة صيانة وتقييم السفينة “صافر” بعد موافقة صنعاء على إرسال فريق الخبراء الذي لا زال مجهولاً، وكشفت أَيْـضاً عن معلومات جديدة تدين الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحصار على ميناء الحديدة، وأرسلت عدةَ رسائلَ “إنذارية” لتحالف العدوان والمجتمع الدولي بخصوص استمرار هذا الحصار.
وقدّم نائبُ وزير الخارجية، حسين العزي، خلال مؤتمر صحفي عقده، أمس، عرضاً موجزاً لحقائق الأزمة منذ بدايتها، حيث أكّـد على أنه منذ العام 2016، إلى منتصف 2019 “كان أكبر ما يهدّد السفينة هو تراكم الغازات التي تشكل ضغطاً هائلاً على جدران السفينة وعلى بنيتها، وكان الأمر يحتاج إلى تسهيل دخول المازوت، لكن هذا لم يحدث، بل كان هناك تعنُّتٌ كبير، ولم يسمح العدوان بدخول السفينة”.
وكانت صحيفةُ المسيرة قد استعرضت بالوثائق، منتصف يوليو الفائت، ما يثبت قيام تحالف العدوان بمنعِ السفينة التي كانت تحمل المازوت المخصص لصيانة خزان “صافر” عام 2016، بالرغم من أنه كان قد سمح بدخولها في البداية، الأمر الذي شكّل بالفعل الخطوة الرئيسية لصنع الأزمة.
وأكّـد العزي أن “صنعاء لم تدخر جُهداً في مخاطبة العالم، وطرقت كُـلّ الأبواب، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، والمجتمع الدولي، وعبر أشكال متعددة، وبخطابات رسمية (نشرت الصحيفة بعض وثائقها أيضاً) كما تم إثارةُ القضية في كُـلّ اللقاءات السياسية والدبلوماسية”، مُشيراً إلى أن “صنعاء كانت خلال هذه الفترة هي الطرف الوحيد الذي يتحدث عن سفينة صافر”.
وقال العزي: إنه وبعد كُـلّ ذلك التجاهل، بدأت الأمم المتحدة و”الأطراف الأُخرى” بتقديم “صورة غير دقيقة، وغير صحيحة” عن الأمر، لتدخل الأزمة في مرحلتها الثانية “من منتصف 2019، إلى يوليو الفائت”، حيث وجدت صنعاء أولَ استجابة للمناشدات التي استمرت ثلاثَ سنوات، وجاء ذلك من قبل جهة وحيدة هي المبعوث الأممي مارتن غريفيث، وكان ما حدث بعد ذلك هو بحث موضوعين معه “الأول موضوع السفينة صافر، والآخر موضوع احتجاز السفن حيث أن اتّفاق السويد نصر صراحة على عدم اعتراض السفن وتسهيل دخول البضائع إلى ميناء الحديدة لكي لا يتحول البحر الأحمر إلى ساحة حرب”.
الأممُ المتحدة تخالفُ ما تم الاتّفاقُ عليه
بعد ذلك، كشف العزي أن صنعاء “اتفقت مع الأمم المتحدة على جزئيتين: الأولى إرسال فريق خبراء مع كافة معداتها لصيانة الخزان صافر، والثانية إرسال فريق (أنفيم) إلى ميناء الحديدة للحد من القيود المفروضة على دخول السفن”، مُشيراً إلى أنه “مكتب المبعوث كان يركز على موضوع التقييم فقط فيما كانت صنعاء تصر على التقييم والصيانة معاً”.
وَأَضَـافَ أن الأممَ المتحدةَ “تراجعت عن الاتّفاق وكانت أول نقطة في هذا التراجع هي رفضها إرسال فريق أنفيم إلى الميناء”، الأمر الذي يمثل دليلاً إضافياً على تورط الأمم المتحدة في الحصار المفروض على سفن الغذاء والنفط، وهو ما يلتقي مع تصريحات “غريفيث” قبل أسابيعَ التي أقر بها بمشاركته في منع وصول السفن إلى ميناء الحديدة.
وفيما يخُصُّ السفينة “صافر”، أكّـد العزي أن الأمم المتحدة تنصلت أَيْـضاً عن ما تم الاتّفاق عليه، آنذاك، برغم أن صنعاء كانت قد أصدرت تأشيرات دخول الفريق الأممي في أغسطُس 2019″، واستمر الأمر كذلك حتى مطلع يوليو الفائت ليدخل الأمرُ مرحلةً جديدة عندما “طالبت صنعاء مجدّدًا بإرسال فريق الخبراء على وجه السرعة للقيام بمهمته الواضحة والمحدّدة والمتفق عليها وهي إصلاح السفينة صافر بما يحول دون تسرب نفطي وشيك، وجاء الرد في منتصف الشهر بإرسال أجندة الفريق الفني، ولكن بعد الاطلاع عليها، وجدنا المهمة الأممية مغايرة لما تم الاتّفاق عليه”.
وَأَضَـافَ أن “الأجندة الأممية لم تكن معنيةً بالصيانة وإطالة عمر السفينة”، مُشيراً إلى أن المبعوث نفسه وجد “مخالفة جسيمة”، حيث “أصرت الأمم المتحدة على الزيارة الشكلية للسفينة وتمسكت بالفصل بين أعمال التقييم والصيانة وأصرت على إرسال الفريق للتقييم فقط”، مُشيراً إلى أن “فريق صنعاء الفني قدم جملة ملاحظات بخصوص المهمة الأممية، والأمم المتحدة أدركت أهميتها”.
هذه المعلوماتُ تؤكّـدُ صحةَ ما نشرته صحيفة “المسيرة” قبل أَيَّـام حول تخلي الأمم المتحدة عن المهمة المتفق عليها، واستبدالها بأُخرى مشبوهة وغير معلنة، وكشفت الملاحظات المقدمة من صنعاء أن المهمة الأممية تجاهلت معظم الأجزاء والمنظومات المهمة في السفينة، بما في ذلك تلك الأجزاء المتضررة التي باتت جزءا رئيسيا من المشكلة.
لكن نائب وزير الخارجية كشف المزيدَ عن طبيعة المهمة الأممية البديلة، حيث أوضح أن “الزيارة الأممية الشكلية للسفينة كان غرضها توفير غطاء لرفع تقرير معد مسبقًا، لا يتضمن حتى التقييم”، الأمر الذي يؤكّـد مجدّدًا على أن الأمم المتحدة تتعامل مع الأمر كمكسب سياسي تريد تقديمه لتحالف العدوان ورعاته في الغرب، على المكشوف.
ومع ذلك، يؤكّـد نائب الخارجية استمرار صنعاء في جهودها لحل الأزمة بشكل جاد، حيث أعلن عن “تسهيل التأشيرات للفريق الأممي، والتي من المفترض أن تصلهم اليوم (أمس السبت)”، كما أكّـد على مطالبة صنعاء بـ”بعض المعدات لإجراء الإصلاحات اللازمة”.
وكشف العزي أَيْـضاً أن صنعاء خاطبت “السويد وروسيا والصين بخصوص السفينة” بعد أن “لمست التباطؤ الأممي، مُشيراً إلى أن “هذه الدول “استجابت لكن اشترطت مشاركة أممية”.
رسائلُ إلى واشنطن والمجتمع الدولي
بعد توضيح تفاصيل الأزمة وتثبيت حقائق تورط الأمم المتحدة وتحالف العدوان ورعاته في صناعة المشكلة منذ البداية وحتى الآن، وجّه نائب وزير الخارجية عدة رسائل مباشرة، للمجتمع الدولي بخصوص السفينة، وبخصوص الحصار أَيْـضاً.
إحدى تلك الرسائل وُجِّهت لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ ردًّا على تصريحات التي حاولت استغلال أزمة السفينة صافر، حيث أكّـد العزي أن “الأمريكيين هم آخر من يزايد على صنعاء بخصوص الخزان العائم؛ لأَنَّ واشنطن شريكة في قتل الشعب اليمني وتدمير مقدراته والأفضل لها أن تخرس”.
رسالةٌ تؤكّـد على عدم خضوع صنعاء لمحاولات الابتزاز الأمريكية بخصوص “صافر” الذي باتت واشنطن تكثّـف ضجيجها الإعلامي بخصوصه على أمل إيجاد مدخل لتوظيفه كورقة ضغط ضد صنعاء.
والرسائلُ الأُخرى وجّهها العزي لمجلس الأمن مطالباً إياه بالأخذ بالحقائق التي قدمتها صنعاء و”إعادة النظر تجاه اليمن، والانفتاح على صنعاء والاستماع لوجهة نظرها”، مُشيراً إلى أن “مجلس الأمن مطالب باحترام الشعب اليمني وخياراته، وعليه اتِّخاذ قرار ينتصر لاتّفاق السويد من خلال فتح مطار صنعاء ورفع القيود على سفن النفط والغذاء”.
إنذار: استمرارُ الحصار سيحوّل “البحر الأحمر” إلى ساحة مواجهة
كما وجّه نائبُ وزير الخارجية رسالةً شديدة اللهجة لتحالف العدوان والأمم المتحدة والمجتمع الدولي على حَــدٍّ سواء، بأن “الشعب اليمني لن يستمر برؤية سفن العالم تجوب البحر الأحمر بحرية، فيما موانئه محاصرة وسفنه محتجزة”، وأن اليمنيين “لن يصبروا على الاستخفاف بمعاناتهم وإجراءات الحصار المفروضة عليهم تعطيهم الحق بتحويل البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة”، مُشيراً إلى أن “الحفاظَ على السلامة البحرية يُحسَبُ لقيادة الثورة، وليس لأحد آخر”.
رسالةُ إنذار واضحةٌ تكفي للتأكيد على أن مسار استغلال أزمة السفينة “صافر” واستمرار الحصار على اليمن، لن يقودَ تحالف العدوان ورعاته إلى أية نتيجة يأملونها؛ لأَنَّ خيارَ “القوة” لا يزال بيدِ صنعاء، وهو خيارٌ كفيلٌ بقلب الطاولة في البحر الأحمر الذي من شأنِ معركته أن تغيِّرَ الموازينَ في المنطقة بكلها، وليس في اليمن فحسب.