تحكمُها السفاراتُ لولا حزب الله
محمد بن دريب الشريف
سمعنا مَن يطالب بإعادة الانتداب الفرنسي عند زيارة ماكرون لبيروت، لكن ماذا لو عاد الانتداب الفرنسي على لبنان وبمعناه الحقيقي؟! ماذا يمكنُ أن يتغيرَ في الواقع اللبناني المأزوم؟!
في الواقع أنه لا تزال هنالك وصاية على أغلب الأحزاب اللبنانية، وهذا نوع من الانتداب بل هو أخطر أنواع الانتداب والوصاية!.
بل إن الانتدابَ ليس محصوراً على السيد الفرنسي، فهنالك أكثرُ من طرف دولي له وصايتُه الواضحة والصريحة على معظم الأحزاب والمكونات المؤثرة في الساحة اللبنانية ولم ننسَ ما جرى لرئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، من حبس مُذل وإقامة جبرية في الرياض قبل عدة شهور في سابقة هي الأكثر فظاعة في التاريخ الدبلوماسي والسياسي العربي.
باختصار لولا تدخُّلُ الأطراف الدولية في الشأن اللبناني وخُصُوصاً الدول الغربية وفرنسا وأمريكا بالتحديد لَمَا وصل الحال إلى هذا الحد من التأزم والصراع السياسي في ظل تربص إسرائيلي بالأمة اللبنانية الحرة ومحاولات مستميتة لاحتلال أكبر قدر ممكن من الأراضي اللبنانية وفرض الوصاية على السلطات المختلفة.
الشعب اللبناني يعي جيِّدًا ماذا يعني الانتداب وما هي آثاره على الأمم والشعوب التي تعيشه، وهو في تقديري أكثر الشعوب العربية وعياً بهذا الخطر المميت للكرامة والحرية والاستقلال وحتى الاقتصاد والتنمية؛ لأَنَّ لديه تجربةً سابقة مع هذا النوع من المخاطر وما يزال في صراع وحرب مستعرة مع الكيان الصهيوني الذي يريد احتلال أراضيه وما يزال أبناؤه في الثغور حاملين سلاحهم في وجه هذا الكيان القذر.
ومن ناحية أُخرى ربما قد يقال إن الانتدابَ الفرنسي ليس كغيره من الانتدابات الغربية من ناحية ظهور السطوة ووضوح الحاكمية وَأَيْـضاً وضوح التبعية والانقياد الساذج في المتبوع وهذا يعود للدبلوماسية الفرنسية المتبعة التي يحاول صانعوها أن تكون وصايتهم على البلدان عبر رؤساء الأحزاب والمكونات السياسية، وبهذا تضمن استمرار وصايتها حتى في ظل التغيرات السياسية وتعاقب السلطات، هذا من جانبٍ ومن جانب آخر تضمن تنفيذ أجندتها ومخطّطاتها مع القدر الأدنى من السرية وعدم إثارة النزعات القومية والتذمر الشعبوي.
والخلاصةُ أنه لا يمكن لإنسان سويٍّ يتمتعُ بالصحة العقلية أن يدعو المحتلّ لأرضه وبلاده ويطالب طرفاً ما بسلب حريته وامتهان كرامته، وفوق ذلك يتبرع له بموارد وخيرات بلده ويتطوع لقتل نفسه ومستقبل أجياله كما هو الحاصل من هؤلاء المعاتيه وخدام السفارات.
وما حدث عند زيارة ماكرون من دعوات للانتداب وإعادة الوصاية الفعلية على لبنان من قبل مجموعة من المأفونين كان يفترض أن يستنهض من تبقى من الأحرار في دهاليز السلطات المختلفة ويدعوهم لتشكيل لجنة تحقيق بدعوى الخيانة الوطنية أَو على الأقل ملاحقة تلك العناصر المريضة أمنياً والوقوف التام على مصدر هذا الوباء الخبيث الذي تفشى وعم بعض أرجاء بيروت في شكل مظاهرات وشغب وخروج على القانون ودعوات لإحراق العاصمة اللبنانية من جديد.
فلا شك أن تلك الدعوات الساقطة كانت بإيعاز من إحدى السفارتين إما الإسرائيلية أَو الفرنسية، ولا شك أَيْـضاً أن تلك الدعوات كانت بمثابة إذكاء جَمْرة الفلتان والخروج العشوائي والتخريب وعدم الاستقرار ليتحقّق لماكرون وحلفاؤه الصهاينة غرضه في فرض وصايته المطلقة وبسط يده على لبنان وقدومه لمحاربة حزب الله وحلفائه الوطنيين في ثوب المخلص والمنقذ للشعب اللبناني من الفوضى التي هي في الواقع نتاج سياسته وسياسة البيت الأبيض والكنيست الإسرائيلي الطامع منذ سنوات.
وعلى كُـلِّ حال ومع فرضية أنه ليس لفرنسا أيُّ يد في الفوضى التي تحدث في لبنان منذ سنوات ماذا بإمْكَانها أن تُقدم للشعب اللبناني؟؟!!
وماذا قدمت فرنسا للشعوب التي هي تحت طائلة سطوتها ووصايتها المطلقة؟!!
إذ لا يخفى على أحد أن معظم الدول الأفريقية ترزح تحت أنقاض الوصاية الفرنسية وانتداب الإليزيه، وفي المقابل ما تزال معظم هذه الشعوب تعتاش من لحاء الأشجار والثعابين والسباع لشدة المجاعات والفقر والبؤس والحرمان وانعدام كُـلّ مظاهر التنمية والخدمات.
برغم أن هذه الشعوب المغلوبة على أمرها تنام على أفضل مناجم الذهب والألماس وأثمن المجوهرات على مستوى العالم والنفط والغاز والأنهار والأغوار والخيرات الوفيرة التي يتنعم بها الساسة في فرنسا وعلوج البيت الأبيض الأمريكي.
ختاماً.. وجودُ جزب الله في لبنان بما يمثل من قوة سياسية وعسكرية وأمنية والمشاركة الفاعلة في السلطة ضامنٌ حقيقي لمستقبل حر وعزيز للبنان وضمان لقرار سيادي واستقلال تام، ولولا كفاحه ونضاله وجهاد قياداته وأفراده ووقوفهم التام مع المصلحة الوطنية في كُـلّ الظروف والأحوال لعاشت لبنان الوضع نفسه الذي تعيشه فلسطين المحتلّة..