هدية الشرق
رأي الله الأشول
ليست بالجديدة أَو المفاجئة، بل قديمة العهد ومتوقعة وكانت منتظرة، الخطوة الإماراتية الوقحة والمتمثلة بتوقيع الاتّفاق العلني مع إسرائيل.
فالاعترافُ بالكيان الصهيوني والتطبيعُ معه تم منذ زمن ولا جديد هنا إلَّا أن إحدى حلقات الخيانة بُثَّت على الهواء مباشرةً أمام العالم والناس، العرب وغير العرب، المسلمين وغيرهم، الصهاينة المبتهجين والفلسطينيين الحيارى، لقد أحاط جميع الأشهاد بواقعة العار وكيف أن الخجل من الظهور بذلك المشهد الدنيء قد غادر ذلك الأعرابي الحقير بمُجَـرّد لقائه أخاه بنيامين ومد يد تدمير الأُمَّــة العربية والإسلامية لمصافحة مدمّـرها معلناً بذلك تجنده وأجندته لخدمة الصهاينة والأمريكان.
إن لاتّفاق العار مصالح ومكاسب ونتائج مثمرة، سياسية وإعلامية واستراتيجية، للكيان وأمريكا، فبنيامين ودونالد ضربا بحجر الاتّفاق عدداً كَبيراً من العصافير على أكثرَ من صعيد، فيما رمت الإمارات شجرة القومية العربية والقضية الإسلامية وأوقعت بنفسها، حيث أنها تعد الحلقة الأضعف عسكريًّا في سلسلة الحلف الصهيوأمريكي العالمي، وفي حال نشبت الحرب الشاملة في المنطقة أَو استمرت حرب اليمن فإن هذه الدويلةَ ستكونُ كبشَ الفداء ولن يكلف سحقها الكثير بالنسبة لأنصار الله أَو محور المقاومة.
ثم إن الإمارات بتطبيعها العلني وارتمائها الغبي تهرب إلى الأمام، فهي تجلب على نفسها ويلات العداء من كثير من الشعوب العربية والإسلامية، وهي بهذه المغامرة تكشف عن نفسها كمتبنٍّ للمؤامرة وما بين جرأة المغامرة وبشاعة المؤامرة الكثير من الحسابات الخاسرة، وهذا ما يؤكّـده المجرى الطبيعي للأمور وما تؤكّـده حقائق التاريخ، حيث لم يسبق لأي نظام من المنبطحين والمتآخين مع أمريكا وإسرائيل أن نجا من العاقبة السوداء، فمُجَـرّد انقضاء المصلحة المشتركة مع ذلك النظام ينقضي السلامُ فيه ومن أين سيبقى للإماراتيين من سلام وقد حشرهم حكامُهم بين خيارَين أحدهما أمرُّ من الآخر، فإما مواصلة التطبيع والارتهان بما يجلبه ذلك من السخط العربي الإسلامي والضربات الموجعة جِـدًّا والمؤلمة للإمارات الهشة من قبل المعادين لقوى الاستكبار، وخَاصَّة اليمنيين الذين رأوا أن أبو ظبي ودبي و… أصبحت منذ اليوم مدناً صهيونية.
وإما أن تحاول الإمارات العودةَ عن قرار التطبيع بعد تبينها من فداحة ما أقدم تهور قيادتها عليه فيصنع بها أصدقاؤها ما صنعوه بالعراق وليبيا قبلها.
وكذلك فإن توقيت ارتمائها بالأحضان المنهكة سيء جِـدًّا فترمب ونتنياهو بأسوأ حالاتهما السياسية والعسكرية فلا يكادون يتعافون من صدمة هنا إلَّا وأعقبها ارتطام هناك وإلا لما لجأوا وراهنوا على معانقة والقبول بهكذا حليف ضعيف، لكن الغاية من الاتّفاق ليست عسكرية فالإمارات أضعف من أن يعول عليها كيان واهن عاجز مرهق يحتاج لتحالفات قوية وخبيرة في الحروب لمساعدته في أية حرب مرتقبة أمام خصوم أقوياء وشجعان وحيويين تتنامى قوتهم يوماً بعد يوم إلَّا وهم أطراف محور المقاومة، وعليه فإن الدعم المعنوي والسياسي والإعلامي هو الهدف الرئيسي من الاتّفاق وله شقين الأول خاص (محلي) بنتنياهو وترمب أي حزب اليمين الصهيوني والحزب الجمهوري فنتنياهو في وضع لا يحسد عليه حيث أن مِلفات فساد سياسي واقتصادي كانت سبباً في تأزيم وضعه الداخلي وتصاعد وتيرة الاحتجاجات وموجات الشغب لمتظاهرين معارضين لسياسة حزب اليمين الذي يترأسه وعليه فإن اتّفاق العار سيمنحه جرعة سياسية كبيرة تخفف عنه أحماله وتقربه من مواصلة قيادته للحكومة الإسرائيلية، وليس ترمب أقل حظاً من صديقه الصهيوني، فتوقيت الاتّفاق يكسبه الكثير على طريق الظفر بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الأمريكية القادمة والتي يواجه فيها خصماً شرساً ليس من السهل تجاوزه إلَّا وهو المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وتمخض عن التطبيع المعلن مكسب آخر عام (دولي) وله فائدة كبيرة لإسرائيل بالذات ففي الوقت الذي تناهض فيه الكثير من الأنظمة والمنظمات والحركات الغربية ما يمارسه العدوّ الصهيوني بحق الفلسطينيين يحصل الإسرائيلي على هدية مجانية من الشرق وممن يفترض أنهم إخوة خصومه وأول المتصدين لمشاريعه فتصاغ الهدية الشرقية في شكل رسالة يبعثها نتنياهو ومعه ترمب لكل معارضيهما في الغرب والعالم ومفادُها “كفاكم دفاعاً عن فلسطين ولتتوقفوا من اليوم عن نقد سياستنا التوسعية وخطة الضم وصفقة القرن فالعرب قد قبلوا بنا وتنازلوا لنا عن قضيتهم وأعطونا حق ملكية فلسطين أرضاً وشعباً”.
وذلك سيبرّر سكوت الأمم المتحدة وتغاضي المجتمع الدولي عن ما ستنتهجه قوى الاستكبار في المنطقة مستقبلا فمن ظلمه أهله لن ينصفه الناس وعلى كُـلّ حال فان الغرب والذي يجري خلف مصالحه لن يكون أنفع للفلسطينيين من اخوتهم العرب وهنا تكمن أخطر نتائج التطبيع فكيف لإخوة عدوك الغرباء أن ينتشلوك من حفرة زجك إخوتك فيها.
أيضا يثير اختيار إسرائيل لتوقيت الاتّفاق تساؤلات عديدة حول النوايا الحقيقية من ورائه وما إذَا كانت التوترات الإقليمية الأخيرة سرعت من إعلان الاتّفاق وتدويله خَاصَّة ما يتعلق بالمجلس الانتقالي بجنوب اليمن والذي تموله وتشرف عليه بشكل مباشر دويلة الإمارات وتحَرّكاته المشبوهة بالتوسع جنوب وشرق اليمن لإحكام السيطرة على محافظة المهرة شرقا وجزيرة سقطرى الاستراتيجية أقصى الجنوب فمن المؤكّـد وجود تشابُكٍ جوهري بين أطماع الإمارات وما تقدم عليه مليشياتها الانتقالية وبين المصالح الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية ولا سيما الأطماع التجارية وتأمين الطريق البحري الممتد من بحر العرب مُرورًا بالبحر الأحمر وُصُـولاً لميناء ايلات لضمان عبور السفن التجارية الإسرائيلية المصدرة والمستوردة بأمان وكذلك التخلص من القلق حول خطورة سيطرة القوات اليمنية المعادية لإسرائيل على باب المندب واستخدامه فيما يضر بالكيان الصهيوني اقتصاديا وعسكريًّا وما زاد من تأكيد ذلك هو محاولة مليشيات الإمارات التقدم نحو الحديدة وتفجير الأوضاع في تعز بغية وضع قدم للإمارات ومن خلفها إسرائيل في مضيق باب المندب.
ومهما تكن الأهداف والغايات والأطماع وكيفما كانت نتائج التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني وبصرف النظر عن ماهية المطبِّعين القدماء وهُوية الجدد أَو عددهم فإن ذلك لا يبطل من الحق شيئاً ولا يحق في الباطل شيئاً، إلَّا أن في ذلك حسافة على أقوام ودويلات تمضي عنجهيتها بها من الاستقرار إلى الهاوية وتدخل نفسها بحلقات صراع هي في غنى عنها ليس لشيء إلَّا خدمة لوحشية الامبريالية العالمية وماكنة الموت والإجرام الصهيوأمريكية، وأُولئك الأعراب الملاعين بتطبيعهم الغادر إنما يغادرون باب العروبة والإسلام ويطرقون باب حيفا فتفتح لهم أبواب السلام الوهمي مع أعداء السلام وكل ذلك بمفتاح ضحل يسمونه في قاموس الحياة (الاستسلام).