سقوطُ “منظمة الأمم” في اليمن
سند الصيادي
لم يتنصلِ المبعوثُ الأممي البريطاني إلى اليمن عن الاتّفاقات التي رعاها والتعهداتِ التي قطعها للشعب اليمني هكذا من تلقاء نفسه، فمتى كانت أصلاً الاتّفاقاتُ والعهود التي قطعتها الأمم المتحدة للشعوب المظلومة نافذة وَمجديةً؟!، فديدنُ هذه المنظمة وَمناخها الملائم للبقاء هي الحروب والصراعات والبكاء المفتعَل على تفاقم المعاناة الإنسانية.
وبعد أن سعت لنيل رضا الدول القوية وَمغازلة ملوك وأُمراء النفط على حساب الإنسانية، بإسقاط القاتل من قائمة العار وتبييض صفحته بما يتيح له متنفساً لاستمرار جرائمه دون رادع، فإِنَّ الحديثَ عن مضيها قُدُماً باتّجاه تحقيق أي انتصار أخلاقي يحسب لها أصبح مدعاةً للسُّخرية والتهكم، والشواهد كثيرة وَمِلف الأسرى وَالمِلف الاقتصادي وَاتّفاق الحديدة، وَالحصار المستمر لأهالي الدريهمي وَحصار الشعب كله بالقرصنة على المشتقات النفطية قد أكّـدت على أن هذه المنظومة الأممية قد فشلت تماماً في مهامها المعلنة في اليمن، فلا ساهمت سياسيًّا في صنع السلام ولا أغاثت إنسانياً الشعبَ اليمني المحاصَرَ دون شروط وإملاءات سياسية يفرضها تحالف العدوان.
إنَّ الصورة المشوهة -بقليلٍ من الوعي والتأمل- تزدادُ وضوحاً مع تماسك الشعب اليمني وَاستمرار صموده في كافة جبهات المواجهة، وهو ما سبَّبَ إرباكاً لقوى العدوان دفعها للاستعانة المباشرة بالأمم المتحدة وهيئاتها لزيادة الضغط على صنعاء، من خلال تقليص برامج المساعدات الشحيحة أصلاً، وَتبرير الحصار المفروض، ومحاولاتها الحثيثة لوقف الزحف إلى مأرب، بالتزامن مع انسحاب منظمات أممية من مهامها الإنسانية، ناهيك عن الدور المباشر الذي لعبته ولا تزال تلعبه الأممُ المتحدة في نقض اتّفاقية السويد وبما يمهِّدُ ويهيئُ مخطّطات العدوان إشعال الحرب في الساحل الغربي.
والحاصلُ أن ما لم يفلح به مفهوم التركيع لإرادَة الشعوب وَالإمْكَان منها ومن قرارها وَمقدراتها بالقوة العسكرية بفضل بسالة ووعي الإرادَة الشعبيّة، تتكفل به الأمم المتحدة بأوراقها المنطوية تحت مفهوم الإنسانية، حقيقة قائمة منذ بداية تأسيس النظام الدولي الجديد الذي تعد هذه المنظمة أحد معطياته.
غير أن هذه الحقيقة لم تكن سهلة المنال في الوصول والحصول عليها وَإقناع الشعوب المستضعفة بها دون أن تحدث جدلاً ما بين مؤيد وَمعارض، بناء على التجريف الممنهج لهذا الوعي، وكذلك السياسة الناعمة التي تنتهجها هذه المنظومة في تقديم نفسها للشعوب كحمامة سلام، وَلطالما ظلت تضلِّلُ الوعي الإنساني بهذه المزاعم.
وليست بالهيِّنة تلك الانتقاداتُ اللاذعة والشجاعة التي تصدر من صنعاء تباعاً حول الموقف الأممي المشبوه في الصراع الحادث، والدعوات المتكرّرة لهذه المنظمة إلى الحياد بعد أن زادت حدةُ الانحياز وضوحاً.
لقد كان لليمن الثائر كلمةُ الفصل في إسقاط كُـلّ الأقنعة من على وجوه حكام وأنظمة المنطقة بتعرية مخطّطاتهم وَبشاعة إجرامهم وَهشاشة جيوشهم وَمرتكزات دولهم وَحجم ارتهانهم للخارج، كأدوات مسيَّرة لا تملك حولاً ولا قوة، كما كان لليمن المظلوم والمعتدى عليه براءة الكشف عن ما ظل خافياً في دهاليز صُنَّاع القرار الأممي، ومنظماته التي لطالما تعاطت مع مفهوم الإنسانية والسلام كسوقٍ رائجة للتكسب والابتزاز وَنفاذ المؤامرات بأقل الخسائر.
وأياً يكن حجمُ الصعوبات وَالتحديات الني نواجهها بهذه المصارحة، فإِنَّ الحالة اليمنية في مجملها قد أَدَّت إلى خسارة هذه المنظمة لما بقي لها من ثقة لدى شعوب وحكومات العالم، وأذنت ببدء العد التنازلي لانهيار عروش المنظومة الدولية الصهيوأمريكية وأدواتها في المنطقة العربية.