استراتيجيةُ القضاء على التنظيمات التكفيرية في اليمن
عبدالقوي السباعي
إنَّ الاستراتيجيةَ السابقة التي كانت تشتركُ فيها الكثيرُ من الأنظمة في محاربة التنظيمات التكفيرية، لم تؤدِّ إلى القضاء عليها، فمثلاً نجدُ الدولَ التي سعت للقضاء على القاعدة لم تقضِ عليها بل عملت على انتشار معتنقي الفكر القاعدي في أماكنَ أُخرى بعد أن كانوا محصورين في أفغانستان –وكأنَّهُ تكتيكٌ أُريد لهُ ذلك–، بمعنى أن عناصرَ تنظيم القاعدة استطاعت أن تتكيفَ مع أوضاعها الجديدة، واستمر في العمل وممارسة العمليات الإجرامية في أنحاء مختلفة من العالم بما في ذلك اليمن، وقد تولدت منها العديدُ من الأذرع المنفصلة والمستقلة، حتى وصل بها الأمرُ إلى أن يُكفِّر بعضُها بعضاً.
في اليمن، وقبل قيام ثورة 21 سبتمبر 2014م، كان لهذه التنظيمات أنشطتُها الإجرامية المختلفة في عموم محافظات الجمهورية والتي لا يسعُ المجال لحصرها، فمثلاً (ذبح الجنود في حضرموت وشبوة وتفجير المساجد في صنعاء بدر والحشحوش وحادثة ميدان السبعين وميدان التحرير ومستشفى وزارة الدفاع في العرضي… إلخ)، وهي الاستراتيجيةُ الخلَّاقة التي كانت تعتمدها القوى الداعمة للإرهاب العالمي لفرض حالةٍ من الفوضى وعدم الاستقرار في الدول التي ظلت تنهب خيراتها وتتقاسم ثرواتها وتنتهك سيادتها، الأمر الذي أدركته ثورة 21سبتمبر منذُ الوهلة الأولى، فعمل الجيشُ واللجان الشعبيّة على تجفيفِ منابع تلك الجماعات ودحرها من مختلف مناطق سيطرتها.
فجاء يومُ 26 مارس 2015م انتقاماً من هذه القوة الثورية الصاعدة التي استطاعت وفي فترة وجيزة أن تجعل مناطق تواجدها خالية من كُـلّ الأدوات الخَاصَّة بقوى الهيمنة والاستغلال العالمي، فلا غرابةَ أن يُعلن العدوان على اليمن من أمريكا وعلى لسان السعودية، فظلت تلك الجماعات تتأهب وتستجمع قواها وتبسط نفوذها في مناطقَ متفرقة ومحاذية لسيطرة الجيش واللجان، وإن كان ذلك يتم بكفاءةٍ ووتيرةٍ أقل عما كان عليه الأمر من قبل، رغم أنها تحت غطاءٍ يبرّرهُ تحالف العدوان.
في هذه الأثناء تبنّى الجيشُ اليمني واللجان الشعبيّة استراتيجيات حربية على تلك الجماعات التكفيرية، في إطار استراتيجية الدفاع العام والتصدي والمجابهة لقوى العدوان ومرتزِقته في مختلف الجبهات، ويمكن أن نفرز تلك الخطط في إطار استراتيجية قائمة على دعائم أَسَاسية، وإن كانت الاستراتيجيات هذه وبشكلٍ عام اتخذت عناوينَ مختلفة أَو اختلفت فيما بينها في تحديد الأولويات، والتي تتمثل بالدعائم السبعة لاستراتيجيات الحرب على أدوات العدوان من الجماعات والتنظيمات التكفيرية خلال هذه الفترة وهي كما يلي:
– توجيه ضربات عسكرية مباشرة واقتحامات خاطفة على المواقع التي كانت تحتمي فيها الجماعاتُ التكفيرية (مراكز القيادة – معسكرات التدريب – مستودعات التموين والذخيرة – مراكز التصنيع للمتفجرات) وإجبارها على ترك مناطقها وإضعاف قدراتها القتالية ومنعها من تحقيق إمْكَانية شن عمليات عدائية ضد الجيش واللجان أَو مناطق سيطرتها.
– الرقابة على موارد التسليح ومنع وصول الأسلحة إلى تلك الجماعات وحرمانها من الاستفادة من الدعم اللوجستي لتحالف العدوان ومن انشغال الجيش واللجان ضد أدوات العدوان الأُخرى.
– فرض القبضة الأمنية الحاكمة والرقابة المستمرة على التمويل، ومحاصرة منابع التمويل التي كانت تباشرهُ منظمات أمريكية ودولية تحت ستار الأعمال الإنسانية، وتتبع التحويلات المالية ومحاولة إجهاضها أَو عدم وصولها إلى الأفراد والجماعات المشتبه في قيامهم بأعمال تخريبية أَو على علاقة بتحالف العدوان ومرتزِقته.
– الاستفادة من التقنيات المتطورة في تتبع الاتصالات المشبوهة والمتورطة، والنفاذ إلى أنظمة الاتصال الداخلي في الجماعات التكفيرية؛ بقصد الحصول على المعلومات التي تكشف مختلف التحَرّكات، والكفيلة بإجهاض العمليات الإرهابية قبل وقوعها.
– نشر الوعي المجتمعي بين الأوساط القبلية المناهض لفكرة تجنيد الأفراد للالتحاق بهذه التنظيمات التكفيرية، وخُصُوصاً مع تصاعد نسبة العمليات الإجرامية التي يقوم بها مسلحو تلك المجاميع ضد المواطنين من أبناء القبائل داخل المناطق المنتشرة فيها، الأمر الذي جعل من تحالف العدوان يسهّل عمليات استقدام مقاتلين أجانبَ؛ بحجّـة الجهاد من جنسيات مختلفة، عبر المطارات والمنافذ التي يسيطر عليها.
– إحكام الرقابة على التنقلات وعلى حركة الأفراد المشتبه في صلتهم المباشرة بالعدوان وأدواته وتفعيل دور الأجهزة المعلوماتية الاستخباراتية، والتي رغم افتقادها للتعاون والتنسيق مع حكومات أُخرى، إلاّ أنها غطت متطلبات عملها بكفاءةٍ عالية، فيما يتعلق بتنسيق جهودها في خدمة المجهود الحربي في جميع مستوياته.
– تنامي السُّمعة الطيبة والتجسيد الديني والوطني والأخلاقي الذي تمثلهُ الجيش واللجان، خلق علاقات وطيدة مع مختلف الفعاليات القبلية الرافضة لتلك للجماعات التكفيرية والتي عانت وتعاني منها الكثير من المآسي والويلات خلال تواجدها في مناطقهم.
وعلى ضوء هذا الفهم لمصدر القرار في القيادة اليمنية، لظاهرة الجماعات التكفيرية وتوزيعها في بعض المناطق، فإن استراتيجيات مكافحتها في نسختها الأولى اهتمت أَسَاساً وقبل كُـلّ شيء بمنع وصول التكفيريين إلى المناطق العصية على تحالف العدوان، وإضعاف قدرتهم على الوصول، وتتبع الأفراد والمنظمات الدولية المشبوهة تسليحاً وتمويلاً وإعداداً، والاستعداد دائماً للرد والتحَرّك السريع بكفاءةٍ عالية، على أية إمْكَانية تحاول أن تفرض واقعاً جديدًا لهم، في مناطق تواجد الجيش واللجان الشعبيّة كـ(فتنة ديسمبر بقيادة عفاش في صنعاء وأحداث حجور في حجّـة وعتمة في ذمار وردمان في البيضاء)، وتمكّنت من إخمادها وتوفير سبل الحماية الكافية للوطن وللمواطنين، وكما هي في حال حدوث اعتداءاتٍ إرهابية من خلال الدور الذي تضطلع به وزارة الداخلية عبر أجهزتها المختلفة، وقد استمر العمل على أَسَاس هذه المقومات لفترة كبيرة وما زالت، ولعل العملية الأمنية (فأمكن منهم) لاتزال حاضرةً في ذهنية الكثير.
ومما لا شك فيه أن تمكُّنَ مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة من إخماد فتنة عفاش ديسمبر 2018م –الذي كان يعتبر وسيطَ الدعم الأجنبي لتلك الجماعات– وفي بضعة أَيَّـام قد أفرز العديد من النتائج الهامة والمعلومات القيمة، التي أسهمت في تطوير الاستراتيجية وإخضاعها للمراجعة والتقييم؛ وذلك بقصد الاستفادة من معلومات ودروس المرحلة الماضية، وللتعديل بما يتكيف مع التطورات الراهنة في استراتيجيات الجماعات التكفيرية ذاتها، والتي عززت استراتيجيتها في نسختها الثانية القائمة على أَسَاس الهجوم والإغارة والتطهير الكامل، والتي أَدَّت بالنتيجة إلى تطهير مناطقَ بني عواض ردمان بالأمس القريب، واليوم مناطق (يكلا وقيفة) ومناطقَ مختلفة من مديرية ولد ربيع بالبيضاء من العناصر والتنظيمات التكفيرية الداعشية والقاعدية، والبقية سيأتي عليها الدورُ عاجلاً غيرَ آجل.