جحيمُ العدوان في البحر الأحمر.. الصيّادون والبيئةُ في الواجهة (ج 2 والأخير)
المسيرة- تحقيق // عباس القاعدي
لا تزال حياةُ الصيّادين اليمنيين محفوفةً بمخاطر البر والبحر؛ نتيجة الأضرار التي لحقت بهم جراء التعسفات الإماراتية التي منعت الصيّادين من الاصطياد في المياه الإقليمية، واعتقلتهم ونقلتهم لميناء عصب الإرتيري الذي تستأجره، ومنه إلى معتقلات السلطات الإرتيرية والسعودية.
ويقول وزيرُ الثروة السمكية، محمد الزبيري: إن الإمارات المحتلّة منعت وحرمت مليوناً وسبعمِئة ألف من الصيّادين اليمنيين الذين يعيشون في السواحل ويعتمدون على حفر الصيد، وألحقت بهم أضراراً كبيرة، ترتكز على جانبين.
الجانب الأول: الأضرار المترتبة على الصيّادين من العدوان الذي استهدف قواربهم في البحر ومنعهم من الاصطياد، حيثُ تصل الاستهدافات المباشرة إلى (83) اعتداءً، نتج عنها ما يقارب (271) شهيداً وَ(284) جريحاً واختطاف وسجن وتعذيب (1507) صيّادين.
وكذلك يصل عددُ الصيّادين الذين تأثروا أَو فقدوا مصادر دخلهم إلى (40,000) صيّاد، كما بلغ عددُ القوارب المدمّـرة بشكل كلي والتي تمكّنت وزارة الثروة السمكية من حصرها في سواحل محافظتي الحديدة وحجّـة (250) قارباً، حيث بلغت الكلفةُ الإجمالية للقوارب التي دمّـرت؛ بسَببِ الاستهداف المباشر لطائرات العدوان مبلغ (6,270,117) دولاراً.
أما عدد القوارب التي أوقفت نشاطها؛ نتيجة استهداف مراكز الإنزال بلغت (5,086) معظمها في مديرية ميدي بحجة ومديرية ذباب وباب المندب والمخاء بتعز، والتي تصل فاقد إنتاجها الى (2,375,178,140) دولاراً، وانخفضت الصادرات المعتمدة على هذا الإنتاج خلال الخمس السنوات من العدوان بنسبة 72,3 %.
أما الجانب الثاني فهو قصفُ الصيّادين في مناطق الاصطياد في عرض البحر، وفي الجزر اليمنية وفي قراهم، كما تم قتلُ العديد من الصيّادين وتدمير قواربهم، وارتفاع أسعار مدخلات ومستلزمات الإنتاج جراء الحصار الجائر ومنع المشتقات النفطية الذي أثر بشكل كبير على قطاع الصيد وتسويقه، كما تعطلت بل وتوقفت العديدُ من معامل تحضير الأسماك وقصف العديد من القرى وآبار المياه؛ بهَدفِ تهجير الصيّادين وتعطيل عشرات الآلاف من الصيّادين وقوة العمل في مجال توفير الخدمات لعمليات الإنتاج والتسويق وتدمير المئات من قوارب الصيد.
ويشير وزيرُ الثروة السمكية، إلى أن وجود سفن مصبوغة باللون الأسود في البحر الأحمر وعليها جنجويد وإرتيريون وإماراتيون يختطفون الصيّادين ويضعونهم في السجون في إرتيريا وفي سجون السعودية، حيث تصل فترة السجن إلى 4 أَو 5 سنوات، ويجبروهم خلال هذه الفترة على أعمال شاقة، وبعد تدخل ومطالبة يفرجون عنهم.
ويضيف الوزير أن قوى العدوان يختطفون الصيّادين اليمنيين بقواربهم، ثم يتم نقلُهم إلى بعض الجزر التي تسيطر عليها وتأخذ منهم مقتنياتهم ويعود الصيّادون بلا شيء، ولم يكتفوا بذلك بل يبدأ ما يسمى الأمن التابع للاحتلال بالتحقيق معهم بتهمة أنهم يعملون مخابرات مع الجيش واللجان الشعبيّة، والكثير من دفع الصيّادين التي جاءت من المخاء ومن الخوخة والخوبة يشتكون ويؤكّـدون ذلك، ورغم هذا فإن الصيّاد اليمني يقف شامخاً صامداً صابراً وينزل البحر رغم كُـلّ الاعتداءات عليه غير خائف أَو آبه للعدوان ومرتزِقته.
صافر.. مماطلةٌ واستغلالٌ بغطاء أممي
وإلى جانب الاعتداءات على الصيّادين في البحر الأحمر، فثمة تهديد للبيئة، ولا سيما إذَا ما انفجرت سفينة صافر الموجودة قبالة ميناء الحديدة غربي البلاد.
وتوجد السفينة في منطقة رأس عيسى، وهي قريبة من المياه العميقة في منتصف البحر الأحمر، والذي تزيد درجات الحرارة في قاع البحر في منطقة الفالق الذي فصل الجزيرة العربية عن أفريقيا، وتتجاوز درجة حرارة المياه (٢٠٠ درجة مئوية).
ويرى وزير الثروة السمكية محمد الزبيري، أنه في حال حدث أيُّ ضرر على السفينة، فإن ذلك سيؤثر على البيئة البحرية والثروة السمكية بشكل كبير، لافتاً إلى أن السفينة لم يتم صيانتها منذ خمس سنوات من العدوان، حيث منع دخول المازوت إليها حتى لا يمكن تشغيلها؛ لذا فقد بدأت تتآكل وتتأثر بشكل كبير.
ويوضح الوزير الزبيري، أن حكومةَ الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى حاولوا دفع الأمم المتحدة لصيانة السفينة وطلبوا فريقاً دوليًّا لذلك، ولكنها لم توافق على الصيانة، وإنما تمت الموافقة على الجانب الإشرافي فقط، ومن جانب آخر استغلوها استغلالاً سياسيًّا خُصُوصاً عندما بدأ الجيشُ واللجان يطوقون على مأرب، وحينها بدأ العدوانُ يتحدث عن سفينة صافر التي لم نتمكّن من القيام بالدور الذي نعمله تجاه هذه السفينة.
ومن ضمن الآثار المتوقعة من انفجار هذه السفينة التي هي قريبة من 125 جزيرة في البحر الأحمر على مستوى 550 كيلو متراً من الساحل، وبحسب وزير الثروة السمكية، فإنها ستؤثر على الساحل اليمني بل ستؤثر على كُـلِّ الدول التي تطل على الساحل، وتصل تأثيراتها إلى البحر الأبيض المتوسط والعربي؛ لأَنَّ الرياح تحَرّك هذه المواد الموجودة على سطح البحر بشكل كبير، وبهذا ستؤثر على عملية الصيد ولن يستطيع أيُّ صيّاد الاصطياد في البحر، كما ستؤثر على الأسماك بشكل كامل، وكذلك ستؤثر على الطحالب التي تتغذى عليها الأسماك والرخويات القشريات، ونتيجة ذلك يصبح البحر الأحمر وجزء من البحر الأبيض المتوسط وجزء من البحر العربي، غير منتج للأسماك ولا يوجد مراعٍ لها وسينضب الإنتاج.
والحل المناسب لتلافي هذه الكارثة –كما يقترح وزير الثروة السمكية- يكمن في نقطتين: الأول هي السماح بتقييم الأضرار الموجودة على السفينة وإصلاحها وإعادة تشغيل مولدات الخزانات التي تحتاج إلى إدخَال المازوت، والثانية الصيانة.
ويوضح الوزير الزبيري، أن الحلول التي تطرح من أمريكا وغيرها إنما هي جزئية وليست كاملة، حيث تحاول أن تتفقد السفينة دون إصلاحها وعدم صيانتها، والهدف من ذلك القيام بعمل مخابراتي ومسألة ضغط فقط على حكومة الإنقاذ، من الجانب السياسي والاقتصادي والميداني، مُشيراً إلى أن موضوع الخلاف هو على كمية البترول الموجود على السفينة، الذي يصل إلى مليون أَو ثلاثة مليون برميل، والتي قد أفاد فيها المجلس السياسي الأعلى وقدم أكثر من حَـلّ، واقترح أن تكون نصفين وتعود إيراداتها إلى البنك المركزي في الحديدة وتسلم رواتب لموظفي الدولة، لكن الطرف الثاني لا يريد أن تحصل حكومة الإنقاذ على إيرادات النفط؛ ولهذا يماطلون.
تلوُّثُ البيئة البحرية
نشاهدُ هذه الأيّامَ نفوقَ الكثير من الأسماك؛ نتيجةَ تأثير السفن الإماراتية الموجودة في البحر الأحمر والسفن التابعة للعدوان ودول الاحتلال العالمية والخليجية التي تفرغ المخلفات السامة وتلقي عشرات الأطنان من السموم في البحر، مما أَدَّى إلى تلوث البيئة البحرية الذي بدوره أحدث التأثيرات والأضرار الكبيرة على البيئة البحرية وعلى اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر؛ ولهذا يقول وزير الثروة السمكية محمد الزبيري: إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتحملون مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه ذلك.
ويشير الوزير الزبيري إلى أن سببَ تواجد السفن العالمية في البحر الأحمر، هو أن تلك الدول تريد مراعاة مصالحها؛ لأَنَّ العالمَ في إطار الصراع الدولي المتواجد في البحر الأحمر تحت مبرّر ما يسمى مكافحة الإرهاب الصومالي الذي كان يتقطع لسفن مع المحافظة على أمن مصالحهم، إضافة إلى أن العالم في حالة تموضع اقتصادي جديد وتبلور أقاليم جديدة، والدليل على ذلك الصراع الروسي الصيني التركي الأمريكي الكوري، وَكلها موجودة في البحر الأحمر، وكلُّ تلك السفن تعمل على تفريغ الزيوت في المياه الإقليمية اليمنية، وكذلك تعمل على ما يسمى تفريغ عملية التوازن؛ مِن أجلِ تخفيف حمولة السفينة المحملة بالأسلحة الثقيلة وغيرها، بالإضافة إلى المخلفات الكيميائية، ونتيجة ذلك حصل نفوق للأسماك في أبين وفي الصليف وفي عدن وفي لحج، وهذا النفوق ناتجٌ عن تأثير تلك المخلفات والسموم، كما أثرت على كُـلّ الكائنات الحية في البحر وعلى كُـلّ ما يتعلق بتغذية الأسماك، وهنا إما أن تنتهي الأسماك أَو تقل.
من جانبه، يوضح مدير عام الرقابة والتفتيش البحرية محمد الفقيه، أن البيئة البحرية تم الإضرارُ بها نتيجة سفن الصيد الأجنبية التي تمارس مهام الاصطياد غير القانوني وغير المشروع بحماية تحالف العدوان وتدمير البيئة البحرية من خلال اقتلاع الشعب المرجانية ورمي الملوثات، حيث تصل خسائر التلوث البيئي إلى 500 مليون، أي بنسبة 20 %.
ويضيف الفقيه قائلاً: إن من أخطر ممارسات العدوان في هذا الصدد، تفريغ زيوت البوارج الحربية في المياه الإقليمية اليمنية، وإفراغ ودفن المخلفات الكيمائية في الجزر والسواحل اليمنية، ما تسبَّب بأكبر كارثة بيئية، ونقوق كميات مهولة من الأسماك كما حدث في مديرية الخوخة بالحديدة؛ بسَببِ استخدام بحرية العدوان أسلحة محرمة.
ومن أجل حماية البيئة البحرية في ظل العدوان والحد من العبث بالأسماك والكائنات البحرية، يؤكّـد وزير الثروة السمكية محمد الزبيري، أنه لا يمكن حمايتها إلَّا بخروج تلك السفن من البحر؛ لأَنَّ العدوانَ لا يلتزم بالمواثيق والقوانين الدولية التي تحافظ على البيئة وتمنع التجريف، فالعدوان ضارب بالقوانين الدولية عرض الحائط، لافتاً إلى أن كُـلّ ما يقدر عليه هو جمع ملفات وأدلة وتقديمها في الوقت المناسب إلى جهات ومحاكم دولية برفع قضايا على دول العدوان وجميع الدول المتواجدة سفنها في البحر الأحمر.
خططٌ مستقبلية
وبالنسبة لخطة وزارة الثروة السمكية بناءً على الرؤية الوطنية، يقول الوزير محمد الزبيري: إن هناك أولوياتٍ إذَا استطعنا تنفيذها فإن البداية من إعادة ما دمّـره العدوان مثل مراكز اصطياد وتعويض الصيّادين بقوارب بدلاً عن التي دمّـرها العدوان، وكذلك نقدم لهم العون والمساعدات في إطار سبل العيش.
وكذلك إعادة ترصيف ميناء الحديدة وإعادة ترصيف ميناء الخوبة، وسنأتي بقوى عاملة من الصيّادين ترصف على أَسَاس تحصل على دخل ثانوي يستطيعون العيشَ به، وَإذَا استطعنا تنفيذ وتغطية كُـلّ ذلك تكون لدينا مشاريع استثمارية أُخرى.
ومن أجل تغطية السوق المحلية، يشير وزير الثروة السمكية محمد الزبيري، إلى أن هناك تعويضات أُخرى، بحيث يتم العمل على إعادة الاستزراع السمكي في السواحل التي تحت حكومة الإنقاذ، إضافةً إلى وجود مزارع صغيرة يستخدمها الصيّادون في بيوتهم وتعويضهم عن بدل نزولهم إلى البحر، كما يتم عمليةُ استزراع للسدود الموجودة حول صنعاء، والتي نختار أربعة منها وسوف تتم خلال الشهر القادم؛ لأَنَّ الزريعات جاهزة والفريق جاهز، كما أن هناك أسماكاً في سد مأرب، وأسماكاً في سد خولان، وكذلك إنشاء الأسواق المركزية، كُـلُّ هذا مِن أجلِ تعويض السوق المحلية.