ثورةُ الحسين وكسرُ حاجز المستحيل
إكرام المحاقري
في مثل هذه الأيّام العاشورائية، وخَاصَّةً يوم العاشر من شهر محرم الحرام، تقف العقولُ البشريةُ أمام حضرة الإمام الحسين -عليه السلام- وفاجعة ألمت به وبكل من كان معه، لكنَّ هذه العقول تقف عند حَــدّ معين من الإدراك لمدى عمق تلك المظلومية والتي ليست وليدة يومها، بل هي نتاج لانحراف خطير خطت فيه الأُمَّــةُ الإسلامية عندما جهلت القرآن الكريم، ووصل بهم الحال إلى أن يرثوا بني إسرائيل في قتل الأنبياء والصالحين وتصفيتهم بأبشع الطرق الوحشية.
جبل كثيرة من المسلمين يتحدّثون عن مظلومية الإمام الحسين -عليه السلام- بلسان المواساة والحزن، ومنهم من يشعر بالندم وحال لسانه يقول يا ليتني كنت مع الحسين فانصره.
فما هو الفرق بين القرآن اليوم والقرآن يومها؟!
وما هو الفرق بين يزيد وغيره من الطغاة الذين يتحَرّكون باسم الدين والدين بمبادئه بريء منهم؟!
ماذا أنتجه هذا الانحرافُ المخيف الذي أوصل أبناء الإسلام إلى استهداف آل بيت رسول الله والتنكر لمودتهم التي نصَّ عليها القرآن الكريم، وقبل ذلك التنكر المشين والمعيب لولاية الإمام علي -عليه السلام- الذي كان حريصاً عليهم..
وأين هي الأُمَّــة العربية والإسلامية اليوم؟!
هل في خط الهداية مع علي والحسين، أم في خط الهوان مع معاوية ويزيد وباقي الطغاة والمجرمين؟!
الأحداث لم تنسَ بعد، وكل أرض العرب والمسلمين كربلاء، وكل شهيد حق هو الحسين، فالمنهج القرآني لا يختلف، وثورة الحسين هي نفسها تلك الثورات التي اجتثت الظالمين المتسلطين على الشعوب العربية المسلمة، وباسم الدين أَيْـضاً تم طمسُ قيم الدين ومبادئه عندما خذل الحق مرات ومرات.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، تحدّث عن فاجعة كربلاء، وقال بأنها حديث عن الحقِّ والباطل، والخير والشر، وتحدث السيد القائد عبدالملك الحوثي بأن ما حدث في كربلاء هو صراع بين الخير والشر، والعدل والظلم، والقيم والإجرام، معركة واحدة وصراع واحد ممتد عبر الزمن.
فالصراع بدأ من الساعة التي رفض فيها إبليس السجودَ لآدم والخضوع لتوجيهات الله، وامتد حتى رفضت بعضُ القلوب المريضة الخضوع لتوجيهات الله بتولي المؤمنين، بداية بتولي الإمام علي -عليه السلام- عملاً بوصية النبي يوم قال: “فهذا علي مولاه”، فكلها انحرافات، وإبليس اللعين اختار طريقه وتوعد وعده، وأُولئك أضاعوا الأُمَّــة الإسلامية بأسرها حين حرفوها عن المسار الصحيح يوم بايعوا معاويةَ كخليفةٍ للمسلمين، ولم يستنكروا المنكر يوم أمسك بزمام الأُمَّــة شخص حقير ملأ مجالسه بالخمر والسُكر والعاهرات والماجنات، ومحاربته الدائمة للدين، وما خليفته إلَّا على شاكلته يزيد، ونتاج هذه الانحرافات سقط الحسين قتيلاً، كما سقطت عزة وكرامة الأُمَّــة من أيدي المؤمنين كيوم أحد حين فشل المسلمون؛ نتيجة مخالفة البعض لتوجيهات نبيهم.
ورغم ما وصلت إليه قلوبُ البعض من تحجر وجهل للإسلام، لم يتوقف الإمام الحسين مستسلماً وخاضعاً ليزيد ومبايعته والقبول بذلك الواقع الذي لا يقل عن واقع بني سعود اليوم وكل من دار في فلك انحرافهم، ولن يقف عند مظاهر الانحلال كالدسكو والخمر الحلال!!، بل إن الحسين -عليه السلام- وجّه الخطاب ليزيد بأن مثلي لا يبايع مثلك، فسلامة النفس هي من سلامة الدين وليس من سلامة الحياة الدنيا كيفما اتفق، حتى وإن كانت تحت رحمة من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة من اليهود الملعونين، فالحسينُ -عليه السلام- ثورة كسرت حاجزَ المستحيل، وانتصر بدمه على سيف يزيد وكل سيف كان محسوباً على دين الإسلام مثل سيف بن عمه “عمر بن سعد” وغيره ممن كانوا يتقنون الصلاة ولغة الخطابة والصعود على منابر المساجد للخطابة.
لا يفوتنا ما نحن فيه من واقع خطير أصبحنا فيه على شفا حفرة من النار والسقوط في فخ ومكائد الشيطان وتسليم رقاب أُمَّـة محمد للأعداء، ولا يكفي أن نقفَ عند مظلومية الإمام الحسين ونعلن الحسرة والبكاء، فالحسين -عليه السلام- ثورة ومنهج ممتد على مر التاريخ، كما هو حال أَيْـضاً مع يزيد ومنهجه الشيطاني، فلننصر الحسينَ بمبادئه، ولنتوجّـه نحو قبلة الجهاد في سبيل الله رافعين شعار “هيهات منا الذلة” لنرتفع بالأمة، ولا نكون ممن طبع الله على قلوبهم فطبّعوا مع الصهاينة وخضعوا للمستكبرين، ولكل من يقول: يا ليتني كنت مع الحسين فانصره، انصر مبادئه، فمن لم ينصر الحسين في اليوم لم يكن لينصره في الأمس، فالقضية هنا هي قضية وعي وإيمان وعقيدة وجهاد، فهل من ناصر ينصرُ الحسينَ حقًّا؟!