كربلائيون على درب الحسين
سعاد الشامي
تعطرت أنفاسُهم بحب الحسين، واقتبسوا من وحي عاشوراء مبادئ الحرية والعدالة التي وجدت في نفوسهم مكاناً خصيباً وصدراً رحيباً، فخرجوا كالطوفان إلى مختلف الساحات، تعلوهم الهيبة ويحفهم الوقار ونور الحق يضيء بين جوانحهم وسمات الحرية تعلو وجوههم، يسوقهم الحبُّ المقدس، ويدفعهم الوفاء السرمدي لسيد الشهداء وسبط المصطفى وذبيح كربلاء، بمشاعر يمانية ثائرة امتزجت بلوعة الأحزان وانطلقت من أطراف مغارب المظلومية والوجع إلى أطراف مشارق التضحية والفداء.
يمانيون يعيشون الواقع الكربلائي المأساوي، فالأيّام تتوالى وتتابع، وألوان العذاب وصنوف الآلام تترادف عليهم بكلِّ أشكال الاستهداف وأنكى صور الإجرام التي ينتهجها طغاةُ هذا العصر لخنق صوت الحق، وكسر إرادَة الثائرين والساعين للتحرّر من البغي والجبروت.
ولكن ما عسى المجرم أن يبلغ من قلوب مفعمة بالإيمان، ونفوس حرة وعقول مبصرة تخرجت من مدرسة الحسين الثورية؟!
ما القصف وما الحصار وما قوة السلاح بجانب حلاوة حملهم لمبادئ الحق والخير والحرية ونعمة الجهاد التي حظوا بها في مواجهة أهل الباطل؟!
لم تزعزعهم حشودُ المجرمين ولم تزلزلهم كثرة الغارات، وها هم اليوم، رجالاً ونساء كباراً وصغاراً، بتضحيات الحسين وبروحية زينب ينحتون على وجه العدوان أعظم لوحة بشرية فدائية كربلائية، تعكس بسالة اليمنيين وموروثهم الإيماني ومواقفهم البطولية ومواثيقهم المعهودة في نصرة الدين وحب آل محمد وإقامة العدل ومقارعة الظالمين.
اليوم هم الواقفون في جبهة الحق التي لا تهزم، السالكون دروب التضحية المخضبة بدماء الشهداء والفواحة بعبق النصر، السائرون نحو الهدف الأسمى للحرية، العاقدون آمالهم بيوم قريب ونصر أكيد يحرق أفئدةَ الطغاة، وقد باتت دلائله بازغة كالشمس، يتألق نورها وينبعث شعاعها من جبهات البطولة والإباء التي تزينت رؤوس أبطالها بتاج الشموخ وتحلت صدورهم بوسام الفوز.
اليوم تجسّدت رسالةُ زينب -عليها السلام- ليزيد الطاغية ولكل طواغيت الأرض، وتجلجل صداها في الآفاق، وضخت حروفها في أوردة الأحرار من أبناء الشعب اليمني، لتقض مضاجع الأعداء وتهز عروشهم، وحال لسانهم يقول لهم: “والله لن تمحوا ذكرنا، ولن تميتوا وحينا”.