كربلاء و21 سبتمبر ظاهرتان تاريخيتان لثورة واحدة
رأي الله الأشول
من رحم معاناة اقتفاء ثورة كربلاء بأهدافها ونظرتها الواسعة وأبعادها الدينية والإنسانية الجامعة، ومسيرة الإمام الحسين -عَلَيْــهَ السَّلَامُ- الذي خرج بغية إصلاح واقع أمته والبشرية جمعاء، اندلعت ثورة 21 سبتمبر كنسخة محدّثة لإحدى الجولات المفصلية في الصراع الأزلي بين الحق والباطل.
تتجلى حقيقة أن ثورة 21 سبتمبر كثورة كربلاء من حيث تناولها للقضايا والهموم الوطنية والإنسانية جمعاء، هو تجربتها وتطبيقها الفعلي في اليمن وتبنيها النظري والمعنوي لقضايا الأُمَّــة الكبيرة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
فنصرة وإصلاح المجتمع دون تمحيص أَو تنقية لفئاته ومكوناته المتشعبة، أكّـدتها وتبنتها ثورة الـ21 من سبتمبر، حيث أن قائدها السيد عبد الملك الحوثي نادى منذ بداية نشوبها بالإصلاح السياسي والاقتصادي إنقاذاً للوضع الاجتماعي وتطبيقاً للعدالة الاجتماعية على كافة الوطن من أقصاه لأقصاه لأجل المواطن اليمني قبل كُـلّ شيء، أياً كان مذهبه وانتماؤه وطبقته الاجتماعية، حتى أُولئك الذين لهم وجهة نظر مختلفة مذهبية أَو سياسية مع حركة أنصار الله.
ولأن قائدَ الثورة سار وفق منهجية قرآنية ومبدأ إنساني ووطني والتزام ديني معتدل ومنفتح على التيارات المتشدّدة دينيًّا، ومرن بمقابل الأحزاب والطبقات الأكثر انفتاحاً، حقّق نجاحاً باهراً وفريداً انعكس على النجاح الاستثنائي لثورة 21 سبتمبر التي حقّقت أهدافها الجوهرية، وذلك النهج الحكيم أبقى أنصار الله على مسافة واحدة من الجميع، سياسيين ومواطنين وعلماء دين، وجعل من السلطة السياسية بوتقة واحدة حوت في سلمها الهرمي كُـلَّ التيارات والتكتلات والأحزاب المختلفة، وحتى عندما تم استصلاح نظام الحكم في الدولة من حيث الإطاحة برموز الفساد فيه ورفض العمل بالدستور المستورد من الخارج، توقف السيد عند هذا الحد تغليباً لمصلحة الشعب اليمني ككل، ولم يلجأ إلى استبدال النظام الجمهوري بالملكي والذي كان على مدى سنوات فزاعة روّج لها الإعلام السياسي للحكومة آنذاك، والتيارات المحسوبة على السعودية وحلفائها للتشويش على الشعب وحصر أهداف أنصار الله بزاوية المصالح والأطماع الآنية الضيقة، تحت مسميات استعادة المجد القديم.
مع أن الانتقال للملكية في اليمن كان سيغدو من بواعث رضا الجيران واستجلاب الدعم السياسي والاقتصادي للمملكة الهاشمية المفترضة، فلو افترضنا وحاشا من ذلك قيام السيد عبدالملك بتنصيب نفسه ملكاً على اليمن، نكاية بملوك الخليج وذهب ومد يده لابن سلمان وبنى علاقات مع الرياض وواشنطن وتنازل عن القضية الفلسطينية لما كنا سنشهد عدواناً على اليمن من الأَسَاس، بل كانت صنعاء ستزدحم بالبعثات الدبلوماسية العربية والدولية والاستثمارات والمنح الأجنبية، وسينهال الإعلام الخليجي بالتهاني ويكيل بالمديح والتبريكات للقيادة السياسية ممثّلةً بالملك المفدى السيد عبد الملك الحوثي وحتى لو ارتدى عمامة شيعية وفرض على اليمنيين المذهب الشيعي، فإن ذلك الاضطهاد الديني الفاحش ما كان ليعد انقلاباً أبداً ليس؛ لأَنَّه شأن داخلي يمني بل؛ لأَنَّ سياسة الملك اليمني تسير بموازاة السياسة الأمريكية والخليجية، فالخلاف الحالي الحاصل مع أنصار الله سياسي وسيادي، ولا يمت للدين والمذهب بصلة، فمهما يكن اعتناقك الديني أَو تكن بلا دين أصلاً، فإنك تعتبر صديقاً وجاراً طيباً وممنوناً لك طالما أنك تخليت عن السيادة وروضت سياستك العامة الداخلية والخارجية لتتماشى بل وتخضع للمشروع السياسي الأمريكي والخليجي في المنطقة.
ولو أسقطنا نفسَ الفرضية على نفس الحالة بتغير الزمان والمكان، وسلمنا بقبول الإمام الحسين بإغراءات السلطة والمال والقبول بسياسة يزيد والسير بمركب الأمويين، لعاش الحسين ملك زمانه، وما استشهد وأهله بتلك الطريقة، ولصار أبو الفضل العباس والياً على العراق، والسيدة زينب أميرة مصر والإمام زين العابدين والياً على اليمن.
نستطيع القول إن الخطوط الدينية والإنسانية الشاملة العريضة التي قامت تبعاً لها ثورة “كربلاء” تلتقي بنفس النقطة التي قامت لأجلها ثورة 21 سبتمبر وتواجه نفس العدوِّ الأزلي للإنسانية والدين، فيزيد بن معاوية لم يكن ليتراجع عن شن عدوان عسكري على اليمن ولا ليفكر في حتمية التطبيع مع الصهاينة والانقلاب على قضايا الأُمَّــة الأَسَاسية كما انقلب على المشروعية النبوية في عاشوراء، وابن سلمان ما كان ليفوت فرصة اعتلاء عرش الأُمَّــة ولو بارتكاب فاجعة الدهر بحق حفيد رسول الله والتودد للروم والبيزنطيين والتقرب لحد المؤاخاة مع يهود المشرق ونصارى المغرب.
وعلى الضفة الأُخرى، لو أن الإمام الحسين تواجد بزمننا هذا لكان أوّل من صرخ بوجه أمريكا وإسرائيل، وأعلن ممانعته للسعودية والإمارات وكل الموالين لقوى الاستكبار، وخاض معركة النفس الطويل برفقة أنصاره وأنصار جدّه اليمنيين.
وأمام هذه الروابط الوثيقة، لا يسعنا إلَّا الجزم بأن كربلاء و21 سبتمبر ثورتان اثنتان بواقعة إنسانية واحدة يترتب عليها تماثل الغاية الإنسانية وتجانس المظلومية العلوية وواحدية العدوّ والعدوان وحتمية الانتصار لله والإنسان والدين والوطن.