الأسير المحرّر المجاهد محمد الشرفي في حوار مع صحيفة “المسيرة”:
لدينا قصص مأساوية في معتقلات مليشيا الإصلاح بمأرب كتلك التي حدثت في سجن أبو غريب بالعراق
أنصح كُـلّ المجاهدين أن يحذروا من الوقوع في الأسر فالمرتزقة معاملتهم أبشع من معاملة اليهود
المسيرة- حاوره فاروق علي
وجّه الأسيرُ المحرّر محمد الشرفي، نصيحة لجميع المجاهدين من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة بالقتال ببسالة وشجاعة عالية، وألا يقعوا في الأسر أبداً، مُشيراً إلى أن معاملة المرتزِقة في مأرب أسوأ من معاملة اليهود.
وقال الأسير البطل الشرفي في حوار خاص مع صحيفة المسيرة: إنه تعرض خلال أكثر من خمس سنوات في المعتقلات بمأرب لأسوأ أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وللمعاملة غير الإنسانية من قبل مليشيا الإصلاح في تلك المعتقلات.
وأشَارَ الشرفي إلى أن مليشيا الإصلاح كان يهدّدون الأسرى بالذبح، ويقدمون لهم أسوأ الطعام، ويعرضونهم للتنكيل والتعذيب الوحشي حتى أن بعض الأسرى توفوا نتيجةَ هذا التعذيب المؤلم.
إلى نص الحوار:
– بدايةً نرحب بكم أُستاذ محمد الشرفي في صحيفة المسيرة، وَنقول لكم: الحمد لله على السلامة بعد وصولكم إلى العاصمة صنعاء معززين مكرمين مرفوعي الرأس.
حيّاكم الله، والله يسلمكم.
– هل لكم أن تطلعونا على سيرتكم الذاتية؟
الاسم محمد علي الشرفي، من أبناء صنعاء، مديرية معين، العمل “إعلام حربي”.
أما طبيعة عملي، فأنا إعلامي حربي في عمران، بدأت مسيرتي منذ بداية القتال في أرحب وفي كتاف وفي عمران، وفي مأرب.
خريج جامعة الملكة أروى، إدارة أعمال، للعام 2015.
– المجاهد محمد.. قبل بداية العدوان كنت من الذين ارتبطوا بالمجاهدين، وضمن مشروع المسيرة القرآنية لمواجهة كُـلّ المتآمرين والمتربصين بالوطن، حدثنا عن تجربتك قبل العدوان وبعده من ناحية العمل الجهادي؟
انطلقت في العام 2012، مع أنصار الله، وقد شاركت في عدة جبهات مثل كتاف وأرحب، كنت مقاتلاً في سبيل الله، وفي عمران كانت مهمتي إعلامياً حربياً، وعندما بدأ العدوان انطلقنا لنصوِّرَ جرائمَ العدوّ السعودي الأمريكي، وقتلهم للأطفال، وضربهم للمنازل، وضربهم محطات البترول في مديرية صرواح.
– كُنْتَ من ضمن الذين تم أسرهم منذ بداية العدوان.. حدثنا عن لحظة الأسر، متى وأين وما حدث بعد ذلك؟
تم أسري في 23/4/2015، في التبة الحمراء بمديرية صرواح مأرب، فقد قبضوا علينا، ثم أخذونا إلى منزل في آل الشبواني وتحديداً بيت آل غُرير، حيث كان عبارةً عن “حوش” يشبه حظيرة الأبقار، وضعونا فيه، وكان يأتي إلينا أُناس يضعون أقنعة على وجوههم، يتحدثون إلينا بالفصحى، منها عبارة “حدك السيف” “سنذبحكم”، ويدخل علينا بالسكين، ونحن من جهتنا آمنا بأنه سيتم ذبحنا، وفي نفس يوم الأسر دخل علينا أحدهم، كان يلقب بـ”أبو عمر”، وجاء إلينا بطعام الغداء، ثم قال لنا: “صلوا ركتين”، ثم قال لنا: “سوف يتم ذبحكم بعد قليل”، جاوبته وقلت له: “ما دام سيتم ذبحنا فليس هناك داعٍ لطعام الغداء”.
بعدها نهضت وتعانقت مع زميلي في الأسر وليد القطواني، وطلبت منه المسامحة، والصبر وقلت له “إن شاء الله يتقبلنا من الشهداء”، ثم قلت له الذبح هو لحظات بسيطة، بعدها لا نجد أنفسنا إلا بين يدي الإمام علي وسيدي حسين والعظماء، ثم صلينا وبقينا نسبح ونستغفر حتى المغرب، ثم رأينا أنه لم يتم ذبحنا وكان الوقت بعد المغرب، فقمنا وتناولنا طعام الغذاء، ثم صلينا المغرب والعشاء، بعدها جاؤوا إلينا، وحقّقوا معنا، وسألونا: هل أنتم إعلاميون، لكننا لم نجِبهم بأننا إعلاميون حربيون.
بعد ذلك أعادونا إلى نفسِ الغُرفة التي تم وضعنا فيها بعد أَسْرِنا مباشرةً، وفي اليوم التالي، وضعونا في غرفة كان يُطلَقُ عليها تسمية “الضغاطة”، كانت درجة حرارتها مرتفعةً جِـدًّا، وكان يوجدُ فيها أسرى آخرون أُسروا قبلي من ضمنهم: عقيل الحاشدي، وعلي الآنسي، ويحيى المغربي، وطه الديملي، وأنا ووليد القطواني، وقد وضعونا جميعاً في هذه الغرفة، وأضافوا إلينا أربعة أسرى آخرين، ومن شدة الحرارة كان نتمنى أن نشم الهواء، حتى أن ملابسَنا كانت مبتلةً كَثيراً بالعرق إلى درجة أنك تستطيع أن تعصرها ويخرج منها العرق، وعندما كانت تأتي إلينا رياح تدخل من تحت الباب كنا نستلقي على الأرض لنشُمَّ تلك الريح، كي نستطيع التنفس نظراً لصعوبة التنفس في تلك الغرفة.
بعد ذلك طرقت الباب للشاوش الذي كان يحرس الغرفة التي نتواجد فيها، فقال من الذي يطرق الباب، قلت له “أنا”، طلب مني أن أستلقي على ظهري، فاستلقيت، فقام بضربي نحو 50 جلدة، بعدها حذر البقية من طرق الباب مرة أُخرى وإلا سيناله ما نلته من الجلدات، إلا أنني استفدت من ذلك الموقف، وهو أن بعضَ الرياح دخلت علينا من الباب، فأنعشنا ذلك الهواءُ قليلاً.
وبعد قليل سألت زملائي المجاهدين الأسرى، هل الحر شديد عليكم، قالوا نعم، فطرقت الباب مرة أُخرى، ثم سأل الشاوش من طرق الباب، فقلت أنا ثم جلدني مرة أُخرى 50 جلدة، وكنت لا آبه للجلد الذي أناله من ذلك الشاوش؛ لأجل أن يصيبنا شيء من الهواء ليخفف عنا درجة الحرارة المرتفعة جِـدًّا، بعد ذلك قرّرت أنا وزملائي أن نضرب عن الطعام، حتى يجعلوا لنا حلًّا يخفف عنا درجة الحرارة المرتفعة جِـدًّا داخل الغرفة، فأضربنا لمدة يومين أَو ثلاثة أَيَّـام، حسب ما أتذكر.
وفي إحدى المرات، جاء إلينا هذا الشاوش، وسأل زميلنا سلطان الكول، وقال له ماذا لديك من بندقية، قال لا أتذكر ما نوع البندقية التي كانت بحوزتي، ثم رد عليه وقال له بلهجة شديدة: “إما أن تخبرني ما نوع البندقية التي كانت بحوزتك، وكم كان عدد الطلقات التي لديك، وإلا”، ثم قام بضربه، بدون أي سبب، وهكذا كنا نعاني دائماً من الضرب والسب والشتم، والتهديد بالذبح.
بعد أسبوع جاء إلينا 5 أشخاص يضعون أقنعة على وجوههم، ثم قالوا لنا، إن لم تخبرونا بالحقيقة، سوف نذبحكم، وفي اليوم التالي بدأ التحقيق، وبدأوا بمناداة درعان السقاف، حيث كان إعلاميًّا وناشطاً على الفيسبوك، وقد ظل لديهم لأكثر من ساعتين في التحقيق، ثم قاموا بإخراجه وأدخلوه غرفة أُخرى، ليتم إيهامنا بأنهم قد ذبحوه؛ بغرض إرهابنا، ثم أخذوا وليد القطواني للتحقيق، ونفس الشيء أدخلوه غرفة أُخرى ليتم إيهامنا بأنهم ذبحوه أَيْـضاً، ثم جاءوا إلي وقيدوني وربطوا على عينيَّ، وأثناء مروري إلى غرفة التحقيق، كان أحدهم يقول لي “امش وانتبه تدعس الدم”، ثم جعلوني أدوس على رجل أحدهم فظننت أنها رجل وليد، وقلت: “الله يرحمك يا وليد”، ولكن الله ثبتني وأعطاني الإيمان.
وعند التحقيق الذي استمر لساعتين، قال لي المحقّق بأنني كاذب، ثم أمر رجاله بأن يخرجوني ليذبحوني، وقلت للمحقّق مها قلت لك الصدق أَو الكذب فسوف أُذبح، فليس لديك إلا ما قلت.
ثم أخرجوني إلى الحوش ووضعوني فوق “طربال” على وضعية الذبح، ثم وضع السكين في عنقي، ثم قال لي ما تتنمى قبل أن تُذبح قلت له “بأن تترك يدي لكي أصرخ، ثم رفع السكين عن عنقي وردَّ عليَّ بعبارة قذرة قال فيها: “أيش الذي يبشروكم به يا عيال الحرام”، ثم سمح لي بالنهوض وأدخلوني في غرفة.
عندما كان المجاهدون في الجبهات يتقدمون كانوا يفرغون غضبهم علينا، حيث كانوا يأخذون “الكابيل” ويضربونا به بدون أي سبب اقترفنا، ويقولونا بأننا روافض، وبأننا كلاب، ويسبوننا ويسبون قائد الثورة وأعلام الهدى، وبعد ذلك بثمانية أشهر انتقلنا إلى سجن الأمن السياسي.
– قبل أن يأخذوكم إلى سجن الأمن السياسي، متى اكتشفت أن وليد وباقي زملائكم لم يُذبحوا؟
اكتشفت ذلك بعد ثلاثة أَيَّـام، خَاصَّة وقد أدركت بأنهم ما دام لم يذبحوني فهم لم يذبحوا أصدقائي.
– وكيف عرفت مكان اعتقالكم؟
أثناء الطريق كان معنا صاحب بوزة مياه “وايت”، تم اعتقاله بعد أن شكوا فيه، لمدة أسبوعين، وخلالها شاهد الخزان الذي كان يأتي إليه ليُعبئه بالمياه، وقال هذا بيت غُرير، كنت آتي إلى هنا لأقوم بتعبئة خزانهم.
– هل لك أن تحدثنا عن تجربتك في سجن الأمن السياسي، وكيف كانت أساليب التعذيب، وكم استمريتم هناك؟
طبعاً سجن الأمن السياسي كان يتم نقلُ الأسرى إليه على دفعات وَمجموعات في كثير من الأحيان، ولدينا قصص وحكايات مأساوية داخل سجن الأمن السياسي في مأرب كتلك القصص التي حدثت في سجن أبو غريب بالعراق، فقد استقبلوني أنا ومن كان معي بالضرب المبرح باستخدام الكيابل وبأياديهم وأرجلهم بشكل لا يمكن وصفه، وكان أحدُهم يضع على رأسه شعراً صناعياً يدعى “أبو قعشة” وهو المتخصص في التعذيب، وكان هذا “أبو قعشة” يضرب بعض الأشخاص حتى يتم نقلهم إلى المستشفى، حيث كان يدخل إلى كُـلِّ الغُرَف غرفةً غرفةً، ويسأل كُـلّ شخص على حدة عن اسمه ويقوم بضربه، ولا يوجد أي شخص في السجن لم يقم هذا المدعو “أبو قعشة” بلطمة في وجهه، وكان يأتي إلينا كُـلّ ثاني يوم، ليعذب ويضرب بشكل غير طبيعي.
وفي يوم من الأيّام جاء هو ومجموعة كبيرة، من الجنود، فبدأوا بالتفتيش، وأنا كنت داخل غرفة يتواجد فيها 25 مجاهداً، وكان هناك 3 مجاهدين، خيطوا أرقام تلفونات في سراويلهم، حتى يستطيعوا أن يتواصل مع ذويهم عند خروجهم، فاكتشف المدعو “أبو قعشة” ذلك، فقام بتجريدهم من جميع ملابسهم حتى الداخلية، أمام بقية المجاهدين، جعلهم يستلقون على الأرض، وأمرنا بأن ندوس عليهم، وهدّدنا بأن الذين لم يدسوا عليهم سيقوم بوضعه إلى جانبهم عارياً.
وبعد أن توقفنا عن ذلك، وسمح “أبو قعشة” للمجاهدين الثلاثة بالنهوض، لم نكن نعرف كيف نقدم اعتذارنا للمجاهدين، حتى أن عيوننا دمعت، ولم نصدق ما شهدناه بأم أعيننا وبأنفسنا وأنه موجود عندنا في اليمن، إلا أننا آمنا وصدقنا بالآية الكريمة قال تعالى: “الأعرابُ أشدُّ كفراً ونفاقاً”.
– كم هي المدة التي قضيتها في معتقل الأمن السياسي بمأرب؟ وهل كان لديك علم بأعداد الأسرى من المجاهدين، وغيرهم؟
المدة التي قضيتها داخل سجن الأمن السياسي هي سنة وثمانية أشهر، وكان السجن يتكون من عنبرين، وكنت أعرف كُـلَّ الأسرى داخل العنبر الذي كنت أتواجد فيه، إلا أنني لم أكن أعرف أسماء المجاهدين في العنبر الثاني باستثناء القليل، وكان العنبر الأول فيه 70 – 80 أسيراً، والثاني كان فيه 90 أسيراً.
– حدثنا عن حال العنابر من ناحية النظافة وما شابه ذلك؟
النظافة والأكل والمعاملة كانت سيئة جِـدًّا، أتذكر أنه تركونا في أحد المرات بدون ماء شرب لأكثر من 36 ساعة، حتى أن بعض الأسرى المصابين بمرض السكر أغمي عليهم، أما من ناحية الأكل فكانت طباخته سيئة جِـدًّا جداً، لدرجة أنه كانت تنبعث منه رائحة كريهة من شدة رداءته، إلا أننا كنا نأكله من شدة الجوع، وفي إحدى المرات وجدت داخل الأرز سحلية” لزقة” ومرة وجدنا صراصير، ومرة وجدنا ذباباً.
كان هناك شخصٌ يُدعى “أبو ليث” يأتي إلينا في بعض المرات، ويأمرنا بالخروج من العنابر إلى الطواريد، ثم يقوم بجلدنا بالكابيل، بدون أي سبب يذكر، حتى المرضى كان ينالهم نصيب من تلك الكابيل.
– ماذا عن أداء الصلاة.. هل كانوا يسمحون لكم بالصلاة، وهل كانوا يصلون معكم؟
الصلاةُ كنا نصلي بشكل طبيعي، ولم يكونوا يصلوا معنا، وكان أحد الأسرى يؤُمنا.
– ما هو أشد المواقف بشاعةً حصل لك داخل سجن الأمن السياسي؟
كان هناك أسير مجاهد اسمه عبدالله الحنمي من قبيلة بني حشيش محافظة صنعاء ولايزال في الأسر حتى اليوم، كان عمره في الخمسينات، إنسان كبير في السن، ويأتي إنسان لا يتجاوز عمره 25 سنة، ويقوم بضرب شخص في مقام والده، وكنا جميعاً نحزن على العم عبدالله كَثيراً، ونتمنى أن نجلد نحن عوضاً عنه، هؤلاء لا يحملون أية أخلاق ولا مبادئ أَو قيم إنسانية.
– هل لك أن تحدثنا عن قصة اعتقالك داخل معهد الصالح بمأرب؟
معتقل معهد الصالح، كان بمثابة انتقالي من سجن سيء إلى أسوأ منه، وقد استقبلونا في هذا المعهد أسوأ مما استقبلونا في سجن الأمن السياسي، إلى درجة أن أحد الأسرى توفي قبل 5 أَيَّـام في الأسر نتيجة مرضه دون أن يتلقى الرعاية الصحية التي يحتاجه، ومن أشكال أساليب التعذيب التي تلقيناها، هو الضرب بالسلاسل، والجلد بالكابلات، والتعليق، والصعق بالكهرباء، وإجبارنا الزحف على أطرافنا، ورشنا بالمياه في الأوقات التي تنخفض فيها درجة الحرارة بشدة، وعدم السماح لأي أسير أَو معتقل بالذهاب إلى دورة المياه إلا أربع مرات في اليوم، ولا يسمح بغير ذلك بتاتاً.
كما كان الدور الرابع في معهد الصالح مكاناً خاصًّا للتعذيب، وكان تتوفر فيه جميع مستلزمات التعذيب، ومن ضمنها البُلك، وكان يُجبر الأسير على الشقلبة من خلاله، وَأَيْـضاً يؤمر الأسير بالجلوس على البلكة ومن ثم يتم سحبها.
لقد قضيت في معتقل معهد الصالح، 3 سنوات لم أعرف فيها الشمس، وبعد ما خرجت من المعتقل إلى الآن لا أستطيع المشي من الأمراض التي أصابتني في المعتقل، وعندما سألت الطبيب عن سبب الأمراض التي أصابتني قال: إن السبب الرئيسي فيه هو سوء التغذية، لقد كنا في المعتقل نتمنى الحبة الطماطم، نتمنى حتى “الزحاوق” لكن لم نجدها هناك.
– ما هو اسم الشهيد الذي استشهد قبل 5 أيام؟
الشهيد الذي توفي جراء التعذيب في معهد الصالح بمأرب، هو الأسير هادي مُبطي، وكان عمره 45 عاماً، في إحدى المرات قاموا بجلد العم “هادي” حتى أسود ظهره من شدة الجلد، بالرغم من كبر سنة، إلى درجة أن أحد الضباط المرتزِقة عندما رأى ظهر العم “هادي” قال: “من فعل بك هذا”، فرد عليه بقوله: الفندم سلطان.
– حدثنا عن الأسرى الذين ماتوا في الأسر؟
أتذكر استشهاد العديد من الأسرى الذين ماتوا عندي في غرفتي داخل السجن، وكان أول شهيد لنا في الأسر هو الشهيد عمار قبايل من محافظة المحويت، وقد كان يقول للسجانين المرتزِقة بأنه مريض، إلا أنهم كانوا يقومون بتكذيبه، ويرفضون توفير الرعاية الصحية التي كان يحتاجها، حتى أنه كان في أُواخر مراحل مرضه يهذي من شدة المرض، ولم يعد يدرك ما هو الفرض الذي كان يصليه، هل كان الظهر أم المغرب، ولكنا ذهبنا إلى “الفندم” أحد الضباط المرتزِقة في السجن وأخبرناه بحالة عمار إلا أنه قام بتكذيبنا، وبعد ذلك بيومين استشهد عمار نتيجة مرضه داخل المعتقل.
ثاني شهيد كان خالد قريش من منطقة حراز، استشهد في المعتقل سيء الصيت الذي كانوا يطلقون عليه معهد الصالح، وقد كان خالد مصاباً بمرض الكلى، إلى درجة أنه لا يستطيع الذهاب إلى الحمام إلا بمساعدة شخصين، وخلال هذا كله جاء بلاغ بأن الغرفةَ التي كان يتواجد فيها خالد قريش وزملاؤه تُثير الشغب، وجاءوا إلى جميع الغرف وأمروا الأسرى بالخروج إلى الطارود، ولكنا أخبرناهم بأن خالداً مريض، ولكنهم لم يستمعوا لنا، وراحوا يضربوننا ومعنا خالد، وقاموا برش المياه الباردة علينا والجو كان بارداً جِـدًّا حينها، ثم قاموا بضربنا بالكابيلات، ونحن مستلقون على البلاط، ونال خالد نصيباً من ذلك الضرب، حتى تفاقمت حالته الصحية، وازداد مرضه، وفي اليوم التالي استشهد خالد، في 3 رمضان أمام عيني.
وبعد خالد كان الشهيد الثالث عبدالله الجُريبي، من الحيمة، حيث كان يعاني من الأورام والصنافير، معاناة شديدة، ولكنهم لم يوافقوا على إعطائه الرعاية الصحية، إلا مرة واحدة، أخذوه إلى الطبيب فقام بمعالجته ونسي الطبيب القطن داخل جروح عبدالله.
وبعد إخراجهم للقطن خرج الكثير من الدماء والقيح، وظهرت له أورام أُخرى، وقاموا بعمل فحص آخر له، فعلموا بوجود سرطان بالمعدة، فظل عبدالله يعاني من هذا المرض قرابة العامين ونصف، وكانت الأورام تزداد وتزداد معها معاناتُه، وفي آخر مراحل مرضه ازدادت معاناته حتى أنه كان يفقد الوعي، بالإضافة أنه لم يعد يستطيع الإدراك ولم يعد يستطيع قضاء حاجة ولا حتى التعرف علينا، فنادينا على السجانين المرتزِقة، وأخبرناهم بحالة عبدالله الصحية، ثم أخذوه إلى المستشفى، وظل فيه أكثر من شهر حتى استشهد.
وعلى الرغم من مرضه ومعاناته وإصابته بالسرطان، إلا أن المرتزِقة لم يطلقوا سراحه ولم يفكروا حتى يُبادلوه به بأسيرٍ لدينا، بل تركوه حتى استشهد.
وقد علمنا بوفاة عبدالله عندما ذهب أحد المجاهدين الأسرى وهو خليل الحضراني، إلى المستشفى؛ لأَنَّه كان مصاباً بورم حميد في إحدى قدميه، حيث كانت تقيح بشكل مستمر، وعندما ذهب إلى المستشفى علم باستشهاد عبدالله الجُريبي، وأخبرنا خليل أَيْـضاً أنَّ هناك أسيراً آخر كان يُدعى وازع من الجوف، استشهد أَيْـضاً في المستشفى.
– من الصعب أن تبرز مآسي سنوات، ما هي أبرز المحطات التي حدثت معكم أثناء اعتقالك وما زالت حاضرة وقوية حتى اللحظة؟
كانت أعظم مأساة هي مأساة الشهيد خالد قريش؛ لأَنَّنا كنا نتوسل إلى الضباط ليقوموا بنقله إلى المستشفى، إلا أنهم رفضوا تقديم الرعاية الصحية له حتى استشهد.
ومن المعاناة والمآسي التي تلقيناها داخل المعتقل، هو أنهم كانوا يعطوننا ملابس مرة واحدة في السنة خلال شهر رمضان، عبارة عن قميص و”معوز” وسروال، وفنيلية، أما من ناحية الصلاة والصيام، كانت بشكل طبيعي.
– هل كان المعتقلون في معهد الصالح بمأرب من المجاهدين في الجبهات فقط، أم أن هناك أسرى آخرين؟
لم يكن جميع الأسرى في معتقل الصالح من المجاهدين، بل كان هناك أُناس آخرون مختطفون وبعضهم من المسافرين كان يتم اعتقالهم؛ بسَببِ التشكيك فيهم.
– على ماذا يتم اعتقال هؤلاء الأشخاص المشكوك فيهم، هل تتذكر أحدهم؟
نعم وبدون ذكر اسم، كان هناك معتقلٌ معنا وهو منهم وفيهم، وقد قاتل مع المرتزِقة وجُرح، إلا أنه اعتقل، وعندما سألت عن رأيه فيهم قال بكل صراحة ووضوح: أنا نادم على ما أقدم عليه، واعتبر ذلك بأنه أكبر غلط في حياته، ثم وصف حزب الإصلاح بـ”أنجس بشر”، كما أبدى استغرابَه من سجونهم، واستنكر أساليبهم ومُعاملتهم السيئة للأسرى والمعتقلين، واستغرب من رداءة الطعام الذي كانوا يقدمونه لنا، لدرجة أنه لم يستطع تناوُلَ الطعام الذي كان يُقدَّمُ لنا في المعتقل، إلا “الكدمة” فقط، وقد قطع عهداً مع نفسه أن لا يعود للعمل أَو للقتال مع هؤلاء المرتزِقة.
– بعد هذه المحطة من معتقل الصالح بمأرب.. كيف تم التفاوض على إطلاق سراحك من الأسر؟
كان دائماً ما يتم الرفع باسمي لإطلاق سراحي، إلا أنهم دائماً ما كانوا يرفضون المرتزِقة، وبالأمس زارني أحد الأصدقاء، وقال لي كنت دائماً أرفع باسمك وأطالب بإطلاق سراحك خلال صفقات تبادل الأسرى، وعندما يرون اسمك في القائمة يرفضون ويقومون بإلغاء القائمة بالكامل، دون أي سبب يُذكر.
عندما خرجت من الأسر، كنت قد وضعت في زنزانة انفرادية، مترين في متر، مثل مساحة حمام، وأنا غارق في الظلام الدامس لا أستطيع حتى أن أرى يدي، ومكبل بالأغلال ولا أستطيع الذهاب إلى الحمام إلا ثلاث مرات في اليوم، حتى إذَا أحسست بألم في معدتي لا يسمح لي بالذهاب إلى الحمام، بل كانوا يُناولوننا أكياساً بلاستيكية لقضاء حاجتنا فيها، وهذا يؤكّـد أننا تعرضنا للإهانة الشديدة وانتهاك كرامتنا وحقوقنا من قبل المرتزِقة.
– هل تعرضتم للتعذيب النفسي، كأن يخبروكم بأنه سيتم الإفراج عنكم، وبعدها لا يفعلون؟
نعم كَثيراً، حيث أنه وفي إحدى المرات جاء إلي أحدهم وقال لي: أنصار الله ليسوا معترفين بكم، أنصار الله لا يُتابعون عليكم، أنصار الله لا يُريدونكم، ومن هذا القبيل، يريدون منا أن نشكك في جهود القيادة السياسية التي لم تألُ جهداً في سبيل إخراج الأسرى من معتقلات مرتزِقة العدوان.
– هل تعرفتم على أحد الضباط أَو المحقّقين أَو الشاوش المرتزِقة الذي كانوا يعذبونكم؟
لا.. مستحيل؛ لأَنَّهم كانوا دائماً ما يظهرون أمامنا إلا وهم يرتدون الأقنعةَ، وهذا أكبرُ دليل بأنهم على باطل، ولو كانوا على حق لكشفوا لنا وجوههم.
– بعد 5 سنوات من الأسر كيف تم إطلاق سراحك، وكيف كان شعورك حينها؟
بعد أن توضأت لصلاة المغرب والعشاء، بخمس دقائق، انتظرت وكان حينها يأتيني نُعاس، وقلت هذا إبليس، بعدها أذنت وصليت المغرب والعشاء، وبعدها مددت الفراش ونمت، وتفاجأت بعدها بدخول الشاوش الذي يرافقني عند دخولي الحمام، وقال لي: “يا محمد قوم قوم، الفندم يشتيك تجهز”، فنهضت وارتديت ملابسي، ثم سألت الشاوش هل علينا بلاغ، قال: “لا يوجد عليك بلاغ، فقط الفندم يُريدك”، وبعدها ارتديت ملابسي وذهبت لمقابلة الفندم، وعند وصولي إليه قام الشاوش بمحاولة فك قيدي إلا أن القيد أصابه الصدأ فلم يفتح القفل، فقام بقطع القيد بالمنشار، ثم قال لي الفندم المرتزِق: “شرفي مبروك، قدك عتروح عند أمك”، لحظتها لم أصدق ما سمعته أُذُناي، وكانت فرحتي عامرة لا توصف، بعد خمس سنوات وأربعة أشهر من المعاناة والإهانة والتعذيب والتغذية السيئة.
وبعد أن خرجت من المعتقل، كانت عيناي مربوطتين، وأخذوني إلى منزل كان هو بيت الوساطة، وقد جلست عندهم 8 أَيَّـام حتى تمت المفاوضات ونجحت الحمدُ لله، بعدها تم التبادل وتم إطلاق سراحي، ولما رجعت إلى صنعاء قبل ثلاثة أَيَّـام من اليوم، أول ما دخلت من جولة آية لم أصدق ذلك كأنني في حلم.
– ما هو الفرق بين تعامل السجن وتعامل الوساطة معكم خلال 8 أَيَّـام قضيتها في منزلهم؟
كان معاملتي في منزل الوساطة معاملة ضيف تماماً، كانوا يقولون لي: أأمر ماذا تريد من طعام سُنعطيك أي شيء تريده، حتى أنهم آخر يوم ذهبوا بي لتناول طعام العشاء في المطعم.
– رسالة أخيرة تقولها في نهاية هذا الحوار؟
أُوصي إخوتي المجاهدين أن ينطلقوا إلى الجبهات، فواللهِ إنَّ قتالَ العدوان ومرتزِقته واجبٌ على كُـلّ إنسان ومن تخلف فهو مع الخوالف، هؤلاء أُناس يُهينون المؤمنين، وإن شاء الله النصر قريب في مأرب، وعلينا أن ندعم الجبهات وأن ننطلق في سبيل الله، وننصر المستضعفين، ونعمل؛ مِن أجلِ إخواننا الأسرى، فلا يعرف معاناة السجن إلا الأسيرُ ولا أتمنى ذلك لأي إنسان، وأفضل الشهادة على أن أقع في الأسر، وأنصح كُـلَّ المجاهدين أن يحذروا من الأسر، أدعوهم إلى أن يجاهدوا ويستبسلوا ولا أن يأسروا، هؤلاء معاملتهم أبشعُ من معاملة اليهود، ولكن الحمدُ لله والشكر لله الذي لا أعرف كيف أشكره على أن أخرجني من الأسر، وبإذن الله تتحسن صحتي ويتعافى جسدي، وبإذن الله أرجع إلى ميادين الجبهات وألقن العدوَّ دروساً لن ينساها.