اختناقُ “المحاكم” بالقضايا.. خطواتٌ جادةٌ نحو قضاء “عادل” و “ناجز”
المسيرة| محمد ناصر حتروش
جهودٌ كبيرة يبذلها رئيسُ المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط؛ لإصلاح القضاء، منطلقاً من رؤية عميقة بأن المواطن لا يريد عدالةً متأخرةً وأنه يجبُ محاسبةُ الفاسدين.
ويأتي تطوير مستوى الأداء القضائي من أبرز اهتمامات المجلس السياسي الأعلى برئاسة المشير المشاط الذي عقد خلال العام الجاري الكثير من اللقاءات مع مسؤولي السلطة القضائية، كما أنه يؤكّـد على حرصه بأن تكون هناك لجنةٌ تُعنَى بقراءة القوانين التي لها علاقة بتطويل التقاضي، بما يكفل سرعة إنجاز القضايا المنظورة أمام المحاكم وتنفيذ الأحكام الخَاصَّة بها.
صحيفة “المسيرة” تتبعت الموضوع، والتقت بعدد من المواطنين، وناشطين حقوقيين لمعرفة آرائهم حول المشاكل التي تعرقل القضاء وكيفية إصلاحه، فكان هذا التحقيق:
لأكثر من 13 سنة، والمواطن أمين السياغي يتنقّلُ من حين إلى آخر إلى المحاكم، آملاً أن ينصفه القضاء في قضية “ميراث” مع أسرته.
ويقول السياغي: إنه رفع الدعوى سنة 2008م، لكن المحكمة لم تحسم الأمر حتى اليوم، مُضيفاً بأسى: “لم نحقّق أية نتيجة”.
ويشير السياغي إلى أن القضاء أصدر 3 أحكام نهائية، تقضي بتقسيم الميراث بين أمه وإخوتها، غير أن الحكم الذي صدر منذ 6 سنوات لم ينفذ حتى الآن، مؤكّـداً أنه يتردّد باستمرار إلى المحكمة، محاولاً تنفيذ الحكم لكن دون جدوى، وأن ما يجنيه من هذه المتابعة هو الخسارة الكبيرة من الأموال لا سِـيَّـما خلال السنوات الأخيرة وبلادنا تعاني الويلات جراء استمرار العدوان الأمريكي السعودي للعام السادس على التوالي، وما نتج عنه من غلاء في المعيشة.
قصة المواطن السياغي، هي واحدة من آلاف القضايا المنظورة أمام المحاكم في بلادنا، وتعبّر بصورة جلية عن أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها محاكمنا ضمن ما يطلق عليه رجالُ القانون من قضاة ومحامين وخبراء قانون بـ”الاختناق القضائي”، الذي يقوّض في حال استمراره مصداقيةَ الجهاز القضائي والجهود الرسمية التي بذلت؛ مِن أجلِ إصلاحه.
المواطن عمر عادل البشيري، لا يزال أكثر حظاً من السياغي، فمدة بقائه في المحكمة هي عام ونصف، وقضيته كذلك تتعلق “بالميراث”.
ويقول البشيري: إنه يبحث عن “قاضٍ منصف” لحسم قضيته، مُشيراً إلى أن تأخر حسم القضايا وعدم احترام المواعيد يؤدي إلى تأخير القضايا رغم أنها قضية سهلة ولا تحتاج إلى جلسات كثيرة، مطالباً المجلس الأعلى للقضاء بالضغط على القضاة وإلزامهم بسرعة إنجاز القضايا وحل النزاعات.
أما المواطن محمد علي راصع -أحد أصحاب القضايا المتردّدين على المحاكم منذ أعوام كثيرة-، فيقول: إن القضاء يتقاعس كَثيراً عن أداء مسؤوليته وإنه يتكاسل عن الحضور إلى المحاكم وتأجيل القضاء، وعدمُ السرعة في حلها يسهم في الثقل على كاهل المواطن ويزيد من معاناته.
ويطالب راصع عبر صحيفة المسيرة، المجلس السياسي الأعلى ومجلس القضاء بالنظر في حال المواطنين وحسم مشاكلهم دون تأخير؛ وذلك كون التأخير في حَـلّ النزاعات يتطلب من المواطنين نفقات ومصاريف كثيرة، مما يزيد من حجم المعاناة على المواطنين الذي يعيشون ظروفاً صعبة جراء العدوان والحصار.
مشاكل متراكمة
ويعتبر تأخيرُ البت في القضايا وسرعة تنفيذ الأحكام، من أهم المشاكل التي يعاني منها غالبية المتقاضين في المحاكم منذ عقود طويلة من الزمن إلى اليوم.
وخلال السنوات الماضية، تفشى الفساد في السلطة القضائية، ولم تتمكّن الأنظمة السابقة من معالجة الاختلالات التي أرّقت الكثير من المواطنين.
لكن هذا الوضع أثار انزعاجاً كَبيراً للسلطة القائمة في المجلس السياسي الأعلى بصنعاء برئاسية المشير الركن مهدي المشّاط، الذي عقد عشرات اللقاءات مع المسؤولين على القضاء، وأحدث بعض التغييرات الجذرية؛ بهَدفِ الإصلاح، بل لم يكتف الرئيس المشّاط بذلك وكانت له كلمة خلال الأيّام الماضية، أكّـد فيها أن “المواطن لا يريد عدالة متأخرة وسنحاسب الفاسدين”.
قد يكون “محاسبة الفاسدين” وَ”التضخم في أجهزة القضاء”، هو المدخل لإصلاحه، لكن ما يهم الرئيس المشّاط في هذه المرحلة هو أن الناس بحاجة إلى أن يلمسوا في الواقع إنجازاً، متمنياً أن يصبح القضاء دعوى وإجَابَة وفق الشرع الإسلامي الحنيف.
من هذه المنطلق، فإن رؤية الرئيس المشّاط نابعة من رؤية الناس، فالقضاء هو عدل (سريع وناجز)، لا عدل متأخر، الأمر الذي يستوجب إحداث بعض التعديلات القانونية وتجهيز بنية وتأهيل كوادر قضائية للوصول إلى هذه الغاية، وهي القضاء العادل والسريع والمنجز.
ويرى الناشط الحقوقي صادق البعداني، أن توجيهات الرئيس المشّاط هي نابعة من حرص القيادة السياسية والثورية على إصلاح القضاء في بلادنا وإرساء مبدأ العدالة.
ويقول البعداني لصحيفة “المسيرة”: إن غالبية الجهات التنفيذية في القضاء تتقاعس عن أداء واجبها؛ نتيجة انعدام الضمير الوطني والوازع الديني، مطالباً الجهات المعنية بتفعيل الرقابة على المحاكم والقضاة، وذلك لتقييم القضاء وضبط المتلاعبين.
ولكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف يمكن إصلاحُ القضاء، ليكون سريعاً ومنجزاً كما يقول الرئيس المشّاط؟!
يقول المحامي علي محمد الحاج: إن الرؤية الحقيقية لإصلاح القضاء في اليمن تكمن في إعادة النظر في جميع القوانين القضائية؛ كونها لا تتناسب مع الواقع المعاش، في حين يؤكّـد المحامي نجران طارش المغلس أن القضاء لن يصلح ويستقيم له حال إلّا بصلاح السلطة العليا في القضاء.
ويسرد المغلس لصحيفة المسيرة، نموذجاً من فساد القضاء وهو أن الطلاب الذين تم تعيينهم في معهد القضاء قد صدر حكم من المحكمة الإدارية ببطلان قبولهم، غير أن السلطة العليا في القضاء لم تعر الحكم الصادر من المحكمة الإدارية أي اهتمام، حيث تجاهلت عمداً حكم المحكمة؛ نظراً لما تقتضيه المصلحة الشخصية لديهم، لافتاً إلى أن الطلاب الذين دخلوا المعهد القضائي فشلوا في الامتحانات وتم استبدالهم بمن تم إنجاحه في الامتحان؛ وذلك لأَنَّ غالبية الطلاب لديهم نفوذ في السلطة العليا للقضاء.
ويدعو المغلس الجهات المعنية إلى تفعيل التفتيش القضائي؛ كي يتم استئصال الفساد المنتشر في القضاء، مبينًا أن العديد من المحاميين يقدمون شكاوى كثيرة ضد القضاة ولكن دون أية جدوى، منوِّهًا بأن هناك الكثير من القضاة يتجاوزن القوانين ويحكمون وفق هواهم.
بدوره، يقول المستشار القانوني زكريا السراجي: إن القضاء ينقسم إلى السلطة الضبطية القضائية، متمثلة بالسلطة التنفيذية في وزارة الداخلية، وأنه يجب أن يكون لهم دور في ذلك، بحيث يكون العمل في السلطة القضائية تكاملياً.
ويضيف السراجي في تصريح خاص “للمسيرة”، أن القضاء هو عبارة عن تنظيم حياة الناس وحل نزاعتهم، وأن المجتمع اليمني يعيش في ظروف استثنائية جراء الحرب الظالمة، الأمر الذي يتوجب على السلطة القضائية استشعار المسؤولية أمام الله والعمل على إصلاح الاختلالات الحاصلة، وذلك من خلال تشكيل لجان لدارسة القوانين وتعديلها لما فيه مصلحة المواطن.
ويعتبر السراجي معهد القضاء منبع الفصل في الخصومات، وأنه يجب اختيار القيادات في القضاء من الناس المؤهلين في الجانب العلمي والأخلاقي والديني، موضحًا أن على معهد القضاء العالي وضع شروط ومؤهلات لكل من يريد التقدم للدارسة في القضاء، وأنه يجب عدم المساومة والرشاوى أثناء الدخول.
ويرى السراجي، أن على العاملين في معهد القضاء التحلي بالأخلاق الكريمة، وأن يكونوا القدوة في كُـلّ شيء؛ كونهم المنارة الأولى لبناء قاضٍ يحكم بالعدل.
ويدعو السراجي المجلس السياسي الأعلى وسلطة القضاء العليا إلى تشكيل لجنة لإعداد اقتراحات في تعديل القضاء من قبل أصحاب الكفاءات والخبرات والمؤهلات العلمية، وأن تكون الاقتراحات من الواقع المعاش في اليمن وليس من الخارج، لافتاً إلى أن السلطة القضائية تعني مبدأ العدل والإنصاف، وَأن نظام الدولة يكمن في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وأن السلطة التشريعية والتنفيذية لن تقوم إلّا بسلطة قضائية عادلة مستقلة تماماً متوفر لديها كاملُ الإمْكَانيات.
ويشير السراجي إلى أنه لا بد من توفير إمْكَانيات واحتياجات الحياة لكل قضاء؛ كي يصبح شريفاً ولا يقبل الرشاوى من أحد، مبينًا أن القضاة يعانون في إيجاد السكن وفي الإيجارات وغيرها من متطلبات الحياة.
ويؤكّـد السراجي، أن هناك العديد من الدراسات والبحوث التي يمكن اعتمادها لتحسين القضاء،وأن ذلك يتطلب إرادَة سياسية من المجلس السياسي الأعلى والسلطة العليا في القضاء، وَأن تفعيل مبدأ الثواب والعقاب ضروري لضبط المتلاعبين والسرق.
ويقترح السراجي تطبيق ثلاثة نماذج في مسار القضاء:
نموذج أقسام الشرطة، حيث يتم تجميع أدلة وإثباتات تثبت تورط أحد الأقسام في فساد معين، على ضوئه يتم إيقافه وإحالته للمحاسبة القانونية، ونموذج آخر عضو النيابة العامة بعد تجميع الشكاوى والشهود يتم إيقافه ومحاسبته واستبداله بشخص آخر ومن ثم التشهير الإعلامي بكل من ثبتت إدانتهم.
ويشير إلى أن متابعة صناديق الشكاوى في المحاكم وتقييم القضاة على ضوئها وسيلة هامة لإصلاح الاختلالات في القضاء، وأنه سيتضح من خلال التقييم التمييز بين القضاة الممتازين من المتلاعبين.
إرث ثقيل من الفساد
من جهته، يؤكّـد الناشط الحقوقي عبد الوهَّـاب الخيل، أن القضاء هو عماد الدولة وعمودها الفقري، معتبرا القضاء معياراً أَسَاسياً لنجاح نظام الحكم بأية دولة.
ويقول الخيل لصحيفة “المسيرة”: “إذا صلح القضاء صلحت بقية أجهزة الدولة وتحقّق الأمن والعدل الذي يجني ثمارَه المواطنُ، وإنه يجب أن يكون جميع فئات الشعب سواسية أمام القضاء، وإنه لا حصانة لفاسد من المثول أمام القضاء مهما كان ومنصبه ومركزه في الدولة”.
ويرى الخيل أن الدولة لن يستقيم نظامها ولن يستقر حالها، ما لم يكن العدل قوامها تطبقه المحاكم والقضاة، وتخضع لميزانه الشعوب والسلطات العامة، وأن العدل توجيه إلهي يجب على جميع الشعوب العمل به، مستشهداً بقوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
ويعتبر الخيل العدل قيمة إنسانية راسخة مستقرة في الضمير الإنساني قديماً وحديثاً، وأنه قاعدة يجب أن تتجسد في واقع القضاء اليمني، متابعاً حديثه بالقول: “نحن في زمن ما بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م التي قامت على مبادئ سامية أزعجت القوى الدولية التي كانت تتحكم بالقرار اليمني، وترسي ثقافة الفساد التي لم يكن القضاء حينها استثناء من ذلك الاستهداف الممنهج؛ كي لا تقوم لبلدنا قائمة”.
ويشير الخيل إلى أن القضاء اليمني يواجه صعوبات جراء العدوان على البلد وحصاره الخانق، ورغم انقطاع المرتبات لا يزال القضاء يمارس مهامه بثبات، وهو موقف يحسب لقضاتنا الأجلّاء.
كما يرى الخيل، أن هناك إرثاً ثقيلاً ومؤلماً من الفساد والسلبيات وجوانب قصور لا تزال مستمرة من عهود الأنظمة السابقة وَحتى التاريخ، وأن قيادة الدولة الثورية والسياسية تولي السلطة القضائية اهتماماً بالغاً لتجاوز السلبيات والعوائق ومحاربة الفساد.
ويذكر الخيل، أن من أسباب تأخير البت في قضايا الناس هو التعقيد في قوانين “إجراءات التقاضي” التي وضعها المشرع القانوني في الأَسَاس لضمان سلامة إجراءات التقاضي وتسهيل البت في القضايا دون تأخير، وأن الواقع المعاش يؤكّـد بأنها باتت سبباً في تأخير البت في القضايا، مُضيفاً بقوله: “تمكّن المدعي من الوصول إلى أحكام تحفظ حقه، فذلك يكون بعد سنوات طويلة، وهذه العدالة المتأخرة ليست بعدالة، وأن تلك القوانين بحاجة مأساة إلى تحديث وتطوير وتعديل”.
ويؤكّـد الخيل أن تحديث القوانين لن يتحقّق إلّا من خلال عقد ورشة يجتمع فيها القضاة العاملون في الميدان لتحديد مكامن الخلل التشريعية ووضع الاقتراحات التي يتم تعديل تلك القوانين بموجبها، ليضمن المواطن عدالة ناجزة فعلاً.
وتعتبر صعوبة تنفيذ الأحكام سبباً آخر من أسباب التأخير في البت بالقضايا، وأن ثمرة الأحكام في تنفيذها وصعوبة تنفيذ الأحكام مشكلة يطول شرحها، وتستحق تعاوناً كَبيراً بين السلطة القضائية والتنفيذية لحلها؛ كي يجني المواطن ثمار العدالة.
مشاكل التأخير كذلك في البت لا تقتصر على ما سبق ذكره، فالرسوم القضائية مشكلة تؤرق المتقاضين، وهي سبب رئيس في عجز الكثير من أصحاب القضايا من رفع الدعاوى بحسب المحامي الخيل.
ويدعو الخيل الجهات المعنية إلى إعادة النظر في تلك المشاكل والأسباب المؤدية إلى التأخير في البت، لا سِـيَّـما الرسوم القضائية المرهقة لكل من أخذ ماله وأصبح فقيراً مدقعاً.
ويختم المحامي عبد الوهَّـاب الخيل حديثه “للمسيرة” بالقول: “الفساد بين الموظفين الإداريين واقع ملموس، ونتمنى من الإخوة في التفتيش القضائي ووزارة العدل أن تتحقّق بنفسها، ولا تنتظر إلى الشكاوى التي ترفع من المواطنين”، معتبراً الفساد الذي يأتي من جانب القضاة جريمة جسيمة جِـدًّا، قال عنها الرئيس المشّاط: “القاضي الذي يتعاطى الرشوة يشوه شرع الله ودينه الحنيف، وباسم الله يصادر حقوق الناس، ومثل هذا لا تأخذكم به رأفة”.
تدخل الوساطات يفسد القضاء
المحامي أحمد الأديمي، يرى من جانبه أن القضاء يتضمن ثلاثة محاور: نظام قضائي، ونظام قانوني، والعاملين فيه من القضاء ومساعديهم.
ويتحدث الأديمي لصحيفة المسيرة، أن النظام القضائي ليس وظيفة كبقية الوظائف الأُخرى، بل إن الدولة لا ترسو ولا تستقر ولا تتقدم ولا ينصرها الله إلّا إذَا كانت عادلة.
ويوضح الأديمي أن استقامة العدل يكمن في حسن اختيار من يتولون القضاء، وأن القاضي نائب عن كُـلّ الدولة، وأن لا سلطة أعلى من سلطة القضاء.
ويشير الأديمي إلى أن غالبية من يتولون القضاء يتهافتون على المعهد جرياً وراء السلطة والمرتب والمزايا وليس للعدل أَو لإقامة العدل بل لمآرب شخصية للأسف، وأن الوساطات تتدخل وتستغل ثغرات نظام القبول في المعهد.
ويرى الأديمي أن جزءاً من فساد القضاء يتعلق بفساد سياسة القبول في معهد القضاء وتدخل الوساطات في من يتم قبولهم.
ويعتقد الأديمي أن الاختبارات ليست مقياساً حقيقياً يتم الاعتمادُ عليه للدارسة في معهد القضاء، وأن المعهد لا يولي لشخصية من يتم قبوله ليدرس قضاء مدى تقوى الله وهدفه من الالتحاق بالدراسة للقضاء.
ويستدل الأديمي على الفساد القضائي قائلاً: “يكفي أن نطالع آخر حكم من المحكمة الإدارية الذي ألغى دفعة خريجي كاملة مكونة من نيف وثلاثين قاضياً، تم تخرجهم من المعهد دون أن تتحقق أصلاً فيهم شروطُ القبول”.
ويحكي الأديمي أن الفساد الآخر متعلق بالمنظومة القانونية فنجده في تصعيب محاسبة القضاة، وأن ما احتوته بعض القوانين في محاسبة ومراقبة القضاء ومحاسبتهم في استخدام سلطاتهم القضائية ليست كافية، مُضيفاً: أن القاضي كأبسط مثال ممكن يحكم في دعوى دون أن تعقد خصومه حقيقية، وبالتالي يكون قد استخدم سلطته خطأ، واستغلها للإضرار بالآخرين إما عمداُ أَو حتى سهواُ، ولا يكون أمام المتضررين إلّا الطعن.
ويرى الأديمي أن من أبرز فساد القضاء المتعلق بالقانون هو قانون الرسوم القضائية، وأن القانون ينصُّ على أنه لا يمكن لأصحاب الحقوق اللجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم إلّا بعد دفع الرسوم القضائية التي تصل إلى اثنين ونصف بالمِئة، متابعاً بقوله: “وللأسف هذا النظام السيء تم إقرارُه في ظل النظام السابق لحماية عروش الظلمة وهوامير الفساد والبلطجة، إذ أن هذا القانون ما شرع إلّا لحمايتهم وكسر الضعفاء عن حقوقهم”.
ويؤكّـد الأديمي أن الظلمة والمتسلطين بكل بساطه يغتصبون الحقوق الخَاصَّة بالضعفاء، وأن الضعفاء يعجزون عن اللجوء للقضاء لحماية حقوقهم؛ بسَببِ الرسوم القضائية.
ويضرب الأديمي مثالاً واقعياً لما يحصل قائلاً: التاجر الكبير والمسؤول الكبير يبسط على أرض فلان التي ورثها وَلا يكون أمامه إلّا أن يلجأ للقضاء ولكنه يفاجأ أن عليه دفع رسوم قضائية فقط لفتح ملف قضية وقيدها ومنحها رقماً، بدفع مبلغ اثنين ونصف بالمِئة من قيمة الأرض، وبالتالي من أين له ذلك، فيضطر أن يموت بحسرته والحالات كثيرة للأسف.
ويضيف الأديمي أن هناك أسباباً أُخرى تعد سبباً في إعاقة وفساد النظام القضائير منها تباعد المحاكم من جهة وقد زاد السكان ويحتاج الأمر لإعادة النظر في تقسيم المدن والمديريات وزيادة عدد المحاكم من جهة أُخرى.
كما يؤكّـد أن القضاة ومساعديهم لا يحضون بدورات تأهيلية تمكّنهم من التعامل السلس مع المعاملات التي تصل إليهم، وأنه لا يوجد أنظمة لضمان حياد القاضي وضمان عدم ضياع الملفات.
ويرجع الأديمي أسباب تكدّس القضايا والملفات وضياعها وتعقد الإجراءات وطول أمد التقاضي؛ نتيجة استغلال موارد القضاء الممنوح في موازنة الدولة، وأنه يجرى استغلالها بصورة شخصية وفردية وروتينية عقيمة.
ويعتقد أن انعدام آلية مراقبة القضاة ومساعديهم جعل بعضهم سيفاً مسلطاً على العدل والحقوق واستغلال الخصوم والارتشاء والتلاعب وتطويع القانون والمحاكم والعاملين فيها لمن يدفع.
ويتابع: ‘‘”لا يمكن تبرير ذلك بأن هؤلاء البعض ما لجأوا للرشوة إلّا لانقطاع الرواتب، وذلك أن هذه الحجّـة سخيفة وواهية، وقد كان المرتشون يرتشون رغم حصولهم على رواتبهم شهريًّا وكل مزاياهم، ورغم أن مرتباتهم الأعلى في وظائف الدولة”.
ويضيف: الحقيقةُ أَيْـضاً أن هؤلاء حصلوا على وظائفهم بكلِّ الوسائل من وساطات وشراء ذمم في سبيل الحصول على منافع الوظيفة، ليس إلّا ولا يعرفون أن اليوم دنيا وغداً آخرة، وأنهم سيأتون يوم القيامة بما غلوا وبما ظلموا وسيدفعون الحقوق في عذاب الله الشديد وسخطه.
ويرى المحامي الأديمي، أن إصلاح القضاة يجب أن يتمثل بإصلاح نظام القبول وشروط القبول والدراسة في معهد القضاء، وأنه يجب إلغاء قانون الرسوم القضائية، داعياً سلطة القضاء العلياء إلى تفعيل القوانين الرقابية ومبدأ الثواب والعقاب وفصل المرتشين ومن دخلوا القضاء بوساطات أَو من ثبت عليهم النهب وتطويع القضاء لمصالحهم الخَاصَّة، وذلك بفصلهم والتعزير العلني بهم ليكونوا عبرةً.
وَيدعو الأديمي كذلك إلى إيجاد آلية قوية لمراقبة قضايا المواطنين في المحاكم وتفعيل دور الرقابة الشديدة والشفافية في إجراءات سير الخصومة.
ويقترح في ختام حديثه، إلى إشراك رجال القانون في تولي سلطة القضاء من رجال المحامين ودكاترة الجامعة كنسب يطعم فيها السلطة القضائية بالتنسيق مع نقابة المحامين، وأن هناك محامين درجوا لسنوات في العمل القضائي وأصبح لديهم خبرات علمية وعملية كبيرة جِـدًّا أكثر من خريجي معهد القضاء، وفي معظم الدول يعين قضاة من المحامين والأكاديميين إلى جانب القضاة الدارسين في معهد القضاء.