“الصرخة” هي الحل
عبد المنان السنبلي
أعتقدُ أنه ليس بالضرورة أن تكونَ حوثياً حتى تصرُخَ “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”!
إن كنتَ عربياً حراً فإنه قد بات لزاماً عليك اليوم أن تصرُخَ الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.
إن كنتَ مسانداً وداعماً لقضية فلسطين ومناهضاً للتطبيع المجاني فقد بات لزاماً عليك أَيْـضاً أن تصرُخَ اليومَ الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.
طبعاً وقبل أن تتسرعوا في إصدار الفتاوى والأحكام المسبقة! سأشرحها وأوضحها لكم واحدة واحدة وحبة حبة بالتفصيل ثم احكموا بعد ذلك.
تخيلوا معي لو أن الإمارات كانت قد أعلنت تطبيعَها العلني والمجاني الكامل مع الكيان الصهيوني هذا في سبعينيات أَو ثمانينيات القرن الماضي مثلاً، تخيلوا ماذا كان سيحدُثُ؟!
بدون أدنى شك، كانت المظاهراتُ ستجتاحُ كُـلَّ المدن العربية من المحيط إلى الخليج، بما فيها المدن الإماراتية طبعاً، وسيشهد الشارعُ العربي حالةً حادةً من الاحتقان والغضب والهيجان بصورة عارمة لدرجة أنها ستدفعُ الأنظمةَ العربيةَ على الفور إلى عقد قمة عربية طارئة يُعلن فيها تعليقُ عضوية الإمارات في الجامعة العربية ومقاطعتها رسميًّا وشعبياً وإعلانها دولةً معاديةً للأُمَّـة العربية، وقد حصل هذا فعلاً مع مصر على إثر توقيعِ السادات لاتّفاقية سلامٍ مع دولة الكيان الصهيوني ذات يوم، وهي بالطبع مصر بجلالة قدرها التي خاضت ثلاثَ حروب مع إسرائيل قدمت خلالها آلافَ الشهداء والجرحى، فما بالك بدويلةٍ ناشئةٍ صغيرةٍ بحجم الإمارات والتي لم تطلق يوماً ولن تطلقَ طلقةً واحدةً ضد إسرائيل!
لا أحد طبعاً في الحقيقة يستطيعُ أن يتصورَ ماذا كان سيحدُثُ لها إنْ هي فعلاً تجرّأت وأقدمت على التطبيع مع إسرائيل في ذلك الوقت!
فلماذا اليوم لم نعد نرى أيةَ ردة فعلٍ عربيٍّ رسميٍّ أَو شعبيٍّ تجاه ما أقدمت عليه الإمارات أَو غير الإمارات من تطبيعٍ علنيٍّ ومفضوحٍ مجانيٍّ مع إسرائيل كتلك التي كان يمكن أن نراها من قبل؟!
السببُ بسيطٌ وواضحٌ جِـدًّا ولا يحتاج إلى أي مجهودٍ يُذكر للبحث عنه أَو استكشافه وهو أنه على عكس جيل الأمس الذي كان مشبعاً ومثقلاً بمشاعر العداء والكراهية لأمريكا وإسرائيل؛ بفعل تأثير المد القومي العربي الذي كان لا يزال حاضراً ومتواجداً بقوة طبعاً فإنَّ جيلَ اليوم وبفعلِ مؤثراتٍ قويةٍ وصادمةٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ قد أُفرغ تماماً من كُـلّ مشاعر العداء والكراهية لإسرائيل ومَن وراء إسرائيل، الأمرُ الذي لم يعد يعي معه حقيقةَ الصراع وطبيعة القضية فهو اليوم كالأنعام بل أضل سبيلاً.
يعني المسألة مسألةُ وعي وإدراك، فكلما ازداد منسوبُ هذا الوعي لدى الناس وادراكهم لحقيقة القضية كلما تأججت لديهم مشاعرُ الحمية والغيرة وكلما غاب أَو تم تغييبُ أَو تزويرُ وعيهم وإدراكهم كلما بردت هذه المشاعرُ وانطفأت جدوتُها وضاعت القضية!
وبالتالي وفي ظل هذا التغييب الممنهج والمتعمد للوعي والإدراك والتزوير للمفاهيم الذي نعيشُه اليومَ فقد أضحت على عاتقنا اليوم مهمة إعادة شحن هذا الجيل العربي والأجيال القادمة بمشاعر العداء والكراهية لهذا العدوّ الصهيوني الغاصب ولأمريكا الضامنة لأمنه وديمومة بقائه.
فكيف وفي ظل هذا الواقعِ الرسمي المخزي والمتخاذل والمتواطئ نستطيعُ أن نقومَ بهذه المهمة التاريخية الأهم ربما في تاريخنا المعاصر؟!
لا شك أن الصرخةَ في مثل هذه الحالة هي علاجٌ ناجعٌ وسهلُ التكلفة لمثل هذه الحالة من البرود القيمي والأخلاقي والقومي تجاه واحدة من أهمِّ قضايا العرب المصيرية عبر التاريخ – قضية فلسطين.
فقط ما عليك إلا أن تُعَلِّمَ الناسَ أن يصرخوا الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل وسيتكفلون بعدها بأنفسهم بالبحث والتحري عن سر ترديدِهم لهذه الصرخة، الأمر الذي ستنمو معه لديهم مشاعرُ الغضب والعداء والكراهية لإسرائيل ومن وراء إسرائيل طبعاً.
عندَها فقط سيدركون تلقائياً أن هنالك محتلاً غاصباً ومجرِماً يحتلُّ جُزءاً غالياً من أرضِنا ومقدَّساتِنا ويجبُ الوقوفُ في وجهِه ووجهِ كُـلِّ مَن يدورُ في أفلاكه من حُكَّامِ وأمراءِ الطوائفِ والممالك الكرتونية.
فكما أصبحت (المبادرةُ) السعودية ذاتَ يوم (مبادرةً) عربيةً لكل العرب، هلَّا أصبحت صرخةُ (البراءة) اليوم شعاراً وصرخةً (عربيةً) لكُلِّ العربِ، لا لشيءٍ إلا انتصاراً لمبادئنا وقِيَمِنا العربية الأصيلة أم أننا العربَ لا نتفقُ ولا نجتمعُ إلا على مَواطِنِ الذل والهوان؟!