الأبعادُ الاستراتيجية للعدوان والحصار على اليمن.. أمريكا رأسُ الحربة
تتعمد واشنطن وإسرائيل استمرارَ العدوان بأشكاله المختلفة لإبقاء مصالحهما في بلادنا
المسيرة | عباس القاعدي
ساقت دولُ العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا منذ اللحظات الأولى للعدوان الكثيرَ من المبرّرات، محاولةً إيهامَ الرأي العام الدولي بأنها جاءت لإنقاذ ما تسميه “بالشرعية” ولمواجهة المد الإيراني في اليمن، غير أن الحقائق تتكشف من يوم إلى آخر، وتوضح الأهداف الحقيقية من هذا العدوان على بلادنا بعكس تلك المبرّرات الواهية.
قبل أكثر من خمس سنوات كانت محافظات المهرة وسقطرى وحضرموت خارج دائرة الصراع، لكنها الآن تتصدر المشهد لتفضح العدوان وأطماعه للسيطرة على اليمن وثرواته وخيراته.
وسنحاول هنا توضيحَ بعض الأهداف غير المعلَنة والتي دفعت السعوديةَ والإماراتِ ومن خلفهما أمريكا وبريطانيا وإسرائيل للخوض في المعترك وشن عدوان هستيري لم تشهد بلادنا مثيلاً له خلال تاريخها.
الموقع الاستراتيجي
تبرز الأهميّة الاستراتيجية لموقع اليمن على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا ما جعله مصدر اهتمام القوى الدولية عبر التاريخ ومطمعاً للقوى الاستعمارية، التي تسعى إلى احتلال اليمن؛ مِن أجلِ ضمان استمرار تدفق الثروة النفطية من دون معوقات.
وتؤكّـد الكثير من الدراسات والأبحاث أن من يسيطر على اليمن فَإنَّه يصبح لاعباً أَسَاسياً في المنطقة، وَيعطيها القدرة على التحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية في العالم؛ ولهذا أَدَّت الحربُ العدوانية والسياسية والاقتصادية إلى زيادةِ شهيةِ الطامِعين باليمن وبثرواته واحتلال الجزر والموانئ والمنافذ البحرية من قبل القوى الإقليمية والدولية، والامبريالية الأمريكية التي شكلت تحالفاً عدوانياً على اليمن لتنفيذ أهدافها وتحت مسمى “التحالف العربي” وبتمويل أمريكي وتنفيذ سعودي إماراتي.
وتحاول أمريكا إطالة أمدى العدوان على بلادنا؛ كي تتحكم بسير عملية نقل الطاقة والتجارة الدولية، إضافة إلى التحكم في مخزونَ الثروات الهائلة فيه وامتصاصها، كما تمارِس من خلاله أقوى الضغوط لإخضاع القوى العالمية التي تنازعها على قيادة العالم، وهي تريد كذلك من خلال استمرار الحرب على اليمن ضمان قطع طريق تجارة الصين الذاهبة إلى القارة الإفريقية والأُورُوبية وعلى خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمح روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في الـيمن، وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلى أُورُوبا، أَو تحويله إلى آسيا، كما تضمنُ بقاء دول أُورُوبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكونُ أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين.
ثورة 21 سبتمبر
وقبل العدوان على اليمن كانت أمريكا تتحكم في المضائق المائية لبلادنا من خلال الحكومة اليمنية الموالية لها في عهد صالح والمرتزِق هادي، غير أن ثورة 21 سبتمبر 2014 تبنت مشروع التحرّر من الوصاية الإقليمية والدولية، وَأكّـدت على ضرورة بناء دولة وطنية مستقلة وتطهير اليمن من أدوات النفوذ الخارجية، وتغيير المسار السياسي والإداري والاستراتيجي له.
وحين أدركت أمريكا أن ثورة 21 سبتمبر ستنهي مشروعها ووجودها ومصالحها في اليمنن قرّرت إخضاع اليمن والسيطرة عليه بالقوة العسكرية والحرب العدوانية بمساندة النظامين السعودي والإماراتي، بعد أن أذنت للنظام السعودي والإماراتي بإعلان الحرب على اليمن واحتلاله لاستعادة نفوذها السياسي والاقتصادي والإداري، وإبقاء اليمن تحت هيمنتها واستغلال ثرواته وموقعه لمصالحها التي فقدتها بعد قيام ثورة 21 سبتمبر.
وتشير الكثير من التقارير إلى أن الدول الكبرى تحفزت للسيطرة على اليمن من قبل فتح قناة السويس (عام 1869م)، تلك التي ربطت الممرات المائية آنفة الذكر بالبحر الأبيض المتوسط، لتصبح أقصر الطرق التجارية بين دول شرق آسيا والهند من جهة وأُورُوبا وأمريكا من جهة أُخرى، إضافةً إلى أنها باتت أهمَّ معابر نقل النفط من منابعها في الشرق إلى مستهلكيها الأَسَاسيين في الغرب.
ويُفهم من ذلك أن الدولَ الكبرى الأُخرى غير أمريكا لم تكن بمعزلٍ عن الاهتمام ببلادنا، فروسيا مثلاً حاولت منذ أن كانت تتحكم بالاتّحاد السوفييتي مدَّ نفوذها إليه، لكنه كان دائماً نفوذاً هامشياً، سمحت به بريطانيا على الأغلب لتجعله عقبةً أمام الشَّرَه الأمريكي.
ومنذ سنوات كثيرة كانت روسيا تحاول إقناعَ النظام السابق وحكوماته بمنحها حقَّ إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي، وكذلك تتطلع الصين التي بدأت تبني أسطولاً بحرياً ضخماً إلى بناء قاعدة بحرية في عدنَ، وقد دخلت في مفاوضات مع الحكومة السابقة بهذا الصدد الذي يؤكّـد أن الموقعَ الاستراتيجي لليمن كان تحت سيطرة واحتلال الدول الكبرى المتقاسمة اليمن بحسب مصالحها.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كشّرت أمريكا عن أنيابها وانتهزت الفرصة لابتزاز النظام السابق في اليمن وإخضاعه لرغباتها، ورغم مطاوعة الأخير لها؛ خشيةً منها ووقوفه معها كحليفٍ في حربها العالمية ضد “الإرهاب”، إلا أن أمريكا لم تقنع بهذا، بل أصبحت المهيمنةَ والمسيطرة على اليمن لأهميته الاستراتيجية. والتي فشلت وانتهت بعد 2014م.
لقد أدركت أمريكا أن قائدَ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لن يسمحَ بالهيمنة الأمريكي والدولية؛ لأَنَّ الحريةَ والاستقلالَ مبدأٌ أَسَاسي لديه، وقد تمثل ذلك وترسّخُ في شعار الصرخة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)؛ ونتيجة لذلك عُقدت المؤامرة الأمريكية مع حلفائها للعدوان على اليمن.
وبحسب موقع رؤيا للبحوث والدراسات فَإنَّ من أبرز أسباب العدوان والحرب على اليمن على المستوى الإقليمي والدولي هو الموقع الجغرافي والأهميّة الجيوسياسية للموانئ والممرات التي تحكم مصالح القوى الإقليمية والدولية، والمفاهيم السياسية الجديدة، والمتغيرات الجيوسياسية في عمق البحر الأحمر وشرق إفريقيا بما يحويه من الثروات الطبيعية، واختلال حالة التوازن السياسية والاستقرار في المنطقة والعالم.
ويضيف الموقع أن تلك الأسبابَ أَدَّت إلى طموح الدول العظمى إلى الهيمنة والسيطرة على المياه الإقليمية والجزر اليمنية خُصُوصاً بعد التحوّلات السياسية للدول الكبرى في التعامل مع الدول والأنظمة والحكومات المطلة على البحر الأحمر، وصراع النفوذ والتقاسم متعدد الأقطاب في المياه الإقليمية والدولية، إضافةً إلى السباق الإقليمي والدولي، في الأطماع الدولية الرامية إلى السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، والجُزُر والموانئ، اليمنية؛ مِن أجلِ بناءِ القواعدِ العسكرية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وقيام اقتصاد الدول على مبيعات الأسلحة وأعمال التهريب والقرصنة في البحر، والمصالح والاستثمارات الأجنبية في القطاعات النفطية وغيرها داخل اليمن.
أبعادٌ أمنية وجيوسياسية
للعدوان على اليمن أبعادٌ أمنية وجيوسياسية تكمُنُ في المصالح الإقليمية والدولية في البحر والجُزُر والمنافذ، وهذا ما يفسر إلى حَــدٍّ كبير أن تلك الدول وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل وغيرهما من الدول الكبرى تتعمد على استمرار الحرب بأشكاله المختلفة؛ لاستمرار تلك المصالح الإقليمية والدولية، إضافةً إلى أن ما يحدُثُ اليوم في باب المندب وجزيرة ميون وعمق البحر الأحمر، وتعاظم أعمال الاحتلال والسيطرة في الجزر والسواحل، واستمرار الحرب العدوانية على بلادنا، إنما هو للوصول إلى أهداف أُخرى منها إعادة تقسيم الخارطة السياسية لليمن، وأن لهذا العدوان أبعادَه الأمنية والجيوسياسية، التي تكمن في التحوّلات الجيوسياسية نحو عالَمِ متعدد الأقطاب.
وللتوضيح أكثرَ فقد كان في الماضي الشرق والغرب (الحرب الباردة)، وفي الحاضر المشرقين الروسي والصيني، والمغربين الأُورُوبي والأمريكي، والمستقبل المشارق والمغارب، وكذلك صعود فاعلين جُدُدٍ مؤثرين في البيئة السياسية والأمنية المحلية والإقليمية، واختلال التوازنات الإقليمية والدولية، لذا فالحرب والعدوان والحصار ووفقًا لكل المعطيات والشواهد تحَرّكه أمريكا.
أمنُ إسرائيل وطريقُ العودة
في تقرير آخرَ، يؤكّـد موقعُ القدس العربي أن العدوان الدولي الأمريكي فاعلٌ بشكل رئيسي في بقاء الحرب على اليمن، سواءً بالدعم أَو التجاهل، فيما يصبح الدعم والتسليح العسكري أمراً حيوياً، واللافت فيها هو السيطرة الأمريكية الواضحة، على قرار العدوان والحرب في اليمن، سواءً على صعيد انتهاج واشنطن أُسلُـوب الضبط واستخدامه مع الحلفاء والخصوم في آنٍ واحد، أَو عن طريق ممارسة التأثير على القرار اليمني بالحرب والاحتلال العسكري.
ويضيف الموقعُ أن كلاً من فرنسا وبريطانيا يمتلكان على المستوى الدولي نفوذاً سياسيًّا كَبيراً، خَاصَّةً وأنهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، فقد استطاعت إلى جانب مبيعات الأسلحة توظيف ثقلها السياسي في مجلس الأمن الدولي لاستصدار عدة قرارات أممية لصالح دول العدوان وحربها على اليمن.
ولقد أرسلت فرنسا تعزيزاتٍ عسكريةً ولوجستية إلى السواحل الشرقية والجنوبية لليمن، الأمر الذي تم تفسيرُه حينها باستخدام دول العدوان لفرنسا ولتأمين الغطاء السياسي الغربي المطلوب لمواقفها الإقليمية، يأتي ذلك في الوقت الذي تُجرى فيه تحَرّكات سياسية مكثّـفة؛ مِن أجلِ التمركز والسيطرة على المياه الإقليمية اليمنية.
إنَّ المتغيراتِ الجيوسياسيةَ في البحر الأحمر وشرق إفريقيا بما يحويه من ثروات وموانئ وجُزُرٍ وقدرة على التواصل مع البر الإفريقي زادت أهميته وثقلُه السياسي في رسم معالم المرحلة المقبلة، وصياغة علاقات الدول الاقتصادية والسياسية ومصالحها في الأمد المتوسط والبعيد.
ولهذا تؤكّـد التقارير الدولية بأن أمريكا تسعى إلى تغييرِ الخريطة السياسية للشرق الأوسط، من خلال موقفها الثابت في المنطقة وعودتها عن طريق الحرب لليمن والسيطرة على المواقع الاستراتيجية، وما يقودها إلى ذلك تحقيق جملة من الأهداف والمصالح من أهمها تثبيت الواقع الجيوستراتيجي، وتأمين خطوط الملاحة الدولية، وإنعاش اقتصادها من خلال السيطرة على منفذ باب المندب كـ ممر بديل لـ هرمز، وجعل اليمن ساحةً خلفيةً للحرب لما يسمى إعادة الشرعية منتهية الصلاحية؛ مِن أجلِ فرض سيطرتها على معظم دول العالم بشكل عام واليمن بشكل خاص، وتوسيع قواعدها العسكرية في المنطقة، والحفاظ على أمن ربيبتها إسرائيل.
وتبحَثُ أمريكا عن طريقٍ للعودة إلى مستعمراتها القديمة الغنية بالثروات، من خلال حرب اليمن، الذي تشتركُ وتتبادل فيه دول العدوان معها نفس الدور والأهداف والمصالح، وثمة جهود بريطانية ونشاط قائم؛ بهَدفِ استعادة نفوذها في المنطقة، إضافةً إلى جهود فرنسا التي تعد من القوى الفاعلة في حرب اليمن، فقد وجدت باريس في اليمن سبيلاً لتحقيقِ مصالحها السياسية والاقتصادية، والمجال الذي لا بد منه للتأثير في مدى أبعدَ من الخليج العربي والوصول إلى موارد جديدة، تعزز من نفوذها في المنطقة ومن تراجع دورها في إفريقيا، ومشروع إقامة قواعد بحرية في القارة السمراء.
العدوانُ السعودي منذ مِئة عام
تؤكّـدُ صحيفةُ رأي اليوم أن العدوانَ السعودي بتاريخ تعامله مع اليمن كان وما زال منذ مِئة عام حاقداً عليه ويريد إبقاء اليمن ضعيفاً فقيراً يتقاذفُه الجهلُ والفقر؛ ليظل تحت السيطرة السعودية والدولية، وتبقى السعودية هو المتحكم بالقرار السياسي والإداري وأن يبقى اليمن مربوطاً لبوابة قصر اليمامة، كُـلّ ذلك مِن أجلِ أن يأمَنَ على نفسه من أن يصبحَ اليمن دولةً مستقلة قوية تتحكم في المسارات الدولية وهذا ما ظل يؤرقه منذ زمن مؤسّسي الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة حسب قولها، موضحة أن الغرض الرئيس هو إضعاف اليمن كدولة وكقدرات وتاريخ وجغرافيا.
وتشير الصحيفة إلى أنه وبعد أن أدرك نظام العدوان السعودي أن كُـلّ أحلامه تنتهي خُصُوصاً عندما شعر أن قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي رجل يجعل من اليمن دولة مستقلة تتحكم في العالم، تحَرّك لحرب اليمن وتحت مبرّر الخطر الإيراني غير الموجود أصلاً وبتوجيهات أمريكية إسرائيلية، والذي كان الغرضُ منه هو الحرب والعدوان والدمار وقتل الشعب اليمني؛ طمعاً بأرض اليمن وثرواته وموقعه الجغرافي المميز الذي من ضمن المصالح التي يمكن الاستفادة منه كجغرافيا.
وبحسب مركز البحوث والدراسات فَإنَّ العدوانَ السعودي قام بالحرب على اليمن لأهدافٍ كثيرة حتى يتمكّنَ من تحقيق طموحه في الحصول على متنفس على بحر العرب والمحيط الهندي لتصدير منتجاتها النفطية إلى الصين وآسيا شرقاً دون قلق من تهديدات إيران بالسيطرة على مضيق هرمز في الخليج العربي، من خلال إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، وتحويل محافظة (خراخير) الواقعة في منطقة نجران جنوبي السعودية، بإجلاء سكانها إلى مخزن للنفط الخام، الذي يمكنها من مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجيتها القديمة.
ويضيف المركز: وهذا حُلمٌ يراودُ العدوان السعودي منذ ثمانينيات القرن العشرين، ويطمحُ من خلاله للوصول إلى “بحر العرب”، بالسيطرة على ميناء “نشطون” الحيوي والاستراتيجي، وبناء بُنية تحتية متطورة، تسمح باستخدامه لتصدير النفط السعودي دون المرور بمضيق “هرمز” الاستراتيجي أَو “باب المندب، كما أن الهدفَ من السيطرة على منفذ شحن يأتي ضمن مسلسل السيطرة على المحافظة، “لابتلاع الجغرافيا اليمنية والبقاء الدائم لتنفيذ مشاريعها بالمهرة الغنية بالبترول الذي لم يستخرج بعد، كما يشير المسح الجيولوجي؛ ولذا حرص العدوانُ السعودي على تركيز انتشاره العسكري فيها كما قامت شركة “هوتا مارين” السعودية للنفط بتشييدِ ميناءٍ نفطي بها”.
ويؤكّـد مركَزُ البحوث والدراسات أن العدوانَ السعودي يعمل على تقسيم اليمن إلى الشمال والجنوب، وهذا من ضمن مشاريعه التفكيكية الأولى على مستوى المنطقة العربية، خلاف تقاطع مصالحِه السياسية والاقتصادية مع دول الخليج العربي، موضحًا أن اليمنَ يُعتبَرُ خطَّ الدفاع الأول عن دول الخليج جنوباً، (حيث المخزون النفطي الأول في العالم) وامتداداً طبيعياً لها، وَنقطةَ تحكم استراتيجية في معابر الملاحة البحرية الممتدة من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي عبر خليج عدن، لا سِـيَّـما من خلال جزر أرخبيل التي تضم جزيرة سُقطرة، ويشكل أهميّة استراتيجية للدول ذات النشاط الاقتصادي والسياسي الدولي؛ لذا فالتقسيمُ يخدُمُ مصالح العدوان السعودي الإماراتي ويضمن المشاريعَ الأمريكية والإسرائيلية والدولية والمصالح المشتركة في المنطقة بحسب البحوث والدراسات.
الجمعُ بين الأهداف العسكرية والتجارية
أما النظام الإماراتي فَإنَّ دخوله والمشاركة في العدوان على اليمن له عدة أهداف، من بينها أنه يحاول ترسيخ نفوذه وديمومته من خلال السياسة الخارجية المتبعة له في الوقت الراهن والذي يعمل على تطبيقها، حيث تكمن في الجمع بين الأهداف العسكرية والتجارية المتداخلة؛ بهَدفِ تحقيق أكبر قدر من المكاسب الخَاصَّة، وعلى نحو مطلق، بما يعزِّز طموحه السياسي، والاقتصادي، والعسكري، ودوره كقوة متنامية، ذات تطلع إقليمي، يسابق منافسيه نحو مرحلة جديدة من التطبيع الإسرائيلي تضمن الأهداف الاستراتيجية البعيدة.
ومن خلال السيطرة على أهم بقاع اليمن سواء الجنوب المطل على بحر العرب والقرن الإفريقي والاحتفاظ بنفوذ قوي في جنوب اليمن يمكن أن ينطلق منه لتعزيز نفوذه الجيوسياسي المتنامي فيما وراء بحر العرب، حتى خليج السويس، وفي خليج عدن، وغربي المحيط الهندي، وتحديدًا في المراكز النفطية والموانئ الممتدة من المكلا وبلحاف في شبوة مُرورًا بميناء عدن ومضيق باب المندب وميناء المخاء وبقية المرافئ في الساحل الغربي، بما فيها جزيرة سقطرى وجزيرة ميون على مدخل مضيق باب المندب.
وتقول الدراسات المتخصصة في الشؤون السياسية والاستراتيجية: إن أهدافَ الاحتلال الإماراتي في اليمن تلخّصت بالسيطرة على الموانئ بشكل أَسَاسي، وباحتلال الجزر والمنافذ البحرية بشكل رئيسي، مثل سقطرى الاستراتيجية وباب المندب المهم، موضحة أن من تلك الأهداف أَيْـضاً إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون المطلة على مضيق باب المندب، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية في جزيرة سقطرى، حيث تشير الأنباء إلى أنها أنشأت القواعد العسكرية بمشاركة إسرائيلية وهذا ما يحدث اليوم على ساحات الجزر اليمنية.
وتؤكّـد تلك الدراساتُ أن الاحتلال الإماراتي يهدف إلى تقسيم اليمن بحسب الخطة الأمريكية والإسرائيلية، بحيث يعود إلى ما قبل عام 1990، “ليعود الجنوب إلى الانفصاليين ولكن هذه المرة ليس هم بل تحت شعار جديد وهو الانتقالي والموالي لها ولإسرائيل”. مشيرة أن الإمارات المحتلّة ركزت من مناطق سيطرتها على محافظة عدن والتي يوجد فيها أحد أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، والذي يهدّد بشكل رئيسي موانئ دبي، إضافةً لوجود مصافي عدن التي تعد المركز الرئيسي لتصفية النفط باليمن. وكذلك على المخاء، حيث يوجدُ أحدُ أهم موانئ تصدير البُن في العالم، ومضيق باب المندب الذي تمر منه آلافُ السفن، ومحافظة شبوة التي يوجدُ فيها ميناء بلحاف النفطي، ومحافظة حضرموت حيث المخزون النفطي الأكبر باليمن.
كُلُّ ذلك يؤدي إلى فَهمِ أبعاد الحرب والدور الأمريكي في دعم العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن، من خلال التعرُّف على المصالح الأمريكية المتنامية في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا، والتي توضح لنا جليًّا أن الـيمن يعتبر أحدَ أهم بوابات المنطقة؛ باعتبَاره المسيطرَ على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط، وما يضاعفُ أَهميته موقعه إطلالتُه المباشرة على أهم مضيق في العالم وهو مضيق باب المندب الذي يتحكّمُ بالمنطقة المائية البحرية التي تفصلُ قارة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط.