ضرورة التحَرّك العملي الجاد ضد خيانة التطبيع
عبدالفتاح حيدرة
لا زلنا نسأل أنفسَنا وَبدهشة كيف تجرأت الإمارات والبحرين على إعلان التطبيع مع إسرائيل هكذا، على الرغم من تطبيع مصر قبلها وتطبيع الأردن، وتطبيع المغرب، وتطبيع حتى انتقالي عدن، صحيحٌ أنه التساؤل الجاد والحقيقي في هذه الأيّام، لكن دهشتنا هي التي غير جادة وغير حقيقية؛ لأَنَّ ما قامت به هذه الدويلتان اللقيطتان من تطبيع مع إسرائيل هو نتيجة طبيعية لصمت أجدادنا وآبائنا ونحن أَيْـضاً ولمدة قرن كامل من الجهل وعدم الوعي بأن الصهيونية تقوم بتربية وتسمين كُـلّ الأنظمة والدول التي تتبع الباطل، وَتحاصر وتجوع كُـلّ الأنظمة والدول التي تتبع الحق، وتعلف كُـلّ مجتمعات الشر بالأموال للاستقواء على أي مجتمع فيه الخير.
فلماذا نندهش من دون جدية التحَرّك الجاد والمسئول ضد هذا التطبيع، ونحن نرى اليوم بأُمِّ أعيننا وتحت سمعنا وبصرنا أنه من هذا وهكذا ولهذا تم إنتاج أنظمة الباطل ومجتمعات الشر المطبع مع إسرائيل، وليس أي باطل أَو شر وكفى، بل إن الأمر لا يتوقف حتى يصبح في كُـلّ بلد نظام للباطل حاكم ومتحكم، ويسانده ويدعمه ثقافة صمت قسري مجتمعي وشعبي جاهل بشروره، ومعاً يمارسان التنمر وفرض القوة والسطوة على أصحاب الحق والخير بدون وعي وبدون قيم، والهدف الصهيوني هنا هو نشرُ ثقافة التبعية والارتهان والفيد والنهب والخيانة والعمالة والارتزاق بين الناس.
إذا تمكّن نظام الباطل ومجتمع الشر من تشييد دولة حتى وإن كانت لقيطة وكرتونية مثل دول الخليج وعلى رأسهم الإمارات والسعودية، فإن مجتمع الخير مهما كان خيّراً وهو بدون دولة سوف يشعر ويلمس ضعفه وهوانه أمام جبروت نجاح ذلك الباطل والشر، هذا الشعور يعمل على تسيد القلق والارتباك والانعدام التام للوعي والقيم والمشروع بين الناس، ليبدأ اختلاط تضليل الباطل بوعي الحق وتساوي قيم الأخيار بأخلاق الأشرار.
فإن حدث هذا الخلط والتساوي فإن الهدف الصهيوني هنا هو ضمان عدم تحَرّك مجتمع الحق والخير، بل وضمان صمته أَيْـضاً، والأدهى والأمر هو صمته وهو يشاهد تزاوج أنظمة الباطل ومجتمعات الشر، ولا يتحَرّك ضدها، وكل ما عليه هو أن يعبر عن دهشته فقط، فترة أَو لحظة هذه الدهشة هي الخطر الحقيقي؛ لأَنَّ وعي المجتمع يتم تعبئته بكل صنوف وأساليب عدم الاكتراث، فتجده فجأة هو من يطالب أهل الحق والخير التوقف عن مواجهة الباطل والشر، ويتبنى أَيْـضاً دعوات الضغط لتشكيل أي نظام أَو سلطة، المهم أنها تتناسَبُ مع توجّـهات السلام والتطبيع مع إسرائيل.
تاريخيًّا ينجح أهلُ الباطل والشر في الوصول لهذا الهدف، حتى يتمكّنوا من تنفيذ بناء مشروع دول الباطل، التي تديرها أنظمة مرتهنة وتدعمها مجتمعات شريرة بدون وعي ولا قيم، وَالضرورة اليوم هي التحَرّك العملي الميداني لمواجهة التطبيع، فاذا لم يواجه اليوم هذا التطبيع مَنْ يملكون سلطة الحق وقوة الوعي وسلاح القيم، لبناء دولة ومجتمع وجيش وأمن وثقافة وعادات وتقاليد (الحق والخير)، فإن نجاحَ الباطل والشر في بناء أنظمة بديلة في بلدهم تستولي على القرار وتجعله في يد قوى الطاغوت والاستكبار، وهذا يعني المزيدَ من توالد الأنظمة والسلطات والمجتمعات والدول المرتهنة ودائمة السعي للتزاوج مع أنظمة وسلطات الباطل والشر الصهيوني، وتمكين سطوة وجبروت وطغيان كُـلّ شرور وجرائم وخيانات ومؤامرات ومكائد الصهيونية، حتى ينتهي الجميعُ مطبعاً مع إسرائيل كما تفعل الإمارات والبحرين اليوم.