جرائمُ دول العدوان الأمريكي وتواطؤ مجلس الأمن الدولي على ارتكاب المجازر في اليمن
عبدالوهَّـاب الوشلي
جرائمُ شنيعة وفظائع وحشية يقترفها تحالف الولايات المتحدة الأمريكية عبر توجيه الهجمات الجوية لاستهداف الأحياء السكنية والأعيان المدنية والمناطق الآهلة بالسكان من النساء والأطفال، منذ الساعات الأولى لبدء غارات العدوان السافر على اليمن،
وبهجماتها الجوية عن عمدٍ لا تتردّد الولايات المتحدة الأمريكية عبر أدواتها الإقليمية، الإمارات والسعودية، في قصف الأسواق الشعبيّة والمدن السكنية وتجمعات النساء ومدارس الأطفال ومحافل الأعراس ومجالس العزاء ومقابر الشهداء ومساجد العبادة ومخيمات النازحين ومستشفيات المرضى وسيارات المسعفين ومستودعات الأدوية وقوارب صيد الأسماك ومخازن الغذاء والوحدات الاقتصادية والمنتجات الزراعية وخزانات المياه ومحطات الطاقة والمولدات الكهربائية والمحلات التجارية وَوسائل المواصلات ومؤسّسات التعليم ومحاكم القضاء والمطارات المدنية والملاعب الرياضية وساحات الحدائق ومعامل الخياطة ومحطات التلفزة وحمامات الاستجمام والمناطق الأثرية والأماكن التاريخية والمنشآت الخدمية، وقائمة استهداف يطول سردُها ويصعُبُ تفصيلُها من جرائمَ وحشية لا تُنسى، تستمر في ارتكابها غارات دول العدوان الأمريكي بحق المدنيين والأماكن المدنية في اليمن.
وبأسلحة طائراتها العسكرية، تقتل الولايات المتحدة الأمريكية عن قصدٍ عشراتِ الآلاف من المدنيين، في سبيل بسط تسلطها الاستبدادي وفرض سيطرتها الهمجية ولتحقيق أهداف سياستها الخارجية وأغراض مقاصدها الاستعمارية.
فما أكثرَ أعداد الأطفال؟! وما أكثرَ أعداد النساء من السكان المدنيين الأبرياء الذين أوغلت في سفك دمائهم طائراتُ العدوان الأمريكية، وتمادت في قتلهم غارات نظام السعودية وصواريخ طائرات الإمارات الجوية؟! وما أكثر أعداد الأطفال الجرحى والنساء الثكلى؛ بفعل غارات العدوان الوحشي وصواريخ التحالف الهمجي؟!
وكم من المنازلِ المدنية الآهلة بالسكان قد تطايرت أعمدتها السميكة في الهوى وتساقطت هياكلُ بنائها المتماسكة من أعلى على رؤوس ساكنيها الأبرياء، فامتزجت دماء الجرحى النازفة وأشلاء أجساد القتلى المتناثرة بأكوام أجزاء البناء؛ بفعل تلك الغارات الجوية لطائرات تحالف الولايات المتحدة الأمريكية؟!
حتى ملاجئ الساكنين في العراء من النازحين البؤساء، لم تسلم من قصف الغارات الجوية، إذ سارعت طائرات تحالف العدوان في استهدافها والتنكيل الجائر بساكنيها، فخلفت بفعل غاراتها الوحشية مجازرَ بشريةً بشعةً وفاقمت بصواريخها الإجرامية مآسيَ إنسانية بين أوساط النازحين.
وكم هي حزينة مشاهد مجالس العزاء التي استهدفتها غارات التحالف الجوية، فساحت على امتداد مساحتها الواسعة دماءُ النساء؛ بفعل قصف طائرات الولايات المتحدة الأمريكية وصواريخ الدول الأُورُوبية المساندة بصفقاتِ الأسلحة للسعودية؟!
ولقتل الأطفال بضحيان روايات مؤلمة وحكايات دامية نسجت نصوصَ فصولها الحزينة غاراتُ طائرات الولايات المتحدة الأمريكية بصواريخها الوحشية وبإجرام الأعراب الصهاينة.
أما استهدافُ الغارات الأمريكية لأماكن الأسواق الشعبيّة، فيصعب على لسان الإنسان الشاعر وصفُها، وعلى الناظم بالألفاظ التعبير عنها؛ لفظاعة هول تناثر الأشلاء المتبعثرة وفداحة روع تكدس الأجساد المحترقة والوجوه المتفحمة والأطراف المتقطعة والدماء المسفوكة ظلماً، وهي تُغرق بحمرتها الداكنة أرجاء ساحات الأسواق المقصوفة،
ولقصف العرس بسنبان أوجاع لا تُنسى، إذ استحال حينها ضوءُ العرس إلى ظلام وأفراح الناس إلى أحزان، والأحياء إلى أموات؛ بفعل تلك الغارات الجوية لطائرات العدوان الأمريكية.
وعلى مساكن رموز الإعلام، تتساقط أسلحة طائرات العدوان الفتاكة لتستهدف بحمم نيرانها الجوية قتل الأطفال والنساء والمسنين الأبرياء على نحو شنيع يزيح بفظاعته الفادحة قناعَ القاتل المجرم المتخفي تحت ستار التشبث تدليساً بغطاء مساندة الشرعية المزعومة لدمية العدوان الغاشم.
وفي ذات سياق جرائم العدوان الأمريكي الصهيوني السافر على الشعب اليمني، يمكن إيرادُ بعض الشواهد لنماذج الجرائم المرتكبة التي تضمنتها تقارير فريق الخبراء الأمميين، رغم مساواتها الجائرة المجافية لحقائق الواقع ومحاباتها المسيّسة؛ بفعل الضغوط الدولية من المساواة الفاضحة بين الضحية والقاتل المجرم في سياق خلط الأوراق لتحقيق أغراض السياسة الدولية، ورغم ذلك لم يكن بوسع فرق الخبراء الأمميين أن يحجبوا فظاعة واتساع نطاق واقع الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدوان الأمريكي الصهيوني الغاشم في اليمن، وهنا بعض من تلك النماذج:
تسبّبت غارات التحالف الجوية في سقوط معظم الإصابات المدنية الموثقة، وفي السنوات الثلاث الماضية، استهدفت هذه الغارات الجوية مناطق سكنية وأسواقاً وجنازات وحفلات زفاف ومرافق احتجاز وقوارب مدنية، كما لم تسلم المرافقُ الطبية من القصف الجوي، (الفقرة 28 من تقرير فريق الخبراء البارزين، سبتمبر 2018م).
تأثرت المناطق السكنية بشكل متكرّر بالغارات الجوية التي سببت في أغلب الأحيان، دماراً هائلاً وخسائر بشرية بين المدنيين، ولم تسلم الجنازات والأعراس من هذه الهجمات، (الفقرتان 29، 32 من تقرير فريق الخبراء البارزين، سبتمبر 2018م).
قام فريق الخبراء بتوثيق أربعة أمثلة للغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف في عام 2015 على المحافظات الجنوبية، حيث ضربت أماكن مدنية وتسبّبت في دمار واسع النطاق وأضرار في المنشآت المدنية وَالمحمية، ضربت هذه الغارات الجوية مبنىً سكنياً في مديرية كريتر في عدن، ومسجداً في كريتر أَيْـضاً، وسوقاً للماشية في قرية الفيوش في محافظة لحج، ومدرسة في قرية الفيوش في محافظة لحج، ومدرسة في قرية طحرور، في محافظة لحج أَيْـضاً، لم يتم الكشف عن وجود عسكري داخل المناطق لحظة ضربتها الغارات الجوية، (الفقرة 189 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 6 تموز/ يوليو، في حوالي الساعة السادسة صباحاً، ضربت غارات جوية تابعة للتحالف سوقاً للماشية في قرية الفيوش بمحافظة لحج، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنياً وَإصابة أكثر من 20 آخرين، وكان معظمهم من الرجال، تركت الصواريخ حفراً كبيرة في موقع الارتطام، وقُتلت الماشية أَيْـضاً في الغارة الجوية، تفجّر العديد من الضحايا أشلاء؛ بسَببِ حجم الانفجار واستحال التعرّفُ عليهم في أعقاب الغارة، (الفقرة 187 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 9 تموز/ يوليو 2015، الساعة الواحدة بعد الظهر، ضربت غارة جوية للتحالف مدرسة مصعب بن عمير في منطقة طهرور بمحافظة لحج، مما أسفر عن مقتل 11 مدنياً وجرح 19 آخرين، وكان من بين المصابين ثلاث نساء وسبعة أطفال، بينهم طفل عمره خمسة أشهر، سقطت الضربة في منتصف الجانب الشرقي من المبنى، مما ألحق أضراراً بالغةً بالمدرسة، حيث تم تدمير سبعة صفوف وَألحقت أضراراً بالغة بالصفوف المتبقية، (الفقرة 188 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 16 تموز/ يوليو 2015، حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً، ضربت غارة جوية للتحالف مسجد الحسيني، في مديرية كريتر في عدن، دمّـرت الغارة المسجد بالكامل، ولم يبقَ سوى مئذنتين خارجيتين في فناء المسجد، كان مسجد الحسيني مسجد الشيعة الشهير في عدن الذي بُني في نهاية القرن التاسع عشر، كان المسجد جزءاً من مجمع الحسيني الأكبر، إلى جانب مبنى تم تجديدُه مؤخراً في نفس الفناء، كان للمسجد أهميّة دينية وتاريخية وثقافية خَاصَّة بالنسبة لطائفة الأقلية الشيعية في عدن، حيث غادر العديدُ من أفرادها المدينة قبل هجوم 2015 خوفاً من الاضطهاد، لم يكن مسجد الحسيني شغالاً خلال القتال في عام 2015 وفقاً لشخصين مقيمين في مديرية كريتر، تم إغلاقُ المسجد طوال الحرب ولم يدخله أَو يحتله أيُّ مقاتل، (الفقرة 190 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
لدى فريق الخبراء أسباب وجيهة للاعتقاد بأن غاراتِ التحالف الجوية تضرب أهدافاً مدنية، علاوة على ذلك، في وقت القيام بالهجوم، بدت كأنها هذه الأهداف كيانات مدنية تستفيد من الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، وفي هذه الحالات وَجَدَ فريقُ الخبراء أن طبيعة الهجوم يثير مخاوف قوية فيما يتعلق بإجراءات الاستهداف الخَاصَّة بالتحالف، (الفقرة 198 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
بناءً على الأدلة المتوفرة، لدى فريق الخبراء أسباب وجيهة للاعتقاد بأن التحالف نفذ غارات جوية في عدن، ربما لم تمتثل لمبادئ التمييز وَالتناسب وَالاحتياطات في الهجوم، تصل انتهاكات مبدأي التمييز وَالتناسب إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وشن هجوم عشوائي يؤدي إلى مقتل أَو إصابة مدنيين، أَو شن هجوم من المتوقع أنه سوف يتسبّب بخسائر فادحة أَو إصابات أَو أضرار مدنية مفرطة، وربما قد تؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية عن جرائم الحرب، هذا ينطوي على مسؤولية جنائية في جميع مستويات القيادة، (الفقرة 195 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
بين آذار/ مارس 2015 وَ30 حزيران يونيو 2019، نفذت قوات التحالف 19 ألفاً وَ874 غارةً جويةً على الأراضي اليمنية، وفقاً لمشروع معلومات اليمن، (الفقرة 429 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
حافلة مدرسية وَسوق محلي، آب/ أغسطُس 2018 حوالي الساعة 8:30 صباحاً، نفّذت قوات التحالف غارة جوية على سوق مدينة ضحيان في مديرية مجز بمحافظة صعدة، أصابت الغارة حافلةً تقل حوالي 50 طفلاً كانت متوقفة على الطريق السريع لسوق ضحيان، تحقّق فريق الخبراء من مقتل 11 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 10 وَ15 عاماً ورجلين بالغيين جراء الهجوم، أفادت بأن عددَ القتلى كان أعلى بكثير بحسب تقارير تشير إلى أن عدد القتلى لا يقل عن 40 شخصاً بينهم 39 صبياً وأن 60 مدنياً أُصيبوا في الحادثة، في يوم الهجوم تجمّع الأطفال في الساعة 7:00 صباحاً في المسجد للانطلاق في رحلة ليوم واحد لزيارة مقبرة الشهداء في منطقة الجعملة ضمن مديرية مجز، ومن ثم زيارة قبر حسين بدر الدين الحوثي في منطقة آل الصيفي، كان الأطفال على متن الحافلة دون سن 14 عاماً، تدمّـرت الحافلة بالكامل؛ بسَببِ الغارة التي ألحقت أضراراً جزئية بـ 11 متجراً وسيارة واحدة، تمزقت أجسادُ العديد من الأطفال المسافرين على متن الحافلة وكذلك المارة؛ بسَببِ الضربة، لدرجة أن عائلاتهم لم تتمكّن من التعرف عليهم أَو استرداد جثثهم لإجراء مراسم دفن مناسبة، (الفقرة 435 تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في يوم الاثنين، 11 حزيران / يونيو 2018 حوالي الساعة 11:45 صباحاً، نفّذ التحالف غارة جوية باستخدام قنبلة موجهة على منشأة طبية تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في عبس، أَدَّت إلى تدمير أحد مبانيها الأربعة، كانت المنشأة فارغة في ذلك الوقت، فلم تتسبب الضربة بقتل أَو إصابة أي موظفين أَو مرضى، لكنها أَدَّت إلى ضرر في جناح للمرضى ودمّـرت جناحاً مجاوراً للفرز وَالمراقبة، (الفقرة 431 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 26 آذار/ مارس 2019 حوالي الساعة 9:00 صباحاً، أصابت غارة جوية محيط مستشفى كتاف الريفي، وهو مستشفى صغير تدعمه منظمة أنقذوا الأطفال في مديرية كتاف وَالبقع الريفية بمحافظة صعدة، عند حدوث الغارة الجوية كان مدنيون من المنطقة، بمن فيهم الأطفال، يتدفقون إلى المستشفى الذي كان يؤوي أَيْـضاً مركزاً للتغذية العلاجية، وإلى السوق القريب، قتل ثمانية أشخاص (جميعهم من الذكور) بينهم خمسة أطفال وَحارس المستشفى، وأصابت الغارة تسعة أشخاص آخرين بينهم طفلان وفق تقارير، وذكر شهود أن الجثث كانت ممزقة إلى أشلاء، وكان لا بد من نقل عدد من الجرحى للعلاج الطارئ إلى مستشفى في مدينة صعدة التي تقعُ على بُعد 60 كيلو متراً من الموقع، (الفقرة 1437 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
وفقاً لتحقيقات فريق الخبراء، أصابت الغارةُ الجوية مباشرة، متجراً صغيراً يبيع مواد غذائية متنوعة ومواد غير غذائية، فضلاً عن الوقود المخزن بالبرميل، كان المتجر على مسافة قريبة من مدخل المستشفى، حوالي 10 إلى 15 متراً وبقربة سوق لبيع القات وسلع مختلفة، بينما أُصيبت واجهة مبنى المستشفى بأضرار طفيفة، أُصيب المستشفى كذلك بأضرار جسيمة لمولده وَمعداته ونوافذه وأبوابه، مما جعله غير مؤهل للعمل في أعقاب الغارة، لم يستطع المستشفى إعادة فتح أبوابه مباشرة للمرضى، وَتم تجهيز الخيم في الخارج في اليوم التالي حتى يستمر في خدمة الأشخاص من المنطقة، كما دمّـرت صيدلية بالقرب من المستشفى حيث وقعت بعضُ الإصابات، وفق تقارير تلقتها مجموعة الخبراء، ووفقاً لأحد العاملين في المستشفى، كان يوجد حوالي 25 موظفاً داخل المستشفى وقت الضربة، وأفادت منظمة أنقذوا الأطفال علناً عن إصابة أحد العامليين الصحيين أثناء رعاية طفليين، (الفقرة 438 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
بين المعلومات التي جمعها فريق الخبراء، أنه ليس هناك تواجد عسكري في المستشفى أَو السوق أَو المنطقة المحيطة وقت الهجوم، كما لم يوجد ما يشير إلى أن الموقع أَو المتجر يحتوي على أية أسلحة، ورغم أن هذا الاحتمال لم يتم اعتباره غير صحيح بناء على نتائج تحقيق المجموعة، وفقاً للمصادر، كان الضحايا جميعُهم من المدنيين، بينهم سبعة أطفال في المجموعة، أُبلغ فريق الخبراء أن المستشفى كان مدرجاً على قائمة “الأماكن المحرم قصفها”، وأن إحداثياته معروفة لدى التحالف، (الفقرة 439 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 9 آذار/ مارس 2019 بين الساعة 21:00 وَالساعة 22:00 تقريبًا، وقعت ثلاث ضربات جوية متتالية من منزلين مدنيين وَمزرعة في مغربة طلان في كشر، محافظة حجّـة، تعد كشر واحدة من المناطق الرئيسية في حجّـة التي تأثرت بالقتال بين الحوثيين وَقبائل حجور بين كانون الثاني/ يناير وَآذار / مارس 2019، وفقاً للمعلومات التي جمعها فريق الخبراء، تكثّـفت الغارات الجوية بعد استيلاء الحوثيين على المنطقة في آذار/ مارس 2019، وذكر أحد الشهود أن الطائرات كانت تقصف المنطقة وتجوبها لعدة ساعات، تلك الليلة ضربت الغارة الجوية الأولى منزلاً لرجل يتبع سلطات الأمر الواقع، وفق تقارير، دون التسبّب في خسائر بشرية، بعد حوالي ساعة، تعرض منزل قريب، يؤوي عدداً من العائلات، لضربة جوية أُخرى، قُتل سبعة أطفال، بعد سماع انفجار الغارة الثانية التي دمّـرت المنزل بالكامل خرجت عائلات كانت تحتمي في منزل قريب هرباً إلى منطقة مفتوحة باتجاه مزرعة خشية أن يكون منزلها التالي، غير أنهم تعرضوا بلحظتها لضربة جوية ثالثة أثناء محاولتهم الهرب، كان يفصل بين آخر غارتين من خمس إلى عشر دقائق، قُتل ثمانية مدنيين في الضربة الجوية الثالثة، أربع نساء وأربعة أطفال، بحسب تقارير، أُصيبت فتاة ذات إعاقة جسدية شديدة في السادسة عشر من عمرها أثناء محاولتها الهرب، وقد توفت متأثرة بجروحها بعدما أمضت ثلاثة أَيَّـام في المستشفى، ومع وفاتها ارتفع عددُ القتلى الذي سجله فريق الخبراء جراء الغارة الجوية الثالثة إلى تسعة، بالإجمال، قُتل ما لا يقلُّ عن 19 مدنياً بين الغارتين الجويتين في تلك الليلة، بما في ذلك 11 طفلاً وَثمان نساء، أكّـد فريق الخبراء وفاة 13 ضحية من بينهم 11 امرأة وفتاة من عائلتين مختلفتين على الأقل، وفق تقارير، قُتلت فتاة عمرها ست سنوات في الغارة الجوية، توفيت مع والدتها وَشقيقتها أثناء محاولتهن الفرارَ إلى المزرعة، ظلت فتاة صغيرة أُخرى في حالة حرجة في الوقت الذي كان فيه فريق الخبراء ينهي إعداد التقرير، (الفقرة 440 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
وصف شاهدٌ لفريق الخبراء كيف فر 17 شخصاً من المنزل الثاني الذي كان يأوي خمسَ أسرٍ في ذلك الوقت، قال إنه كان يركض للانضمام إليهم بعدما أخرجوا النساء وَالأطفال عندما ضربت الغارة الجوية المزرعة، ولما كانت طائرات يُعتقد أنها تجري استطلاعاً استمرت في التحليق فوق المناطق، اختبأ وَأخبر فريقُ الخبراء بأنه كان يسمع صرخات النجدة لمساعدة من نجوا، ولكنه كان خائفاً للغاية من الوصول إليهم، وشرح لفريق الخبراء أنه مع رجال آخرين لم يصلوا إلى الضحايا إلا في الصباح الباكر، وأنه عثر على أجزاء ممزقة من جثث أطفال وَالدم ملطخ جميع أنحاء المزرعة، على بعد ما بين 15 إلى 40 متراً من الانفجار، لم يتمكّن فريق الخبراء من تأكيد وجود أي تواجد عسكري حول المنزل أَو المزرعة، وَالتي كانت تقع في قرية نائية، (الفقرة 441 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 16 أيار/ مايو 2019 حوالي الساعة 8:15 صباحاً، شنّت قوات التحالف غارة جوية على مدينة صنعاء وَالمناطق المجاورة، قصفت ضمنها مبنىً سكنيًّا مؤلفاً من أربعة طوابق في شارعي الرقاص وَالرباط، أسفرت الضربة عن مقتل خمسة مدنيين على الأقل، فتاتين تبلغان من العمر 5 وَ11 سنة، وامرأة وَرجلين، بالإضافة إلى ذلك، جُرح ثمانية أشخاص، بينهم رجلان وَامرأتان وفتاتان وصبي، تشير المعلومات التي جمعها فريق الخبراء إلى أن الحيَّ كان منطقة سكنية هادئة، مع وجود مدرستين عاملتين أمام المبنى المستهدف، وقعت الضربة خلال شهر رمضان، في وقت كان فيه العديد من سكان المبنى نائمين، (الفقرة 442 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
أكّـد فريق الخبراء وقوع الإصابات بين المدنيين خلال هذه الغارة الجوية، ولم يتعرف على أي أهداف عسكرية واضحة في المنطقة، (الفقرة 443 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في معظم الحالات الموضحة أعلاه، أي الضربة الجوية القريبة من مستشفى كتاف في صعدة وَعلى المنزل وَالمزرعة في حجّـة وَعلى المبنى السكني في صنعاء، لا يوجد من الأدلة الموجودة ما يوحي بوجود أهداف عسكرية في المواقع المعنية للهجمات أَو القريبة منها، مما يثير مخاوف بشأن احترام مبدأ التمييز، (الفقرة 446 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في حالة مستشفى كتاف على وجه الخصوص، أصابت الغارة الجوية المنطقة القريبة من المستشفى، وهذا أمر ينبغي أن يكون معلوماً لدى التحالف، وفي وقت ازدحام خلال النهار وبوجود مدنيين، بما فيهم الطاقم الطبي، بالإضافة على المتواجدين في السوق، وحتى في حالة وجود هدف عسكري، فإن محيط المستشفى ووقت الضربة يثيران مخاوف فيما يتعلق باحترام مبادئ التناسب وَالاحتياطات في الهجوم، (الفقرة 447 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
فيما يتعلق بالغارة الجوية في حجّـة، فإن عددَ الغارات وَتوقيتها وقربها من بعضها البعض (أقل من 10 دقائق) وَالأضرار التي لحقت بالمنازل وواقع أن آخر غارة استهدفت منطقة مفتوحة فيها نساء وَأطفال في الغالب يركضون نحوها، توحي بإمْكَانية إصدار الأمر للقيام بالغارتين الجويتين الثانية وَالثالثة دون تقييم مناسب للأهداف، في انتهاك لمبدأ التمييز، حتى لو اعتُبر المنزلُ الأول هدفاً مشروعاً، يوجد مخاوف من إمْكَانية أن التحالف قد فشل في احترام مبدأ التناسب وَاتِّخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الأذى المدني إلى الحد الأدنى، المخاوف نفسها فيما يتعلق بمبدأ التمييز وَالاحتياطات حول صلاحية الهجوم على مبنى سكني في صنعاء، بالنظر إلى موقعه في حي سكني أمام مدرستين عاملتين، (الفقرة 448 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
فيما يتعلّق بالهجوم على الحافلة المدرسية في صعدة، من اللافت للنظر أن الفريق المشترك لتقييم الحوادث اعتبر الحافلة هدفاً عسكريًّا مشروعاً، على الرغم من وجود الكثير من الأطفال على متنها، في حالة أنه تم احترام مبدأ التمييز، تثير مخاوف خطيرة بشأن مبدأ التناسب وَالاحتياطات في الهجوم، (الفقرة 449 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
بناءً على الأدلة المتوفرة، لدى فريق الخبراء أسباب معقولة للاعتقاد بأن التحالف نفذ غارات جوية في محافظات صعدة وحجّـة وصنعاء وَالتي ربما لم تمتثل لمبادئ التمييز وَالتناسب وَالاحتياطات في الهجوم، تصل انتهاكات مبدأي التمييز وَالتناسب إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقد تؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية عن جرائم الحرب المتمثلة في شن هجوم عشوائي يؤدي إلى مقتل أَو إصابة مدنيين أَو شن هجوم متوقع أنه سوف يتسبّب بخسائر فادحة أَو إصابات أَو أضرار مدنية مفرطة، علاوة على ذلك، لدى فريق الخبراء أسباب معقولة للاعتقاد بأن التحالفَ قد خرق الحماية المحدّدة للوحدات الطبية من خلال شن هجمات عشوائية وَعدم اتِّخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الأضرار التي لحقت بمستشفى كتاف، وَربما توجيه الهجوم ضد مركز الكوليرا التابع لمنظمة أطباء بلا حدود، قد تؤدي هذه الهجمات العشوائية وَتلك التي تستهدف المنشآت الطبية إلى مسؤولية جنائية فردية على جميع مستويات القيادة، (الفقرة 450 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
شكّلت الغارات الجوية الخَاصَّة بالتحالف إحدى سمات القتال في الحديدة، أفاد مشروع اليمن للبيانات، بأن التحالف وكانون الثاني/ يناير 2019 في محافظة الحديدة، حيث مثل ذلك 34 بالمئة من الغارات الجوية في البلاد خلال فترة، وَكانت محافظة الحديدة ثاني أكبر محافظة مستهدفة في اليمن أيار/ مايو 2018 وكانون الثاني/ يناير 2019، بعد صعدة (596 غارة جوية على الأقل – 38 بالمئة) التي كانت أكثر المحافظات استهدافاً من جانب الغارات الجوية للتحالف منذ بدء الحملة الجوية في آذار/ مارس 2015، تمكّن فريق الخبراء من التوصل إلى استنتاجات وقائعية بشان تأثير الغارات الحوية على ثلاث حالات، (الفقرة 517 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في 26 حزيران/ يونيو 2018، عند الساعة الحادية عشرة وَالنصف، على الطريق بين زبيد وَالجراحي، على بعد حوالي 10 كم من الجراحي، أُصيبت صغيرة مدنية بيضاء كانت متجهة شرقاً بضربة جوية، كانت الحافلة الصغيرة تقل 19 نازحاً، بينهم امرأة وثلاثة أطفال، وهم أفراد من مجموعة من الصيادين الهاربين من القتال في الحديدة، وكانت الحافلة الصغيرة تحمل أَيْـضاً محركاتِ القوارب الخارجية، حسب المواد التي تّم فحصها وَالشهود الذين تم استجوابهم، تجاوزت الحافلة نقطة تفتيش عسكرية قبل فترة وجيزة من الضربة الجوية، كان الطقسُ صافياً وَالرؤية جيدة، وَالتضاريس المحيطة مسطحة، وكان المرورُ الوحيد واضحًا مع حركة مرور محدودة، ولم يكن من مبانٍ أَو أشياء أُخرى في الجوار، وقع انفجار واحد على الأرض عند مؤخرة السيارة مباشرة، لم تصب القنبلةُ السيارةَ مباشرةً، بل إن انفجارها ألحق أضراراً جسيمة بالمركبة وأشعل فيها النيران وطارت الشظايا المعدنية في جميع أنحاء السيارة، قُتل تسعة ركاب، جميعهم ذكور، بينهم السائق وَصبيّان، إما مباشرة؛ بسَببِ الانفجار أَو؛ بسَببِ النيران التي اندلعت، أُصيب جميع الركاب العشرة المتبقين، بينهم ثلاثة صبيان وامرأة بجروح وحروق خطيرة وشظايا، فضلاً عن تعرّضهم لصدمات خطيرة، (الفقرة 518 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
في تشرين الأول / أكتوبر 2018، في حوالي الساعة الخامسة وَالنصف مساءً، في منطقة محطة المسعودي، في مديرية المنصورية، في محافظة الحديدة، أصابت غارة جوية إحدى المزارع، أسفرت الشظايا الناجمة عن انفجار السلاح عن مقتل 21 مدنياً، بينهم طفلان، وإصابة سبعة مدنيين، بينهم أربعة أطفال، ووفقاً لروايات الشهود، الضحايا هم من المزارعين الذين كانوا يقومون بحصد وَتنظيف البامية المعدّة للبيع في السوق عندما تعرضوا للقصف مرتين، وقد أفيد بأن أحد الصاروخين لم ينفجر، ولم يتلقّ فريق الخبراء تقاريرَ عن وجود أي أهداف عسكرية واضحة بالقرب من المزرعة وقت الهجوم، (الفقرة 521 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
بناءً على الأدلة المتوفرة، لدى فريق الخبراء أسباب معقولة للاعتقاد بأن التحالفَ قد نفّذ غارات جوية في الحديدة لم تمتثل على الأرجح لمبادئ التمييز وَالتناسب وَالاحتياطات في الهجوم، في الواقع، يرقى انتهاكُ مبدأي التمييز وَالتناسب إلى انتهاكٍ جسيمٍ للقانون الدولي الإنساني، وَقد يؤدي شن هجوم عشوائي أسفر عن مقتل أَو إصابة مدنيين أَو شن هجوم متوقع أنه سيتسبّب بخسائر أَو إصابات أَو أضرار مدنية فادحة، قد يؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية من جرائم الحرب، وقد ينطوي ذلك على مسؤولية جنائية على جميع مستويات القيادة، (الفقرة 527 من تقرير فريق الخبراء لعام 2014-2019).
وفي مقابل تلك الجرائم الوحشية المرتكبة في اليمن، يتواطأ مجلسُ الأمن التابع للأمم المتحدة ويغض الطرف عمداً عن ارتكاب الجرائم الجسيمة على نحو شنيع، في مخالفة فاضحة لقواعد القانون الدولي، بما في ذلك قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وهذا السلوك ليس مستغرباً على مجلس الأمن الدولي، فمن يوفر الحمايةَ لكيان الصهاينة الغاصب عن جرائمه الوحشية بحق الشعب الفلسطيني من خلال الفيتو الأمريكي، ومن يتواطأُ مع سياسات دول الاستعمار لانتهاك سيادة البلدان والتدخل السافر في شؤونها الداخلية وتدويلها الممنهج؛ بغرض مصادرة حقوق الشعوب المناهضة لسياسة الإمبريالية الأمريكية المتغطرسة في انتهاك لمبادئ ومقاصد الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ومن يتواطأُ تجاه غزو العراق وقتل شعبها ويسوّغ للتدخل العسكري في ليبيا واستهداف شعبها ونهب ثرواتها، ومن يغضُّ الطرف على نحو فاضح عن دعم وتنظيم وتمويل واستغلال تنظيمات الإرهاب في إطار سياسة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فهو بالفعل ودون أدنى شك غير جدير بحماية المدنيين المستهدفين بالجرائم الوحشية عبر القنابل الجوية وصواريخ الطائرات الأمريكية والصهيونية، التي تقتل ليلَ نهارَ الأطفالَ والنساءَ والمدنيين الأبرياء في اليمن، فضلاً عن حماية الأمن والسلم الدوليين، حيثُ تُعدُّ انتهاكاتُ القانون الإنساني الجسيمة أحدَ مظاهره بحسب قرارات مجلس الأمن الذي صارت قرارته مُجَـرّد غطاء لأجندات دول تحالف العدوان على حساب قيم الإنسانية وقواعد أَسَاسية على الصعيد الدولي لضمان استتباب السلم الدولي.