العدوان الأمريكي السعودي عجز عن كسر إرادَة ثورة 21 سبتمبر وإعادة البلد إلى مربع الوصاية من جديد

 

أكاديميون وسياسيون وإعلاميون لصحيفة “المسيرة”:

 

المسيرة: محمد الكامل

تمثّل ثورةُ 21 من سبتمبر المجيدة في ذكراها السادسة، الطريقَ الحقيقيَّ نحو الحرية والكرامة والاستقلال، حيث أنقذت البلد من الوصاية والهيمنة الخارجية، وأزاحت مراكز النفوذ التي كانت تتحكّم في المشهد اليمني.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه ثورة 21 سبتمبر في الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية؛ نتيجة العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا، إلّا أن الثورة أنتجت رغبة وطنية ووعياً ثورياً؛ نتيجة الصمود الشعبي في مواجهة الغطرسة الأمريكية الصهيونية السعودية الإماراتية، والتي عجزت عن كسر إرادَة الشعب وإرادَة الثورة.

لقد اكتسبت ثورةُ 21 سبتمبر أهميتها من خلال المرحلة التي كانت تمرُّ بها اليمن قبلها، والتي اتّسمت بحالةٍ من الانفلات الأمني بالاغتيالات والتفجيرات وعمليات انتحارية وإرهابية، قامت بها جماعات متطرفة لأهداف سياسية أَو لتحقيق أجندة دول خارجية، إلى جانب التدهور الاقتصادي والمعيشي للمواطنين إلى حَــدِّ انعدام لقمة العيش وانتشار الفقر والجوع.

وفي غضون ذلك، يقول عميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء الدكتور عمر داعر: إن شكل الدولة “حينها” والتي امتلأ هيكلُها الإداري والتنفيذي بالفساد والفاسدين؛ نتيجة غياب القانون وضعف أجهزتها المختلفة، إلى جانب التفريط بالسيادة الوطنية واستقلال القرار وحرية الموقف حَــدّ وصول التدخلات الخارجية إلى ذروتها من قبل السعودية وأمريكا في عملية ارتهان للخارج بصورة مذلة والتحكم والاستئثار بثروة اليمن ومقدرات أرضه.

ويشير الدكتور داعر في كلامه لصحيفة المسيرة، إلى أن ثورة 21 سبتمبر استطاعت أن تنقذ البلد من براثين مؤامرة احتلال كانت حتمية، وكسرت قوى الشر والعدوان وقطعت أيدي القوى الخارجية في الداخل، وبالتالي الخروج عن التبعية والهيمنة الاستعمارية من قبل دول أمريكا وإسرائيل والسعودية وغيرها.

ويضيف الدكتور داعر، “أن بناء جيش قوي بأسلحة مصنعة محليًّا والتحَرّك الجاد في حماية الوطن ومواجهة ما يتعرض له من عدوان وحصار على مدى ست سنوات متتالية، كذلك خلق بيئة آمنة غيرَ قابلة للاختراق والسعي نحو الاكتفاء الذاتي كمشروع وطني تنموي شامل، وإعادة تفعيل الأجهزة الأمنية والإدارية وتجفيف منابع الفساد في مؤسّسات الدولة المختلفة”.

ويرى الدكتور داعر، أن هناك الكثيرَ من التحديات التي واجهتها ثورة الـ 21 من سبتمبر، تتمثّل بعضُها في العدوان الأمريكي الإسرائيلي والسعودي الذي استهدف كُـلَّ شيء على هذه الأرض، وحصار شامل وخانق هو في عامه السادس حتى الآن، والمحاولات المستمرة من قبل أذناب العمالة لهدم أَو التشكيك بما يراد تحقيقه لبناء الدولة بحرية واستقلال والتشكيك بالانتصارات التي حقّقها الجيش واللجان الشعبيّة والإنجازات التي حقّقته الثورة حتى الآن.

ويختم الدكتور عمر داعر تصريحَه بالحديثِ عن بعض الصعوبات على مستوى الداخل من قبل بعض الفاسدين، وسعيهم إلى تأخير خط سير الثورة نحو التصحيح وتطهير مؤسّسات الدولة وبنائها والنهوض بالوطن في المجالات التنموية، ولكن دعني أقول لهم بأن “هذه الثورة ستحقّق أهدافَها، وستبني وتتجّه بالبلد نحو الأفضل رغم أنوفهم ورغم كُـلّ العراقيل والصعوبات، وإن قيادةَ الثورة المجيدة لهم بالمرصاد”.

 

الأهميّة الاستراتيجية للثورة

يقول المديرُ التنفيذي لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني عبد العزيز أبو طالب: إن أهميّة أية ثورة أَو تحول شعبي يأتي من المطالب والدوافع التي تدفع نحوها هذه الثورة، وفي النموذج اليمني تأتي أهميّةُ ثورة 21 سبتمبر من دوافعها التي تتمثل في الرغبة الوطنية نحو استعادة القرار والسيادة والاستقلال، مؤكّـداً أن الأنظمة السابقة كانت صنيعة دول خارجية تلبي أهدافها وتحقّق مطامعها على حساب مصالح الشعب وسيادة الوطن.

ويضيف أبو طالب بقوله: “وبالتالي انتُقصت السيادةُ وانتُهكت حدود البلد وتعرض المواطن اليمني للإهانة وللتهميش وانتقاص الحقوق؛ بسَببِ رضوخ الأنظمة الحاكمة سابقًا للخارج وبالذات للسعودية والإدارة الأمريكية المتوحشة”، مؤكّـداً أن “الجماهير رفعت عدة مطالب، أبرزُها تنفيذُ مخرجات الحوار الوطني والتي كان يُعرقل تنفيذُها؛ بسَببِ القرار الخارجي المتحكم في قرار بعض النخب السياسية العميلة”.

ويؤكّـد أبو طالب في كلامه لصحيفة المسيرة قائلاً: “ولكن بعد نجاح الثورة في 21 سبتمبر، سقطت مراكزُ النفوذ وأبرزها الفرقة التي كان يملكها أحد أبرز أركان النظام العميل وهو علي محسن الأحمر الذراع السعودي القذر في اليمن، وهرب على متن طائرة بتنسيق من السفير السعودي على أنه زوجته وعائلته”.

ويواصل قائلاً: “تخلّص الشعبُ اليمنيُّ من أيادي الخارج، وامتلك قراره وأصبحت سيادةُ البلد مصونة، وأصبح استقلاله حقيقيًّا، إلى جانب بناء الجيش بعقيدة وطنية وهُوية إيمانية، وامتلاكه لقوة مسلحة من طيران مسيّر وصواريخ ودفاع جوي وبحري، بالإضافة إلى إلغاء وإفشال مشروع تقسيم اليمن عبر ما يسمى الأقاليم، وبالتالي الحفاظ على وحدة اليمن والعمل على تحرير الأرض والإنسان”.

إن القوى الرجعية والهيمنة لم تدع اليمن ينعم بما حقّقه من استقلال، فعمدت إلى إجهاض الثورة الفتية بافتعال أحداث والسير بالبلد إلى مربع الفوضى السياسية والأمنية، فارتفعت وتيرة الأعمال الإجرامية من اغتيالات وتفجيرات وعمليات انتحارية لخلط الأوراق ومعاقبة الشعب الذي يتطلع للحرية والاستقلال، بحسب قول أبو طالب.

ويشير أبو طالب إلى أنه وبالتزامن مع فشل كُـلِّ تلك التكتيكات، كان يُدار في الغرف المظلمة في البيت الأبيض الأمريكي فصول مؤامرة جديدة على الشعب اليمني، ليتم ترجمتُها في إعلان العدوان المتحالف على اليمن وفرض الحصار عليه برًّا وبحراً وجوًّا؛ مِن أجلِ إركاع هذا الشعب وإعادته إلى بيت الطاعة السعودي الأمريكي، مُضيفاً أن “هناك صعوبات أُخرى واجهتها ثورة 21 سبتمبر، تتمثّل أبرزُ هذه الصعوبات في الإرث القديم للنظام السابق من منظومة الجهاز الإداري المترهل بالفساد، بالإضافة إلى المؤامرات المتتالية لإجهاض الثورة وسعي العدوّ نحو جر البلد إلى ساحة الفوضى، ليتحدّث عن أن الثورةَ هي سبب ما يحصل في البلد، بينما هي في الحقيقة ناتجة عن ممارسات العمالة والارتهان التي دأبت عليها بعضُ المكونات السياسية”.

 

السفير الأمريكي الحاكم الفعلي

من جهته، يقول الكاتب والباحث السياسي زيد الغرسي: “إن أهميّةَ ثورة 21 سبتمبر تأتي من خلال معرفة الواقع الذي عاشه البلد قبل الثورة، حيث كانت الوصاية السعودية الأمريكية تتحكم في كُـلِّ شيء، بل وأصبح السفير الأمريكي يتدخل في كُـلّ صغيرة وكبيرة، وكانت اليمن مستباحة لهم، فدمّـروا الجيش بذريعة هيكلته، ودمّـروا الأجهزة الأمنية بذريعة مكافحة ما يسمى الإرهاب، وشاهدنا الاغتيالات اليومية والتفجيرات وإسقاط الطائرات وانتشار الفوضى”.

كذلك الأمر على المستوى الاقتصادي، حيث زادت الجرعُ وزاد نهبُ ثروات البلد من قبل العصابة التي كانت تحكمه، وتدهورت حالة المواطن المعيشية التي كان يعيش بين الأزمات بشكل متواصل كما يقول الغرسي.

ويزيد الغرسي بقوله: “أما على مستوى الفساد في مؤسّسات الدولة، فقد نخر فيها بشكل كبير وغير مسبوق، وأصبحت المؤسّسات كالإقطاعيات بين عفاش والإصلاح وعلي محسن وأولاد الأحمر”، وأنه على مستوى آخر فقد أصبح الأمريكيُّ الحاكمَ الفعلي لصنعاء، وهو أَيْـضاً من يتحكم بالمناهج وخطب الجمعة، حيث بدأ في تغيير هُوية الشعب اليمني من خلال فرض إجازة يوم السبت، وحذف آيات الجهاد من المناهج وتغيير الخارطة التي فيها فلسطين المحتلّة، حتى وصل الحال بالسفارة الأمريكية لإعداد خطب الجمعة من عندها.

ويبين الغرسي في كلامه لصحيفة المسيرة، أن كُـلَّ ذلك جعل اليمن حينها ينحدر باتّجاه الهاوية والكارثة، وحينها كان “لا بد من إيقاف هذا المسلسل الكارثي، وبالتالي كانت ثورة ٢١ سبتمبر كمنقذ والتي حقّقت أشياء كثيرة، وعلى رأسها استعادةُ الاستقلال والسيادة للبلد والخروج من الوصاية الأمريكية السعودية، وإسقاط أركان العمالة من القوى الداخلية التي هي اليوم في صفِّ العدوان، كما عملت ثورة 21 سبتمبر على إيقاف التدهور الاقتصادي والأزمات المفتعلة، وإنقاذ اليمن من المخطّط الأمريكي الذي كان يُراد تنفيذه في اليمن، وهو التدمير الكلي للبلد على كُـلّ المستويات”.

ويشير الغرسي إلى أنه وبعد نجاح ثورة 21 سبتمبر وفشل أمريكا في مواجهتها خلال الستة الأشهر التي تلتها، استخدمت الورقة العسكرية لإجهاضها من خلال العدوان على اليمن؛ بهَدفِ إعادته لبيت الطاعة الأمريكي “لكن الشعبَ اتّخذ قراره في الحرية والاستقلال، ولن يتراجع عنه مهما كانت التضحيات”.

ويؤكّـد الغرسي أنه وعلى الرغم من أن ثورة 21 سبتمبر لم يسمح لها ببناء البلد، بسعي الأمريكي لإشغالها بالعدوان، إلّا أن هذه الثورة حقّقت نجاحات كبيرة نلاحظها اليوم في الحرية والكرامة واستعادة القرار اليمني والتصنيع العسكري المتطور والصمود الشعبي في وجه العدوان، والحفاظ على مؤسّسات الدولة من الانهيار والأمن والاستقرار غير المسبوق في المحافظات الحرة، بالرغم من كُـلِّ المؤامرات والدسائس لدول العدوان وقلة الإمْكَانيات للأجهزة الأمنية، وكذلك الاهتمام بالزراعة وإنشاء هيئة الزكاة التي تقدّم إنجازاتٍ كبيرةً، وَأَيْـضاً الاهتمام بالإنتاج المحلي وإن كان ما يزال في البداية، ويحتاج عملاً واسعاً وفترة لا بأس بها، ويضيف: “أما الإنجازات العسكرية فحدّث ولا حرج، حيث يطول الحديث عنها”.

ويعتبر الغرسي أن من أهمِّ ما يعيق ثورة 21 سبتمبر، هو الدولة العميقة المضادة للثورة والمتواجدة في مؤسّسات الدولة والتي ترفض التغيير؛ لأَنَّها عاشت على الفساد ونهب الشعب وثرواته، وترى أن الثورة ستحد من جشعهم وفسادهم، ونراهم اليوم يعرقلون الكثير من الخطوات والإجراءات ويساعدهم في ذلك القانون الذي فصّله عفاش لحماية الفاسدين وإيجاد الثغرات التي يستندون عليها، لافتاً إلى أن من أبرز الصعوبات التي تواجه الثورة هو العدوان الذي حَــدَّ من تقديم إنجازات كبيرة، داعياً إلى عدم نسيان الروح الثورية؛ لأَنَّ نسيانها سيتسبّب في عدم تحقيق أهدافها.

 

خلاصة نضال

لقد مثّل يومُ الـ 21 من سبتمبر خلاصةَ نضال الحركة الوطنية الجماهرية والثورية والديمقراطية، الجماهيرية والسياسية، المنظمة والعفوية، المادية والفكرية، والتي اتّخذت أشكالاً وأساليب نضالية وكفاحية مختلفة، على مر العقود الثلاثة الأخيرة، تنوعت شعاراتُها وتوحدت مضامينُها، على اتساع الرقعة الجغرافية من الجنوب إلى الشمال.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي أنس القاضي: إن هذا النصرَ حمل معه رياحين وآمالَ عقودٍ من تاريخ الـيـمـنيين، وآلافاً من الشهداء؛ لهذا اليوم الجديد، بثورة 21 سبتمبر التي أزاحت عن كاهل الشـعـب أكبر المعوقات أمام تقدّمه الاجتماعي، وثبتت مكتسبات جماهيرية للـيـمـنيين، لا تستطيع أيةُ قوة أن تلغيَها.

ويبين القاضي في كلامه لصحيفة المسيرة، أن من أبرز منجزات الـ21 من سبتمبر هي “استكمال تحرير القرار الوطني والاستقلال السياسي، من التدخل الخارجي وفرض رؤاه بالقضايا الداخلية، وكذا القضاء على البيروقراطية العسكرية التي جيّرت الجيشَ لمصالح فئوية، بالجنرال علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح، والجنرالات المقربة من صالح والمؤتمر الشـعـبي العام، والقضاء على جامعة الإيمان، بما هي فقّاسة للإرهاب التكفيري المرتبط بالمشروع الاستعماري، إلى جانب القضاء على الأسس الاجتماعية لهيمنة بيت الأحمر وحزب الإصلاح، وتدمير قواهم العسكرية الخارجة عن جهاز الدولة البيروقراطي، وضمان الشراكة الوطنية، والتعددية الديمقراطية في البناء السياسي الفوقي، والدفع إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني”.

ويواصل القاضي حديثه: “كما عملت ثورةُ 21 سبتمبر على الدفعِ نحو إعادة تشكيل الهيئة الوطنية لصياغة الدستور بشكل ديمقراطي يستوعب كُـلّ القوى التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني ويضع جميع المواطنين على قاعدة المساواة، ويستوعب حـرية الفكر ومزاولة النشاط الثقافي بشكل سلمي”، مُشيراً إلى إسقاط القرار الديكتاتوري لهادي بشأن شكل الدولة الذي لم يراعِ التوافق، وإحالة مسألة شكل الدولة إلى “لجنة دراسة علمية وإخضاعه للديمقراطية والوفاق الوطني، وكذا فرض الإرادَة الشعبيّة، وأدوات التغيير الجديدة، المتمثّلة باللجان الشعبيّة المسلحة”.

ويشير القاضي إلى أن الثوراتِ الشعبيّة في المرحلة التاريخية الراهنة، تواجه تحديات خَاصَّة حتمية لها علاقة وثيقة بطبيعة الاستعمار الجديد وهيمنة الأحادية القطبية منذ انتهاء الحرب الباردة، حيثُ يعمل الاستعمارُ الجديدُ جاهداً على مقاومة التغيير، وكبح الثورات، وبالتالي يصبح للقوى الاستعمارية موقف من أية ثورة شعبيّة تحدث في العالم؛ خوفاً من التبدلات، إذ أن هيمنة الدول الإمبريالية توسعت في كُـلِّ قارات العالم في إطار العولمة الغربية السائدة.

ويوضح القاضي أن أبرز التحديات لثورة 21 سبتمبر تتمثل في التعقيدات الإقليمية والدولية المؤثرة سلباً في تأجيج التناقضات الداخلية، أَو في الحياد السلبي والميل للسلطة القديمة، مبينًا أنه وبسبب الموقع الجيوسياسي المميِّز لليمن، ومن هذه المميزات موقعها في المنطقة الملكية الغنية بالنفط، وطرق التجارة الدولية، مما جعل القوى التوسعية والاستعمارية الأجنبية تقف بمواجهتها، وبالتالي اصطدمت الثورةُ الشعبيّةُ بشكلٍ مباشرٍ بالتدخل الخارجي السعودي الأمريكي، كأعلى شكل للثورة المضادة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com