زوجة الشهيد ياسر القدمي في حوار مع صحيفة “المسيرة”:
ليس لديَّ أولاد لأقدِّمَهم إلى الجبهات ولو كان لدي لدفعتُ بهم جميعاً إلى ميادين الجهاد
على المجاهدين مواصلةُ المشوار والمضيُّ على درب الشهيد أبي عمار وكل الشهداء وألا ينسوا وصاياهم
المسيرة| خاص:
ها هم العظماءُ يتسابقون للفوز بالجائزة الرّبانية واحدًا تلو الآخر دونَ سابق إنذار إلّا أن قالوا ربُّنا الله ثمّ استقاموا وأقاموا دينَ الله، فما ضعفوا وما وهنوا وما استكانوا، نهجوا صراط الله المستقيم وسلّموا لله أنفسَهم، فانطلقوا جهادًا وقتالًا في سبيل الله، فكانوا أشداءَ على الكفار يضربون فوق الأعناق ويضربون منهم كُـلَّ بنان؛ لا لأجلِ شيءٍ شخصي دنيوي.. بل لتكونَ كلمة الله هي العلــــيا..
وهُنا نجمٌ من النّجوم انطفأ فزادنا اشتعالًا وتوقُّدًا واندفاعًا.
وتستضيفُ صحيفة “المسيرة” زوجةَ الشهيد الحاج/ ياسر يحيى محمّد القدمي ”أبو عمّار‟ بعدَ مرور 40 يوماً على استشهاده؛ لتحدّثنا عن حياة الشَّهيـد؛ ولنأخُذَ منهُ غيثًا نديًّا يُحيي هِمَمَنا ويرفعُ عزائمَنـا.
إلى نص الحوار:
– بدايـةً.. هلّا قدَّمتِ لنا نبذةً تعريفيةً مختصرة عن الشَّهيـد؟
الاسم: ياسر يحيى محمّد القدمي، مواليـد: حجّـة- بيت قدم- شرس، في: 15/5/1985، خريج ثانوية متزوج ولديه ابنة واسمها بتول.
– متى بدأ مسيرته الجهادية؟
تقريبًا في الحرب الخامسة على صعدة.
– ما هو دافعُ انطلاقته للجهاد في سبيـل الله؟
أولًا؛ لأَنَّهُ توجيهٌ من توجيهات الله في كتابه، ولأنهُ عرفَ الحقَّ، ومن عرفه لا يجوزُ عليـه القعود؛ ولذلك انطلق لمناصرة أهل الحق.
– بطبيعة حياة المجاهد أنَّهُ يضطر للغياب عن أهله فترات.. كم كان ينقطعُ عنكم وما كانت أعمالُه عندما يصل؟
كان يزورنا كُـلَّ شهرين أَو ثلاثة، ويبقى يومين ثلاثة أَيَّـام فقط.
كان غالبًا يصلُ فجرًا، وأوّلُ ما يقوم بهِ هو تطبيقُ برنامج رجال الله الذي لا يهمِلُهُ بالمطلق ولا تغمض له عينٌ إلّا وقد قرأ قرآن ولخّص ملزمة.
– كيف كانت معاملتُه معكم؟
كان بالرّغمِ من ضغط العمل عليه إلّا أننا لم نشعر للحظة بضجره، ولم نلقَ منهُ كلمةً تدُلُّ على انزعاجه أَو غضبه، على العكس تماماً كان يشغل وجوده في تنشئتنا وتوعيتنا بالثقافة القرآنية، ويحثنا على الجهاد والصبر، ويحدثنا عن مسيرة الأنبياء ويضرب لنا مَثَلًا بنبي الله إبراهيم كيف أنَّهُ ترك أهلَه وتوكّل على الله، وغيرها من الأمثلة.
– عَلِمنا بأنَّ الشهيد جُرح أكثرَ من مرة.. فكم عدد إصاباته، وأين، ومتى؟
جراحاتُه كثيرة ولكن البليغة منها كانت مرتين، المرة الأولى: في حرب عمران قبل سِتِّ سنوات تقريبًا أُصيب في عينهِ اليُمنى، المرة الثَّانية: في تعز ”باب المندب‟ قبل أربع سنوات، أُصيب بشظايـا اخترقت ظهرَه وُصُـولاً إلى قدمه.
ومع ذلك كان يرى أنَّهُ قليلٌ في حقِّ الله وأنَّهُ ما زال مقصِّرًا، وأنَّهُ كما قال آنذاك: “مكيّف مع الله”.
– رحيلُ الشَّهيـد أثّر في الكثير من النَّاس، الأقرباء والغرباء، القريب والبعيد، وتبيّن ذلك من خلال التَّشييع المهيب والحاشد الذي حظي به، فما هـو سِرُّ هذهِ المحبّـة؟
السِّرُّ هو مكارم الأخلاق التي كان يتعاملُ بها مع النَّاس ومع أهله وأصدقائه وأفراده، كان متواضعًا جِـدًّا ولا يرى نفسَه إلّا فردًا من سائر أفراده، ولا يميز نفسَه بشيءٍ عنهم، مُحسنًا للمستضعفين، كاظمًا للغيظ، محبًّا للخير، صابرًا على أفراده وعلى النَّاس جميعاً، حتى أنَّهُ كان يسمي أفراده ”جهالي‟.
– أنتِ كامرأة مُجاهدة.. لمـاذا دفعتِ بزوجكِ للاستمرار في مواصلة مشواره الجهادي؟
لأَنَّي على يقين أنَّهُ يسير في طريق الحق ويُدافع عن المظلوميـة ويواجه أعداء الله من اليهود الذين اجتمعوا لمحاربتنا.
– هل سئمتِ يوماً وتعبتِ صبرًا، ولمـاذا؟
لا؛ لأنّي أرى واقعَنا أننا في عدوان والأمر يحتاجُ منّا لأكثرَ من مسألة الصّبر، يحتاج منّا أنّ نبذُلَ كُـلَّ ما بوسعنا في مواجهة العدوّ.
– كيف تلقيتِ نبأ استشهاده؟
كُنا نتوقّعُ استشهادَه في أية لحظة؛ لأَنَّنا في عدوان وهو في ميادين القتال، ووَقْعُ خبر استشهاده بالتأكيد كان صعباً، لكننا حمدنا الله وشكرناه، وما خفّف عنّا أنَّ الشَّهيـد كان دائماً يهيِّئنا لهذا الأمر من خلال حديثهِ المستمر عن الشَّهادة وعظمتها ومكسب من يفوزون بها، وأنَّهُ سيكون في يومٍ ما أحدَهم.
– بعد استشهاده.. مَـا هِي المسؤولية التي ترين أنَّ عليك تحمُّلَها؟
تربية ابنته ”البتول‟ كما كان يريدها أن تكونَ عليه زينبية على خُطَى أهل البيت ”عليهم السّلام‟.
– مَـا هو العهد والميثاق الذي تقدمينه للشَّهيـد؟
أعاهده بأنّي سأسيرُ على نهجه بصبر وأن أظلَّ مُجاهِدةً حتى ألحق به.
– في نهاية حوارنــا.. هل لديك رسالة، ولمن توجّـهينها؟
لديّ رسالتان:
الأولى: للسيّد سلام الله عليه، أقول له:
إنَّ الشَّهيـدَ ليس خسارةً على أهله فقط، إنَّهُ فقيدُ القائد؛ لذا سنبقى أوفياء لك وللمسيرة القرآنية.. وبعد تقديمِ زوجي، ليس لديّ أولادٌ لأقدمَهم، ولو كان لديَّ أولاد لَدفعت بهم جميعاً إلى ميادين الجهاد.
الثّانية: للمجاهدين ”أفراد الشَّهيـد‟، أقول لهم:
إنَّ عليهم مواصلةَ مشواره والمُضيَّ على دربه، وأن لا ينسوا توصياتِه التي يعلمونها جيِّدًا، وأن لا يتخاذلوا؛ لأَنَّهم كانوا الأقربَ لهُ والأكثرَ رفقةً له حتَّى من أهله.